مجتمع » حريات وحقوق الانسان

في شأن إسقاط الولاية

في 2017/03/24

عبارة «إسقاط الولاية» صادمة، ليس بسبب الولاية بل بسبب «إسقاط».

كثيرون يعتبرونها دعوة لانفراط عقد الأسرة وانهيار القيم الأخلاقية.

لفظ «ولاية» في اللغة له معانٍ عدة تدور كلها على القرب، نقول «كلْ مما يليك»، أي مما هو أقرب إليك، ونقول «أحسن في من يليك» أي في من هم أقرب الناس إليك، ويقول الشاعر الجاهلي عبدة بن الطبيب: تكلفني ليلى وقد شطّ وَلْيُها /‏ وعادت عوادٍ بيننا وخطوب

أي ابتعدت دارها عنا ولم تعد قريبة.

ونقرأ «الخليفة ولّى فلانا على إقليم كذا»، أي جعله مسؤولا عما كلفه به، وبهذا يكون الإقليم المعنيّ هو «أقرب» إلى الوالي من الخليفة في العاصمة، ومن هنا أضيف للولاية معنى آخر هو «السلطان».

أقرب الناس إلى الإنسان هم أهل بيته فهو وليّهم، ومن الفطرة أن يسعى في خدمتهم، فهو وليهم، لكن لسلطانه عليهم حدود، فهناك المجتمع والدولة بمؤسساتها كالقضاء والأمن.

فالرجل وليّ أهل بيته لأنهم الأقرب له، لكنه لا يستطيع منع سلطة الدولة عليهم. فولاية الوليّ في الأصل تعني القرب والخدمة، وليس التحكم في مصير وحياة كل الأفراد الذين في ولايته.

في زمن مضى حين كان مجتمعنا بسيطاً، ولظروف موضوعية اجتماعية وعملية، كانت الدولة تمنح حفيظة النفوس للرجال غالبا وتمنحها، في ظروف معينة، للنساء (بدون صورة). وتحرص أن يسجل الرجل زوجته وأبناءه في حفيظة نفوسه، ثم كارت العائلة، بشهود إثبات، فهم مواطنون مثله، وليس بيد الرجل أن يمتنع عن تسجيلهم أو يخفي أسماءهم عن موظف التسجيل.

تغيرت الظروف ففتحت الدولة المجال لكل امرأة بصرف النظر عن حالتها الاجتماعية لاستصدار بطاقة هوية وطنية خاصة بها بنفس الشروط والمواصفات التي يحصل بها الرجل عليها.

إن ولاية النظام على المواطنين متساوية، فالأسرة تتكون من مواطنين متساوين أمام الدولة والنظام، وهذا لا يمس دور وليّ الأسرة التربوي والأخلاقي. وسيظل الأب والأم والابن والأخت والزوجة كما هم الآن، وهم جميعا أفراد متساوون أمام الدولة والنظام.

لقد فرضت الدولة حق تعليم المرأة مبكرا، أصدرت الدولة في السنوات الأخيرة تنظيمات في الطريق إلى أن تتمتع المرأة بمواطنتها الكاملة، في الوظيفة العامة وفي التمثيل في المجالس العليا سياسيا واقتصاديا وبلديّا، وكذلك منحها حقوقا في المحاكم لم تكن تتمتع بها من قبل. ومع أنها تمارس التجارة بقوة النظام، لكن النظام يفرض عليها وكيلا ينوب عنها في تعاملها مع الدوائر الرسمية، وهذا الفرض ليس له اليوم مبرر، وإلغاؤه أفضل، قدمت الدولة الكثير للمرأة بهدوء، وما زال هناك الكثير.

إن الولاية الأسرية لا تتناقض مع المواطنة الكاملة إطلاقا لأن الولاية شأن اجتماعي والمواطنة شأن إداري.

كثيرون يظنون أن المواطنة الكاملة هي إسقاط للولاية حسب فهمهم للولاية، أي أن البنت ستسافر رغما عن والدها والزوجة ستخرج عن «سلطة» زوجها، وهذا كلام غير معقول، فالبنات الآن يسافرن والزوجات كذلك ويعدن إلى بيوتهن.

الجدار الأخير هو القول بأنه لو «سقطت» ولاية الأب على البنت فإنها ستتزوج بمن تشاء غصبا عن أبيها وكل أسرتها، وهذا كلام غير معقول أيضا، فهي يمكنها أن تفعل ذلك أمس والآن، فإذا رفض أبوها خاطبا تقدم لها وهي تريده أو العكس فلها أن تلجأ لمؤسسة الدولة، القضاء، وسوف تتولى الدولة عقد النكاح شاء الأب أم أبى.

عمليا، ورغم كل هذه الضوضاء، لا ولاية على إنسان راشد إلا نفسه، وولاية النظام على الكل بالتساوي، وعبارة «ولي أمرها» التي ترد في النظام يجب أن تقتصر،إن كان لا بد منها، على القاصرات فقط.

لا أعتقد أن الدولة ستصدر نظاما لـ «رفع الولاية» لأن في الواقع النظام لا يفرض ولاية أسرية ليسقطها، لكن ستصدر الدولة أنظمة تخص المرأة لتتمتع بالمواطنة الكاملة، وهو ما يحدث الآن ويتسارع.

أحمد السيد عطيف- الوطن السعودية-