مجتمع » حريات وحقوق الانسان

السـجـون للجـمـيـع.. العـالـم المـنسي في الإمـارات

في 2017/07/04

د. معتز الفجيري- العربي الجديد-

تحل في شهر يوليو/ تموز الحالي الذكرى الرابعة لصدور حكم الإدانة في أكبر محاكمة رأي جماعية شهدتها دولة الإمارات، ومنطقة الخليج، والمعروفة إعلامياً بـ"الإمارات 94"، حيث تم اتهام 94 مواطناً إماراتياً، من خلفياتٍ سياسيةٍ وأكاديميةٍ ومهنيةٍ مختلفةٍ، بالتآمر لقلب نظام الحكم، وذلك لدعواتهم السلمية إلى إصلاحات إدارية وسياسية في الإمارات.

وقد نتج عن هذه المحاكمة، غير العادلة وذات الدوافع السياسية، إدانة 60 شخصاً في 3 يوليو/ تموز 2013 من الوجوه البارزة في مجالات القانون، والاقتصاد والقضاء، واﻹعلام، وحقوق الإنسان، بأحكام سجن بين 7 إلى 15 عاماً، بعد اعتقالهم فترات طويلة، وإخضاع بعضهم للتعذيب والاختفاء القسري.

من أبرز الذين تمت إدانتهم في هذه القضية المحامي الحقوقي الدكتور محمد الركن، الرئيس السابق لجمعية الحقوقيين التي أممتها السلطات الإماراتية عام 2011 بعد حل مجلس إدارتها واستبداله بمجلس حكومي.

وفي إطار التضامن الدولي معه، فاز الركن، في مايو/ أيار الماضي، بجائزة لودفج تراريو الحقوقية الدولية. ومن المحكوم عليهم في القضية، المحامي الدكتور محمد المنصوري، والمحامي سالم الشّحي، والقاضي محمد سعيد العبدولي، وأستاذ القانون والقاضي الدكتور أحمد الزعابي. كما حكم على ثمانية أشخاص غيابياً، وبرأت المحكمة 25 آخرين.

كانت قضية الإمارات 94 الرد الوقائي الحاسم من السلطات الإماراتية على ثورات الربيع العربي، وقد استمرت موجات القمع والحصار ﻷصحاب الرأي بشكل منهجي، خلال السنوات التي تلت القضية.

وليس مبالغةً القول إن جميع دعاة اﻹصلاح ونشطاء حقوق الإنسان في الإمارات في السجون اليوم. ففي مارس/ آذار 2017، تم الحكم على اﻷكاديمي والحقوقي الدكتور ناصر بن غيث بالسجن عشر سنوات، عقاباً على كتاباته السياسية واﻻقتصادية النقدية ضد السلطات المصرية والإماراتية، ولمشاركاته في مؤتمراتٍ سياسيةٍ وحقوقيةٍ دوليةٍ وإقليمية.

وقد تمت إدانته بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، والتي تعد مواده سيفاً مسلطاً على أعناق المدونين والصحافيين ليس فقط الإماراتيين، فقد استخدم هذا القانون أيضا لاعتقال مدونين عرب ومحاكمتهم وحبسهم عند زيارتهم الإمارات، مثل المدوّن العماني، معاوية الرواحي، وأخيرا الصحافي اﻷردني تيسير النجار.

وقد واجه أيضاً الدكتور ناصر اتهاماتٍ بموجب قانون مكافحة اﻹرهاب الذي استخدم عام 2014، بما فيه من تعريفاتٍ هلاميةٍ وفضفاضةٍ للجريمة الإرهابية والتنظيم الإرهابي، للتعامل مع جمعياتٍ حقوقيةٍ وسياسيةٍ وتنمويةٍ سلمية، باعتبارها جماعاتٍ إرهابية، مثل تنظيمات كالقاعدة و"داعش". 

كما استأنف مسلسل الحصار والقمع في 20 مارس/ آذار من العام الحالي، باعتقال الناشط الحقوقي البارز، أحمد منصور، والحاصل على جائزة مارتن إينالز ذائعة الصيت دولياً، بعد أن قام بتوقيع عريضة مطالب موجهة من نشطاء حقوق الإنسان في المنطقة العربية إلى الرؤساء والملوك العرب وقت انعقاد القمة العربية في اﻷردن.

وكان أحمد منصور آخر ناشط حقوقي خارج السجون، وقد عانى، هو وأسرته، سنواتٍ من الاضطهاد والاعتداءات الجسدية وحملات التشهير، والتهديد بالقتل، والمنع من السفر، وحرم من استكمال دراسته الجامعية، وضيّق على حياته المهنية، ووضعت اتصالاته وتحركاته تحت المراقبة باستمرار. 

القاسم المشترك في حالات الاعتقال هو تعرّض اﻷشخاص لاختفاء قسري مدة طويلة، يتم خلالها التحقيق معهم بشكل غير قانوني، من دون تواصلهم مع أسرهم أو محاميهم. ويتعرض بعضهم لوسائل شتى من سوء المعاملة والتعذيب، كما حدث مع الدكتور ناصر بن غيث، الذي رفضت المحكمة التحقيق في شكواه المتكرّرة بشأن تعرّضه للتعذيب خلال فترة اعتقاله.

يخضع أيضاً معتقلو وسجناء الرأي للحبس الانفرادي، كما الحال حاليا مع الناشط أحمد منصور، ويجد كثيرون منهم صعوبة في العثور على محامين للدفاع عنهم، نظراً للضغوط التي تمارس على المحامين المشتغلين في قضايا سياسية أو حقوقية، اﻷمر الذي حذّرت منه خبيرة اﻷمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، القاضية البرازيلية جابريلا نول، في تقريرها الصادر في مايو/ أيار 2015 بشأن أوضاع العدالة في الإمارات.

ليس هذا فحسب، بل يعاني أقارب سجناء الرأي وأسرهم من ضغوط منهجية في حقوقهم الحياتية الرئيسية، كالحق في التعليم والعمل والحصول على أوراق ثبوتية، وكثيرون منهم ممنوعون من السفر سنوات. ففي أبريل/ نيسان 2013، تم سجن عبد الله الحديدي عشرة شهور، بسبب تدوينات دافع فيها عن والده عبد الرحمن الحديدي، أحد المدانين في قضية "الإمارات94".

في فبراير/ شباط 2015، تعرّضت بنات المعتقل اﻷكاديمي، الدكتور عيسى السويدي، إلى الاختفاء القسري ثلاثة شهور، بسبب تغريداتٍ لهن على "تويتر" حول قضية والدهم.

وفي مايو/ أيار 2014، حكم على المدون أسامه النجار بالسجن ثلاث سنوات، بعد أن أطلق حملة على "تويتر" لمناصرة والده سجين الرأي حسين النجار. ورغم انتهاء مدة عقوبته، ترفض سلطات اﻹمارات الإفراج عنه، وتم إيداعه تعسفياً في مراكز المناصحة المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب، على اعتبار أنه خطر على أمن الدولة والمجتمع!

ونشطت السلطات الإماراتية في التعاقد مع شركاتٍ بريطانية وأميركية لاستيراد أحدث التقنيات في مجال مراقبة الإنترنت، والتجسّس على تطبيقات اﻻتصالات والمراسلات، وقد استخدمت هذه التقنيات بالفعل، طبقاً لتقرير صدر عن منظمة Citizen Lab الكندية في يونيو/ حزيران 2016، في التجسّس على نشطاء سياسيين ومثقفين ومدافعين عن حقوق الإنسان إماراتيين منذ عام 2012.

وكان أحمد منصور ضحية هذا التجسّس، وبشكل متكرر في اﻷعوام الثلاثة الماضية، اﻷمر الذي دفع شركة أبل إلى إجراء تحديثٍ فني على أجهزة أيفون، بعد اكتشاف برمجيات تجسّس، من ابتكار شركة برمجيات إسرائيلية، للتجسّس على هاتفه.

نجح الحكم في الإمارات، على مدار العقدين الماضيين، في رسم صورة دوليةٍ مشرقةٍ ﻷوضاعها الداخلية، باعتبارها مركزاً عالميا للخدمات الاقتصادية والاستثمارية، ومكانا سياحيا جذّابا للتسوق في مراكز التجارة الفخمة.

وقد جعل نفوذ الإمارات، المالي واﻻقتصادي، ونجاحها في التأثير على وسائل إعلام عربية وغربية، وكثيرٍ من مراكز التفكير في الغرب، من الصعب فتح ملفها اﻷسود في القمع والتنكيل بأصحاب الرأي، فنادراً ما توجّه الولايات المتحدة، أو الحكومات اﻷوروبية، أو المؤسسات البرلمانية الدولية، كالبرلمان اﻷوروبي، انتقاداتٍ لسجل حقوق الإنسان في الإمارات، وتمنع السلطات هناك أي زيارات لهيئات حقوقية دولية.

وسط هذه السياسات المحلية للحكام في الإمارات، لم يكن غريباً أن السلطات الإماراتية ناصبت العداء للثورات العربية منذ عام 2011، وخصوصا الثورة المصرية، هذا العداء الذي تجسّد، على مدار اﻷعوام الستة السابقة، في التآمر بالمال والسلاح على مسارات التغيير في البحرين ومصر وليبيا واليمن.

وحصيلة الحرب على الإرهاب الذي تدّعي السلطات الإماراتية اليوم أنها تحاربه هي ملاحقة دعاة الإصلاح السلميين، والمدافعين عن حقوق اﻹنسان، والالتفاف على مساعي الشعوب في التخلص من الاستبداد، ذلك هو الوجه الآخر المنسيّ الذي يجهله، أو يتعمد تجاهله، مراقبون كثيرون عن الإمارات.