مجتمع » حريات وحقوق الانسان

نصف سعودية

في 2016/10/17

لم أكن أعرف أن هنالك نصف سعودي أو ربعه أو ثلثه! متى كانت النسبة تدخل في الجنسيات! إنها المواطنة، لا يمكن أن تجزّأ!

تابعت البرنامج الحواري الذي حمل عنوان "أنا امرأة سعودية وولية أمري... لم لا؟"، لن أتحدث عن جوهر القضية التي طرحت، فقد تمت مناقشتها وطرحها بشكل تفصيلي من الجهتين المؤيدة والمعارضة على صفحات الصحف المحلية، ولكن الذي أريد أن أتطرق إليه اليوم هو الهجوم على الآنسة أماني العجلان والسيدة التي عرّفت نفسها بـ"سعاد"، فانتهى الأمر إلى أن المؤيدين للأولى قاموا بمهاجمة الثانية، وبالمقابل فإن المؤيدين للثانية هاجموا الأولى! كما أن الهجوم طال الشيخ سليمان العجلان والناشطة عزيزة اليوسف، ولكن لم يكن بنفس الحدة.
ولاحظت أن الكثير ركز على جنسية الثانية التي بدورها وصفت الأخت أماني بـ"نصف سعودية" بما أن والدتها ليست سعودية، وبالتالي ليس لها الحق أن تتحدث عن القبيلة! والمفارقة التي نستطيع أن نصفها بالهزلية أن معارضي السيدة سعاد جردوها من الجنسية بناء على لهجتها!
يا سلام! لم أكن أعرف أن هنالك نصف سعودي أو ربعه أو ثلثه! متى كانت النسبة تدخل في الجنسيات! إنها المواطنة، لا يمكن أن تجزّأ! وكيف يتوقعون أن تُفعل تلك التجزئة؟ هل سيكون الفرد في الصباح سعوديا وفي المساء يتحول إلى جنسية أخرى؟ وفي حالة انتخابات البلدية مثلا هل سيسمح له أن يصوت في دورة وفي التالية يحرم؟ أم هل سيمنح امتيازات الخدمات المدنية لسنة ويحرم منها في التي تليها؟ ماذا عن جواز سفره؟ هل يستخدمه لنصف سنة ويستخدم جوازا آخر للنصف المتبقي، أم هل يُسلم نصف جواز ودولة أخرى تسلمه النصف الثاني؟ ماذا عن حبه وانتمائه لوطنه، هل يحب وينتمي لسنة ويتجاهل لسنة، أم حبه نصف وانتماؤه ثلث وعشقه لتراب أرضه ربع؟! ثم ماذا عن اللهجة؟ هل اللهجة تلغي الجنسية؟ ولا ننسى تهمة أن من يستخدم كلمات أجنبية في حديثه فهذا دليل على أنه غير سعودي! جهل مطبق ليس إلا!
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل هنالك من وجّه هجومه إلى الآنسة أماني بأنها قادمة من مجتمع مخملي لا تشعر بمعاناة الأخريات، بدليل أنها كانت مبتسمة طوال الحلقة، خاصة عندما كانت السيدة سعاد تسرد معاناتها، السؤال هنا: ألم يخطر في بال أحد أن الآنسة أماني قد تكون ممن يمتلكن سمة الوجه المبتسم؟ هل تعرفونها شخصيا لتحكموا بأنها كانت تستهزئ فقط لأنها كانت تبتسم؟! ثم هنالك من وصمها بأنها إنسانة مدللة تغير كل يوم سيارة أو حسب لون ثوبها! كيف تم الحكم؟ لا أعلم، فعلا أنا مندهشة كيف نحكم على إنسانة لا نعرفها ولا نعرف شيئا عن ظروفها العائلية بأنها إنسانة مدللة أو حسب ما قرأت "مستشرفة"! هل اطلعتم على ظروف أسرتها المادية؟! ثم كيف حكمتم أنها لم تعاني؟ ألم تقل إنها صبرت على حكم والدها بعدم السفر اثني عشر عاما؟ ولأنها راضية نقيم الدنيا عليها! كل ما حاولت أن تشرحه في الحوار أنها ترى أن للمرأة حقوقا ويجب أن تحصل عليها، وأن هنالك قوانين غير مفعلة وأخرى تحتاج إلى مراجعة وتطوير لتتلاءم مع احتياجات المرأة، وهي ترى أن المجتمع ما زال فتيا وبحاجة إلى وقت كي يتقبل جرعات التغيير، لكن دون سحب الولاية من الرجل، وهذا رأيها ويجب أن يحترم، وإن كان هنالك من لا يتقبله، فعدا عن أسلوب المقارنة وأدوات قياس الرأي العام، التي برأيي لم توفق في استخدامها كباحثة في مرحلة الدراسات العليا، أجد أنها قدمت رأيا ولم تجرم! كما يجب أن نحترم ما قدمته الناشطة السيدة عزيزة اليوسف، ومرة أخرى حتى وإن كان هنالك من لا يتفق معها، فلقد كانت متزنة ودقيقة في طرحها، فقد أوضحت أن "الغلط كان في اسم "الهاشتاق" لأنه فُهم غلط" حسب قولها، وأنهن لا يتدخلن "في العلاقات الشخصية والأسرية المتزنة"، ثم بينت أنهن فقط يتحدثن عن قوانين موجودة في الدولة والتي استحدثت في الثمانينات من القرن الماضي، وتؤثر على النساء اللائي لم يحظين بولي أمر متفهم، وأعطت أمثلة عن تلك القوانين الوضعية كما أسمتها، وبذلك هي لم تجرم، فالأمر كما صرحت بيد الدولة لتتخذ القرار النهائي.
إذًا لو ركزنا قليلا سنجد أن الخلاف بين الآنسة أماني والسيدة عزيزة يتمحور في نقاط محددة: أن الأولى ترى أن هنالك حقوقا للمرأة، وبنفس الوقت ترى أن هنالك قوانين تحتاج إلى تعديل أو تطوير، وأن القرارات يجب أن تكون متدرجة دون المساس بولاية الرجل، بينما الثانية ترى أن القوانين الموجودة لا تخدم مصلحة المرأة لأنها غير لازمة بمعنى لا يُلزم المواطن بها، وقوانين أخرى تحرم المرأة من حقوقها، وأنه يجب أن يكون هنالك قرار حازم من الدولة لكي يتم التنفيذ ولا تحتاج إلى الانتظار كي تصدر، كما ترى أن هنالك فرقا بين الولاية والقوامة، وبالتالي هي أبدت رأيا تؤيده وتقوم على دعمه عن طريق قنوات ترى أنها سوف توصل الرسالة.
إن كان الخلاف ليس بهذه الحدة، بل هنالك توافق أكثر من الاختلاف، فلماذا كل هذا الهجوم؟! لنترك الشيخ سليمان العجلان جانبا لأنه، حسب رأيي، لم يعط الفرصة الكافية لكي يوضح وجهة نظره، وتمت مقاطعته أكثر من مرة، وأكرر سواء اتفقنا معه أم لم نتفق، هو أيضا له رأي ويجب أن يحترم، ولنعد إلى الهجوم الشرس على الإناث في البرنامج، الذي لم يدر أصلا بطريقة مهنية، فتمت المقاطعة والتداخل في الحوار مما شوش على سيره، فانتهى الأمر إلى أن كل فريق مؤيد أو معارض من المتابعين سن سلاحه وتحول الهجوم إلى شخصنة واتهامات، بل وصل الحد إلى مستوى البذاءة والقذف!
في النهاية إنها قضية رأي عام، وبالأهمية مما يجعلها غير قابلة للتجاهل أو النسيان بالتقادم، ولسوف تظل تفتح وتناقش إلى أن نتوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف، ثم إنها ليست قضية هبطت فجأة علينا من الفضاء، وليست قضية فرضت علينا من الخارج، فطالما هنالك من يعاني يجب أن نتوقف ونتحاور باحترام ونرتقي بمفردات النقد، فنحن أبناء وطن واحد شئنا أم أبينا، وما يمس أحدا منا يمس الباقي، وعليه بما أن المجتمع المحلي يفضل المشاهدة على القراءة، يجب أن يهتم إعلامنا المرئي أكثر، ويفتح المجال لتناول هذه القضية بكل شفافية على أرض الوطن كي لا تدار من على منابر خارجية، شوكنا نقتلعه بأيدينا لا بيد الغريب، لأنه بذلك سوف يحوله إلى سلاح ضدنا، بل سيجدها فرصة للتدخل في شؤوننا والتعدي على سيادتنا. 

ميسون الدخيل- الوطن السعودية-