مجتمع » حريات وحقوق الانسان

تدريس المعلمات للبنين بين الارتياب وثغرات سياسة التعليم

في 2017/08/01

عبير العلي- الوطن السعودية-

«قرار الوزارة جانَبَه الصواب، وجاء معيبا ومخالفا للنظام، وعلى وزارة التربية أن تدرس تصرفاتها قبل صدورها من الإدارات النظامية المختصة، وتتمكن من تدارك ما فيها من قصور، وتقويم ما فيها من اعوجاج، وإلغاء القرار مدار التظلم يأتي لعدم قيامه على سند يبرره من الفقه والنظام».

كان هذا محتوى قرار الدائرة الثانية في ديوان المظالم بالرياض، في مارس عام 2013، والذي يقضي بإلغاء قرار وزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت بتدريس البنين في الصفوف الأولية بمدارس البنات، القرار الذي بدأ العمل به مطلع العام الدراسي 2010 بسماح الوزارة للمعلمات بتدريس طلاب المراحل الأولية في التعليم الابتدائي «الصف الأول والثاني والثالث»، باشتراطات محددة، منها أن تكون في فصول خاصة بالطلاب منفصلة عن الطالبات في المرحلة نفسها. ولكن القرار أُلغي بعد فترة تجربة قصيرة في نطاق محدود وفي مدارس أهلية قليلة في بعض مناطق المملكة، بسبب الشكاوى الاحتسابية ضد القرار، والتي وصلت إلى رفع دعاوى قضائية ضد الوزارة أمام ديوان المظالم ضد القرار الوزاري الصادر من وزارة معتبرة، وكانت التهمة الأولى التي رفعها أحد أشهر أساتذة الجامعات والاحتساب في السعودية ضدها، هي «إشاعة الفاحشة»!

في توجيه جديد من وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، الأسبوع الماضي، بتشكيل لجنة لدراسة دمج الطفولة المبكرة «تمهيدي 2 وتمهيدي 3» مع الصفين الأول والثاني الابتدائي «ورفع نتائج توصية اللجنة خلال ثلاثة أشهر»، تعود المحاولات السابقة الموؤودة للوزارة في محاولة دمج تعليم المراحل الأولية للبنين مع تعليم البنات، وتولي المعلمات تدريسهم بدلا من المعلمين، تعود إلى الظهور في سيناريوهات قريبة للسابق، بين مؤيدين ومعارضين. كل منهم جاهز بأدلته ورؤاه ومبرراته، وربما أمله في تحقيق انتصاره على أي قرار أو توصية تراها الوزارة عن طريق الطعن فيها عبر القضاء.

تَوجُّه الوزارة لدمج الطفولة المبكرة مع الصفوف الأولية بالتعليم الابتدائي، سيكون له عدد من المنافع على عدة مستويات، أهمها وأولها الناحية الاجتماعية والتربوية والنفسية للأطفال في تلك المرحلة العمرية المبكرة، فأن تباشر معلمة تعليم وتربية طفل حتى عمر التاسعة كفيل بأن تحقق له اتزانا نفسيا، فلا يشعر بغربة التعامل مع الرجل، وقد اعتاد على أمه ومعلمته في مراحل الطفولة المبكرة، خصوصا أن المرأة أكثر عطفا وأحسن احتواء واحتمالا له من نظيرها الرجل.

كما سيحقق هذا التواصل مع معلماته حتى هذه السن فائدة اجتماعية بتأخير عزله المبكر عن النساء ولو لعامين، فيعتاد رؤيتهن والتعامل معهن والتواصل معهن في أطر من التربية المحترمة والتعامل الراقي الذي يكتسبه من معلماته ويُغرَس في وجدانه أنهن «مخلوقات» طبيعية، يمكن التعامل معهن ومباشرتهن في الحياة العامة دون ارتياب أو خلل سلوكي متراكم من العزل المنظم بين الجنسين من عمر مبكر جدا.

المعلمة ستكون أقدر كذلك تربويا مع الطفل -أيا كان جنسه- بدافع غرائزها الفطرية أولا، ثم من خبرتها في التعامل مع الصغار وتوجهيهم وتعليمهم بما يتناسب من أساليب قد يعجز عنها زميلها الرجل، أو يضيق بها سريعا.

يقف المعارضون ضد قرارات ودراسات التعليم في تكليف المعلمات بتدريس الأطفال في المرحلة الابتدائية -في السابق والآن- موقفا مرتابا كالعادة من المرأة نفسها، وليس من النتائج التي سيجنيها جيل بأكمله، وهذا الارتياب مرجعه قضية الاختلاط التي كانت وما زالت شماعة يعلق عليها هؤلاء المرتابون حججهم وأعذارهم، ويرون فيه مدعاة لفساد المجتمع والتعليم، وسببا في شيوع الفاحشة، كما كان في تهمة المدعي ضد القرار ذاته الذي وجهت بدراسته الوزارة اليوم وألغي.

قضية الاختلاط بين الجنسين حُمّلت أكثر مما تحتمل، وتسببت في عرقلة كثير من المشاريع التنموية والتربوية والاجتماعية، رغم أنها فطرة الله في خلقه وطبيعته التي خلق الناس عليها ونظمها بالأخلاق والقيم الإنسانية والدينية.

يعارض كثيرون -بوعي وغير وعي- هذا الاختلاط في التعليم وفي المستشفيات وفي الشوارع، ثم يعيشه بتناقض فاضح، فالطلاب من الجنسين في بعثات التعليم الرسمية يتعلمون معا، والأطباء والمرضى يمارسون عملهم ويتداوون من أمراضهم معا، والمرأة المحرومة من الجلوس خلف مقود السيارة تجلس في المقعد الخلفي خلف سائق غريب وتختلط به لساعات دون اعتراض، وغيرها من مجريات الحياة الطبيعية التي جعلت منها قضية ارتياب تثار في التعليم وغيره.

ما يهم وزارة التعليم الآن في قرارها الذي تخضعه للدراسة والنظر، في جدوى تنفيذه أن تتأكد فعلا من قوة موقفها النظامي في قراراتها حتى لا يتطفل على أي من منها أي جهات أو أفراد احتساب تريد أن تسير المجتمع من زاوية منغلقة واحدة، وذلك بمراجعة سياسية التعليم وموادها جيدا، والرفع لجهات الاختصاص كمجلس الخبراء عند الحاجة لتغيير وتجديد ما يتعارض فيها ولا يتفق مع رؤية المملكة الجديدة التي تهدف إلى التنمية البشرية والاقتصادية من خلال التعليم أولا، فوثيقة سياسة التعليم لدينا قديمة جدا، وُضِعت في فترة زمنية لا تتناسب مع متطلبات العصر الحالية، وإعادة النظر في كثير من أبوابها وموادها سيلغي أي مبررات للاعتراض أو الوقوف أمام أي قرارات وزارية جديدة هادفة.

وحين تخضع الوزارة مثل هذا القرار للدراسة الجادة، فعليها أن تفكر جيدا في احتياجات الأطفال التربوية في هذه المرحلة، خلال دراسات ميدانية واقعية، وخلال الاستفادة من التجارب الدولية في مجال رعاية وتعليم الطفولة المبكرة، من ناحية الإمكانات والشهادات العلمية المختصة للمعلمين والمعلمات الموجهين لهذه الفئة بالذات، والتي نعلم جميعا كآباء وأمهات وتربويين أن كثيرا ممن يتجه إلى تعليم المراحل الأولية ليس رغبة وشغفا بتعليم هذه المرحلة، ولا تخصصا دقيقا نال فيه شهادته، بقدر ما هو بحث عن»راحة» في الوقت والجهد والحوافز المبتكرة مؤخرا.

وعلى الوزارة والعاملين فيها، خلال البحوث والاستبيانات الشفافة بين الطلاب والمعلمين، أن يقيسوا حجم التجاوزات المسكوت عنها في هذه المرحلة، من تحرش وتعنيف وضرب، ومعالجتها بإحلال المعلمات، أو اتخاذ إجراءات رقابية وتعليمية صارمة، تحفظ حق الأطفال في الحصول على تعليم متطور، وشخصيات سوية وتربية متزنة.