مجتمع » حريات وحقوق الانسان

الاتجار بالبشر في الخليج.. أزمة مؤرقة تبحث عن حل

في 2016/09/19

لا تزال قضية الاتجار بالبشر تؤرق المجتمع الخليجي، الذي تقف دوله في دائرة الاتهام.

ويقصد بمصطلح «الاتجار بالبشر»، عملية استغلال الإنسان، عبر التهديد أو الابتزاز واستغلال ظروف الشخص المستهدف، بقصد التربح من ورائه من خلال البغاء، أو العمل الإجباري، أو نقل الأعضاء.

وهي جريمة مصنفة في مؤسسات وهيئات الأمم المتحدة ضمن جرائم حقوق الإنسان.

وبالرغم من التزام كافة دول الخليج بمعظم، إن لم يكن كل الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر، إلا أن هذا الالتزام يـظل منقوصًا لأسباب تتعلق بالبنية القانونية والثقافة السائدة في المجتمعات الخليجية.

دراسة للباحث «منصور المرزوقي البقمي»، في 2013، قالت إن دول الخليج تواجه تحديًا جديًا يتمثل في مكافحة هذه الجريمة عبر سنّ القوانين وبيئة العمل، ورفع مستوى الوعي المجتمعي عبر مؤسسات مجتمع فاعلة، تساهم في تنمية ثقافة حقوق الإنسان.

وأضاف: «هنالك عنف ثقافي، حيث يمكن أن نجده في مفردة كفيل، أو في الصور النمطية السائدة عن بعض الجنسيات، أو حتى في ممارسات معينة، مثل احتجاز جوازات سفر العاملين، ولا يمكن للقوانين وحدها التعامل مع هذا الوضع».

وأضاف: «دول الخليج تستضيف ملايين العمال غير الخليجيين ولا تقوم بجهد توعوي كاف لهم؛ فمعظم هذه العمالة لا تتحدث اللغة العربية بشكل جيد، إن تحدثتها ابتداءً، ولا تعرف عن قوانين دول الخليج العربي ما يكفي للدفاع عن حقوقها أو حماية نفسها من الاستغلال».

واستطرد: «لا يكفي أن تطلب دول الخليج من تلك الدول توعية مواطنيها قبل قدومهم، بل يجب أن يكون هنالك جهد مواز في الخليج لتوعية هذه العمالة غير الخليجية بالقوانين والحقوق وطرق طلب المساعدة».

وبحسب الدراسة فعلى الرغم من إقرار الدول الخليجية للقوانين والأنظمة المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر، الإمارات في عام 2006، البحرين وعمان في عام 2008، السعودية في عام 2009، وإنشاء المنظمات والجهات المعنية بمكافحة هذه الجريمة والإشراف على تطبيق القوانين المعنية، إلا أن بعض الممارسات لا تزال قائمة. وهذا يعود، كما أشرنا سابقًا لكون عملية مكافحة هذه الجريمة تتطلب عملاً يمس الثقافة.

القانون الأمريكي

وصنّفت الدول الخليجية، بحسب تقرير «Trafficking in Persons» الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، للعام الجاري، إلى جانب تركيا، بالدرجة الثانية، في التعاطي مع القانون الأمريكي الذي ينص على حماية ضحايا الاتجار بالبشر.

المرتبة الثانية، وضعت فيها دول الخليج، بسبب عدم تماشي حكوماتها بشكل كامل مع تعليمات القانون، لكنها تقوم بجهود جدية للتماشي مع هذه التعليمات.

كما احتلت الإمارات في عام 2014، المرتبة الأولى خليجيًا في مؤشر العبودية 2014، بحساب 99 ألف عبد، وذلك في تقرير حول العبودية الحديثة أصدرته منظمة «Walk Free» الأسترالية.

وقالت المنظمة الأسترالية إن ما يقارب من الـ98.800 شخص في الإمارات يعيشون في كنف العبودية الحديثة، أي ما نسبته 1.06 % من السكان.

وفي مايو 2015، قالت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في الإمارات، إن الظاهرة انخفضت بنسبة 68%، بإجمالي 15 قضية في 2014 مقابل 47 قضية في 2012، في حين بلغت في العام 2013 نحو 19 قضية.

واتهمت الكويت بأنها مقصد لشبكات تهريب العاملين في أعمال قسرية وفي شبكات الرذيلة، إلا أن الكويت تلك الاتهامات،، وأكدت أن الأجهزة الأمنية تلاحق أصحاب الممارسات الخاطئة في البلاد.

اتفاقية أبوظبي

تعمل دول مجلس التعاون للخليج العربي وفق اتفاقية «أبوظبي» لمكافحة الاتجار بالبشر التي تم تمديد العمل بها في عام 2011، لكنها تبقى في إطار القانون الاسترشادي، أي أنها غير ملزمة.

بيد أنه لا توجد هيئة موحدة لمتابعة أو مراقبة الأنشطة الإجرامية المتعلقة بالاتجار بالبشر بين دول مجلس التعاون الخليجي، ولا يوجد إطار قانوني للربط بين منظمات المجتمع المدني في هذه البلدان.

حتى أنّ منظمات المجتمع المدني المعنية بإعادة تأهيل الضحايا وإدماجهم بالمجتمع، لا تكاد تكون حاضرة أو فاعلة، بالإضافة إلى ذلك، لا توجد جهود بحثية كافية للتعامل مع هذه الجريمة، حتى أنّ البرامج التوعوية تكاد تكون نادرة.

العمالة المنزلية

تعد العمالة المنزلية، ونظامك الكفالة، وما تتعرض له، أحد عوامل ارتفاع معدل الاتجار بالبشر في دول الخليج.

وتشير الإحصائيات، التي تناقلتها وسائل الإعلام، إلى أن هناك نحو مليوني خادمة يعملن في دول الخليج، منهن نحو 800 ألف خادمة يعملن في السعودية فقط.

وتأتي الأغلبية العظمى من العمالة المنزلية من الهند، وسريلانكا، وبنجلادش، والفلبين، وإندونيسيا، وإثيوبيا، وكينيا، ويبلغ متوسط أعمار الخادمات ما بين 25 و30 عاماً.

ويعاني سوق استقدام العمالة المنزلية في السعودية من أزمة حادة؛ جراء قيام بعض الدول بمنع مواطنيها من السفر إلى السعودية للعمل في مهن العمالة المنزلية، على خلفية تدني مستوى الرواتب، وشكاوي من سوء المعاملة، فيما تشترط دول أخرى حد أدني للراتب للقبول بسفر مواطنيها إلى المملكة.

كمثال، تستقدم المملكة 7 آلاف عامل وعاملة من دولة بنجلاديش شهرياً، والنصيب الأكبر منها يعود لصالح العمالة المنزلية؛ حيث تبلغ عدد التأشيرات 5 آلاف تأشيرة شهرياً، منذ استئناف استقدام العمالة منها في أبريل/ نيسان 2015، إلا أن 20% من العمالة المنزلية تغادر أراضي المملكة في فترة وجيزة بسبب الشكاوى المقدمة للسفارة البنجلاديشية بالرياض.

ولمواجهة هذا الأزمة لجأت السلطات السعودية إلى فتح منافذ أخرى لاستقدام العمالة المنزلية، ومنها الصومال والنيجر وجيبوتي، وأخيرا كمبوديا.

مشكلات السعودية، لا تختالف كثيرا عن باقي دول مجلس التعاون الخليجي، مع استقدام العمالة.

وتعد الإمارات أعلى دول الخليج في توفير العمالة من الدول، كالفلبين، وإندونيسيا، وأثيوبيا، وكينيا، وغانا، والكاميرون، وأوغندا، وسيرلانكا، والهند ، وبنغلادش ، والنيبال.

وتعد دولة الكويت الأقل من حيث الخيارات المتاحة للاستقدام، بعد توقف استقدام العمالة من إندونيسيا وإثيوبيا، وأغلب المكاتب توفر عاملات من ثلاث دول هي: سيرلانكا والفلبين والهند.

تحريم

دول المجلس أكدت تحريم أي مساس بحقوق العامل أو أي ممارسة ضده من شأنها أن ترقي إلى أي شكل من التمييز.

جاء ذلك في كلمة مشتركة لدول مجلس التعاون ألقاها أمس، مندوب السعودية في الأمم المتحدة بجنيف السفير فيصل طراد أمام مجلس حقوق الإنسان.

وأشارت إلى أنها حققت تقدما كبيرا في مجال تنظيم وحماية العمالة الوافدة وحقوقها والعمل الجدي الذي تقوم به مع منظمة العمل الدولية في مجال إدارة العمالة الأجنبية والمساعدة التقنية وإصدار أنظمة جديدة لضمان حماية الأجور، واتخاذ العديد من المبادرات لرفع مستوى دخل الفرد؛ ما جعلها قدوة للعديد من الدول في العالم.

تقرير صادر عن  مركز الجزيرة للدراسات، الأسباب الثقافية والقانونية، في 2014، قال إن هنالك اهتماما كبيرا في دول الخليج العربي بمسألة مكافحة الاتجار بالبشر، منذ عام 2005 حتى اللحظة. لكنه أوضح أن الجدل القانوني حول الاتجار بالبشر يختلف بين دول الخليج كليا، مُرجعا ذلك لتفاوت البيئة التشريعية والثقافية فيما بين دول منظومة مجلس التعاون الخليجي الست.

وخلص التقرير إلى أن من بين أسباب عدم القضاء على هذه الظاهرة، رغم وجود القوانين والتشريعات في دول مجلس التعاون، هو عدم توافر «التعاون» الكافي بين دول المجلس؛ فلا وجود لهيئات مختصة تراقب هذه الأنشطة الإجرامية، أو مظلة تجمع منظمات المجتمع المدني الناشطة في هذا المجال.

إسلام الراجحي- الخليج الجديد-