تنقم عليه إنه أسرع منها نحو فكرة الدولة، وهي أسرع منه نحو فكرة القبيلة. ال خليفة كما يقول المرحوم عالم السلطة فؤاد الخوري لا يحتملون تداول السلطة ولا التمثيل السياسي الحر للناس.
انخرط ضمن أحلام البحرينيين الكبرى في وضع أول دستور عقدي بعد الاستقلال مباشرة. دخل أول برلمان ديمقراطي بحريني في 1973 رفض أول قانون أمن دولة صادر البرلمان وزج بالناس في نفق مظلم مدة ثلاثين عاما. ظل مؤمنا طوال هذه الفترة بالعمل السياسي الطويل النفس، وقف مع أول بوادر الحركة الدستورية المطالبة بعودة دستور 73 دفع بتياره نحو عريضة التسعينيات الشعبية والنخبوية. أيد مشروع المصالحة في 2001 ودفع باتجاه برلمان كامل الصلاحيات وعودة دستور 73. وقف مع مطالب الدولة المدنية في 2011 وحين تشبثت السلطة بأوتاد قبليتها وهدمت الدوار وأصدرت قانون الطوارئ قال جملته الشهيرة "هذه دماؤنا، هذه رقابنا، هذه رؤوسنا فداءٌ لديننا وعزّتنا".
حين أطلقت السلطة فحيح منابرها الدينية التي تقطر كراهية وسما وبذاءة، كان يتلو آيات الصبر والتسامح والوطن والمحبة والكرامة والتمسك بعرى الوحدة والوطنية والدولة. كان يكرر على مسامع الناس: "فليعلم الإخوة السنة أن واعياً من الشيعة ومتدينهم، لا يحسب أي حقد لإخوانه السنة ولا يحملهم ذنب السلطة الظالمة لهم". ويقول "أؤكد على أن يقف كل الشيعة ضد أي عدوان على إخوانهم السنة، وأن يقف السنة ضد أي عدوان على الشيعة». ويشدد على «أن أي شيعي يستبيح من أخيه السني قطرة دمٍ يكون قد أباح دم إخوانه من الشيعة، وإن أي سني يستبيح من أخيه الشيعي قطرة دمٍ يكون قد أباح دم إخوانه من السنة. وهكذا يكون الجاني جانياً على الجميع». وحين عجزت شياطين السلطة أن تجد في خطاباته ما يشبه فحيح منابرها لم تجد غير جملة " اسحقوه" التي قالها في وجه كل مرتزق يريد انتهاك عرض حرة كريمة.
لقد صان بخطاباته الوطنية الشارع الملكوم من أن ينجر إلى فتنة أريدت له، وشكر "الشعب من سنة وشيعة لوعيهم ورعايتهم حرمة الانسان المسلم، وعدم استباحة حرمته من غير حق، ولعدم انجرارهم لما يريده لهم اعلام الفتنة مروية كانت أو مسموعة أو مقروءه، ومقالاته"، وفضح مهمة الإعلام الخبيثة: "إعلام لا يرتاح حتى تقتلوا، ويدخل الخوف كل منزل وغرفة، وتسيل الدماء منكم جميعاً وتبقى روح العداوة بينكم مئات السنين".
ما كان الدين في خطابه إلا على مقاس الدولة التي تحفظ حرية الناس وكرامتهم ومساواتهم وحقهم في التمثيل السياسي الحر. مطالباً السلطة بتحمل دورها في ذلك "وماذا تملك السلطة؟ وماذا تتحمّل من مسؤولية؟ وماذا عليها أن تفعل؟ تملك أن تعترف للشعب بحقه السياسي في اختيار سلطته التشريعية والتنفيذية وصيغة دستوره الذي يحكم حياته وأن تمّكنه عملياً من إعمال هذا الحق عبر عملية انتخابية حرة"
وحين استعانت السلطة بالخارج وأدخلت جيوش القبائل وخونت مواطنيها، وقف ضد كل مقترحات الخارج وعروضه وتصعيداته وهندس سلمية الحراك الوطني المدني حتى جن جنون خصومه، وهو لائذ بحكمته وحنكته وثقته في الله.
اليوم تتهمه السلطة بما تفتقده في نفسها، إنها تفتقد: وطنيتها للدولة وولائها للأرض وثقتها في شعبها وحكمتها في الحكم. إن أكبر دليل على غياب الدولة هو نزع جنسية الشيخ عيسى قاسم ومئات المواطنين البحرينيين الأصيلين بجرة مزاج شخصي، أن يكون فرداً هو المتحكم بشطب مصائر الناس وجنسياتهم ونفيهم وإبعادهم من بلادهم لأنهم يعارضونه أو لا يعجبونه أو لا ينصاعون له. لقد كان الشيخ عيسى قاسم طوال 40 عاماً منذ مشاركته في برلمان 73، يعمل على ترسيم شكل دولة المؤسسات والقانون، وكل ما يتعلق بإطار الدولة والدستور، في حين تواصل السلطة هدم الدولة، والعودة بها إلى ما قبل 1923.
مرآة البحرين-