مجتمع » حريات وحقوق الانسان

«واشنطن بوست»: لماذا تشرع السعودية في تخفيف القيود على النساء؟

في 2016/06/30

لماذا بدأت السعودية بشكل مفاجئ إصلاحات متنوعة ومؤثرة تشمل تخفيف السياسيات القمعية ضد النساء، وهي الدولة المحافظة التي لطالما تشددت تجاه تغييرات بسيطة سابقة؟

أطلق ولي ولي العهد «محمد بن سلمان» حملة إعلامية للترويج لـ «رؤية 2030» التي ذكرتها بلومبرغ بيزنس ويك تحت عنوان «مشروع الـ 2 تريليون دولار لجعل اقتصاد السعودية لا يعتمد فقط على النفط». في الوقت نفسه، تقوم المملكة بتخفيف القيود على السياسة المجتمعية. قامت النساء السعوديات بالتصويت لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأعلنت وزارة العدل في الشهر الماضي السماح للنساء بالحصول على نسخة من عقد الزواج. وألمح ولي ولي العهد أنه من الممكن قريبا منح النساء رسميا حق قيادة السيارات.

تقول الحكمة التقليدية أن رؤية 2030 مدفوعة بانخفاض أسعار النفط والنفقات العسكرية المرتفعة بسبب حرب السعودية في اليمن. وعلى النقيض، فإن تحركات السعودية نحو مجتمع أكثر تحررا تفسر كنتيجة منطقية لتغير الأجيال والتطور التدريجي في المواقف الإجتماعية.

ورغم ذلك فإن فصل السياسة المالية عن السياسة المجتمعية بهذه الطريقة يغفل عن حقيقة ارتباط السياسة والمال بطريقة التعامل مع المرأة.

نناقش في مقالة قادمة في مركز الدراسات الدولية الفصلية أن «الأوتوقراط» في الدول الغنية بالنفط يعقدون صفقات مع الجماعات المجتمعية الهامة. يفرض الحكام سياسات إجتماعية قمعية لتأمين الدعم من الجماعات الرئيسية. كما فعلت الأسرة المالكة في السعودية مع الوهابيين.

ربما تبدو الإصلاحات السعودية الحالية تجاه السياسة المجتمعية صغيرة الحجم، لكنها هامة في سياق العديد من السياسات الاجتماعية القمعية في المملكة. وربما يصف مراقبون أن هذه السياسات تعكس الموروث الديني للدولة. لكن ذلك ليس صحيحاً تماماً.

كان هناك نقاش محتدم مؤخرا حول الانقسام بين المرأة السعودية والسلطات الدينية في ضوء عدم السماح للسعوديات بالعمل في محلات الملابس الداخلية النسائية، فالسلطات الدينية تبرر ذلك أنها تعطيهن بذلك المزيد من الاستقلالية والسلطة. لكن نتيجة ذلك، أصبحت تلك المحلات مليئة بالعاملين الأجانب من الذكور، وهو ما تعتبره السعوديات مهين وذو تهديد اقتصادي.

العديد من السعوديين غير سعداء بهذه السياسات الاجتماعية ضد المرأة، لأن العديد من الأسر السعودية تنفق المليارات سنويا بسبب تلك السياسات. على سبيل المثال قضية عدم قيادة المرأة للسيارة، تجعل العديد من الأسر تؤجر سائقين للنساء وتكلفهم رواتب باهظة، وبسبب عدم عمل المرأة، فإن جزءا كبيرا من الأيدي العاملة السعودية في وضع الخمول، وهذا قلل من الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 38%.

كالعديد من الأنظمة القائمة على النفط، يستند النظام السعودي على اثنين من الصفقات في وقت واحد.

الأولى بين الحكومة والسكان في العموم. حيث يحصل المواطنون السعوديون، بدلا من التمثيل الرسمي في الحكومة، على حصة من المنتجات المدعومة من الحكومة، من الإسكان إلى الرعاية الصحية إلى البنزين المدعم. في الديمقراطيات، التمثيل يأتي بالضرائب. أما في الدول الريعية، التحرر من الضرائب يشتري قبول عدم التمثيل. وهذا هو أحد الأسباب أن السعودية لا تأخذ ضريبة على الدخل.

الثانية تربط بين الدولة وجماعات المصالح القوية. يريد الحكام أن يظلوا في السلطة لأطول وقت ممكن، لسببين، الأول أنهم يجمعون الكثير من المال ببقائهم في السلطة من خلال الرواتب، القروض الجبرية، وأشكال الفساد الأخرى، والثاني أن فقدهم للسلطة يعني إما النفي أو الموت، كما حدث لحكام دول شرق أوسطية أخرى غنية بالنفط، مثل «صدام حسين» في العراق، أو مثل شاه إيران الذي مات بمنفاه في القاهرة.

ومن أجل الوفاء بالجزء الخاص بهم، تطالب جماعات المصالح القوية بأكبر جزء ممكن من دخول النفط. ويعلم الحكام أن هذه الجماعات لو سحبت دعمها للحكومات، فربما تكون النتيجة انقلاب ناجح. إذا عرض عليهم آخرون جزءا أكبر من الكعكة، فسيكون الانقلاب أكثر ربحا لهم. ولأجل شراء ولائهم، تضمن الحكومات الغنية بالنفط أن يحصل رجال الأعمال ذوي السلطة، والجيش والمخابرات، والسلطات الدينية (في السعودية خاصة) على نصيب وافر من مداخيل النفط.

ويظل هذا النظام يعمل طالما استطاع الحاكم التعامل مع المسارين بنجاح. وعندما كان سعر النفط مرتفعا، استطاع الحكام تطبيق سياسات مكلفة لتلبية طلبات جماعات المصالح الأيدلوجية، كما استطاعوا التعامل مع توفير الدعم للشعب في المسار الأول أيضا.

والآن، فأسعار النفط يتوقع أن تظل منخفضة لأعوام. وبهذا لا يستطيع الحاكم الحفاظ على الدفع في كلا الاتجاهين.

بكلمات أخرى، مثل «رؤية 2030»، فإنّ تغيير السياسات السعودية تجاه المرأة والمجتمع ينبع من تحديات مالية، وليس من منطلق أخلاقي. ويخبرنا هذا أن النظام الحاكم في السعودية سيواجه أوقات قاسية سياسيا. من المخادع أن تسحب الامتيازات التي لطالما اعتادت عليها جماعات المصالح نظرا لأن النظر في المسارات التي يعتمد عليها النظام الحاكم، يحمل مخاطر أن يعرض نظام حكم محتمل آخر صفقات أفضل وينتزع السلطة.

هذه هي العوامل التي جعلت هذه الإصلاحات المحدودة وربما المؤقتة تغير في العلاقة ما بين نظام الحكم والمؤسسة الدينية. تراكم التغييرات التي تبدو تافهة، مثل عودة السينيمات إلى السعودية، ربما تضيف للنسخة السعودية من البيريسترويكا. ولكن كما كتب «توكفيل» وكما تعلم السوفييت، أخطر لحظات أي نظام استبدادي عندما يبدأ في الإصلاح.

واشنطن بوست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-