قرَّرت هيئة حقوق الإنسان السعودية التحقيقَ في اتِّهام الدعاة باستغلال الأطفال لإيصال خطابهم الديني، بعد انتشار فيديوهات على الشبكات الاجتماعية تظهرهم وهم يبكون ويعلنون توبتهم أمام الملأ، واعتبر بعض العلماء أن مثل هذه الممارسات «تنطع وغلو» من قبل القائمين عليها.
وفي أول تعليق من هيئة حقوق الإنسان حول هذا الأمر، أكد «خالد الفاخري» أمين عام الجمعية لـ«هافينغتون بوست عربي»، أنهم رصدوا عدداً من الحالات وجار التحقق منها.
وأضاف أن «استغلال الأطفال جُرم، والعقوبة ستتخذها الجهات ذات العلاقة إذا ما ثبت ذلك».
يذكر أن مثل هذا النوع من التحقيقات هو أمر معتاد في السعودية، خصوصاً كون هؤلاء الدعاة مجتهدين في الدعوة، وليسوا علماء مرخصين من قبل الحكومة، حتى إن بعضهم يشارك في المخيمات الدعوية دون تصريح مسبق.
وبلُغة حادة، هاجم «عبد الله المنيع»، المستشار في الديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية، وهي أعلى سلطة دينية بالسعودية، بعض دعاة المخيمات «الذين اتخذوا الأطفال والصراخ وسيلة لإيصال رسالتهم».
وقال لـ«هافينغتون بوست عربي»، إن هذا نوع من «التنطع والغلو»، متسائلاً عن نوع الأمور التي اقترفها هؤلاء الأطفال كي يعلنوا توبتهم أمام الملأ.
وأكد نفس المتحدث أن التوبة «تكون بين العبد وربه، وليست بهذه الطريقة»، مهاجماً أسلوب الصراخ والتهويل الذي يتخذه بعض الدعاة في محاضراتهم الدعوية.
وأضاف أن الإسلام يطالب بالدعوة من خلال الحكمة والموعظة الحسنة، «ينبغي أن تكون الدعوة بالرفق واللين وليس بهذا الأسلوب».
وعمَّا إذا كان هؤلاء الدعاة مؤهلين أم لا، قال «المنيع» إنهم ينبغي أن يكونوا مؤهلين علمياً وعلى جانب كبير من الاستقامة والصلاح، وأن يبتعدوا عن جرح مشاعر الناس، لكن لا يمكنني أن أجزم بأن لديهم علماً من عدمه.
وكانت الدولة قد أصدرت عدة منشورات تؤكد على ضرورة اقتصار الدعوة على من يحمل تصريحاً من وزارة الشؤون الإسلامية.
ليس أمر منكر
غير أن «سعد الدريهم»، الأستاذ المشارك في جامعة الإمام «محمد بن سعود»، وأحد أشهر الدعاة في السعودية، يرى أنه ليس ثمة أمر غريب ومنكر في تصرفات زملائه حتى تحقق فيه هيئة حقوق الإنسان.
وقال الدريهم لـ«هافينغتون بوست عربي» إن الإنسان يقاس بعقله وقلبه لا بجسده «بعض الناس صغير السن كبير العقل، وبعضهم كبير السن صغير العقل».
وأضاف أنه ليس ثمة أمر منكر حتى يتم التحقق منه «بل هو من الأمور التي يحبها الله»، في إشارة إلى الأطفال الذين «أعلنوا توبتهم».
«عبدالعزيز الروقي» (38 سنة)، أو من يعرف بأبو عزيز، هو واحد من أشهر دعاة المخيمات في السعودية، قال لـ«هافينغتون بوست عربي» مدافعاً عن موقفهم، إنه ينبغي على هيئة حقوق الإنسان أن «تحقق فيمن يستغل الأطفال في الباطل كالفن وغيره»، على حد وصفه، وتساءل «لماذا لا تنظر حقوق الإنسان إلا للدعاة؟»
ووصف ما حدث مع الأطفال في الفيديو بـ«تقويم السلوك حتى لا ينحرفوا عن الطريق المعتدل، فنحن نحاول أن نوجههم بشكل صحيح، ونبعدهم عن براثن المخدرات والإرهاب».
وبرأ «الروقي» دعاة المخيمات من استغلالهم للأطفال، معتبراً أن «الاستغلال الحقيقي للطفل يكون في الأعمال الإرهابية، وهذا بعيد كل البعد عما يحدث في المخيمات الدعوية التي تدعو للشريعة السمحة المعتدلة».
وارتبط «الروقي» بنقاش استغلال الأطفال هذا في مقطع مصور أثار الكثير من الجدل من قبل في السعودية، حين قام أحد الشبان الذين التقى بهم بتكسير آلة العود، في إشارة إلى «توبته من العزف على أوتاره مرة أخرى».
«إصلاح القيم لا يكون بالنياح والصراخ وتكسير آلات العود أمام الأطفال»، كان هذا ما قاله الدكتور «محمد التوم» (35 سنة)، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام «محمد بن سعود» بالرياض والمتخصص في علم الاجتماع.
وأردف في حديث لـ«هافينغتون بوست عربي»، أن ما ينتج عن ذلك لن يكون سوى «تشدداً أو انحرافاً».
ووصف «التوم» ما يحدث على المسارح الدعوية أحياناً بـ«التمثيل»، موضحاً أن مثل هؤلاء الدعاة يستخدمون أسلوبا تشاؤمياً «هم يلعبون على العاطفة دون العقل، وهذا لن يجدي نفعاً في كل الأحوال».
وفي نبرة حادة، قال أستاذ علم الاجتماع، إن «الدين أصبح لدينا عادة وليس عبادة»، مدللاً بأنه «حين يغيب أحياناً رب المنزل تجد أطفاله لا يؤدون الصلاة، لأنهم اعتادوا عليها، ولم يؤمنوا بماهيتها».
وأشار إلى أن «الدعاة في المخيمات لم ينقلوا الدين للأطفال كفكر أيديولوجي، بل لعبوا على مشاعرهم في لحظات، وهذا أمر في غاية السوء»، حسب تعبيره.
واعتبر أن الأمر سيؤثر في سلوك الطفل مع كبره، وسيكون إما إرهابيا أو متشددا، فحين يكبر في السن وينقل ما تلقاه من دعوة بشكل عاطفي ولا يستجيب له أحد سيلجأ للعنف، وقد ينعكس هذا على أسرته، على حد وصفه.
سعد بن نايف، وهو أب لـ3 أولاد، أكد لـ«هافينغتون بوست عربي» أنه منذ زمن بعيد لم يحضر محاضرة واحدة في تلك المخيمات الدعوية، لكنه كان في العام 2004 -كما يقول- أحد روادها.
وقال إنه كان يتأثر بطريقة إلقاء الدعاة لخطابهم، كالبكاء، «لكنني الآن أرى الأمر لا يستحق تلك المشاعر كلها».
هافنغتون بوست-