مجتمع » حريات وحقوق الانسان

«بن سلمان» يدشن عصرا من القمع غير المسبوق في السعودية

في 2017/09/16

نيويورك تايمز - ترجمة شادي خليفة -

بدأت السعودية حملة واسعة النطاق ضد المعارضين المتصورين لسياسات ولي العهد الجديد للمملكة «محمد بن سلمان».

وخلال الأسبوع الماضي، تم اعتقال 16 شخصا، وفق ما قاله أصدقاؤهم وأقاربهم وزملاؤهم في مقابلات. ومن بينهم رجال دين إسلاميون بارزون وأكاديميون وشاعر واقتصادي وصحفي ورئيس منظمة شبابية واثنتان من النساء، على الأقل، وأمير واحد، وهو ابن أحد الملوك الراحلين.

وقد تم نقل بعضهم من منازلهم إلى أماكن احتجاز غير معلنة من قبل قوات الأمن، وتمت مصادرة أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة والوثائق الشخصية للمعتقلين، حسبما ذكر الأصدقاء والأقارب. وقد تم احتجاز المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، ولم يتضح ما إذا كانوا قد وجهت لهم اتهامات رسميا بارتكاب جرائم. ولم تفصح المملكة علنا ​​عن أي دليل قد يكون ضدهم.

وقام النشطاء السعوديون بتعميم قوائم تضم 30 شخصا أو أكثر يقولون إنهم تم احتجازهم، لكن حجم وأهداف الحملة لا يزال غير واضح، حتى لأولئك الذين يخشون استهدافهم.

وقال «جمال خاشقجي»، الصحفي السعودي المخضرم، الذي كان مستشارا للحكومة السعودية، ويقيم حاليا في الولايات المتحدة لأنه يخشى اعتقاله إذا عاد إلى بلاده: «إنه أمر سخيف». ورفض الفكرة التي يروج لها مؤيدو الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعية بأن الأفراد المحتجزين كانوا يتآمرون ضد البلاد.

وقال: «لم تكن هناك مؤامرات». وأضاف: «لم يكن هناك ما يدعو إلى مثل هذه الاعتقالات. إنهم ليسوا أعضاء في منظمة سياسية، وهم يمثلون وجهات نظر مختلفة».

ولم يرد المسؤولون السعوديون على طلبات التعليق.

وتأتي هذه الحملة في وقت حرج للمملكة، وهي واحدة من الدول الملكية المطلقة القليلة المتبقية. وقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى تقويض اقتصادها، واقترح ولي العهد الجديد إجراءات شاملة للحد من اعتماد المملكة على النفط.

وفي حين تحظى العديد من التغييرات المقترحة بشعبية بين بعض السعوديين، يرى البعض الأمير، البالغ من العمر 32 عاما، مغرور سلطة جائع يعرض المملكة للخطر من خلال قلب عقود من التقاليد. وحتى وإن نجحت الإصلاحات، فإنها ستتسبب في خفض مستوى معيشة العديد من السعوديين.

وكان ولي العهد السعودي وابن الملك «سلمان»، قد نحى ولي العهد السابق، الأمير «محمد بن نايف»، في وقت سابق من هذا العام، وهو ما بين محاولات ولي العهد الجديد في توطيد سلطته. وتكهن العديد من السعوديين والمسؤولين الأجانب بأن الملك «سلمان» قد يتخلى عن العرش لابنه في وقت قريب. ويتصور البعض أن الاعتقالات تهدف إلى تسهيل هذا الانتقال من خلال القضاء على أي من الأصوات المنتقدة لسياساته.

وقد أشاد آخرون بالاعتقالات، متهمين المعتقلين بالعمل على زعزعة استقرار المملكة، واقترحوا أسماء أخرى لأشخاص يدعون أنهم يعملون وفق «أجندة أجنبية».

وقد قاد الأمير الشاب التدخل العسكري للمملكة في اليمن، الذي فشل كثيرا في تحقيق أهدافه، وقاد مقاطعة قطر المجاورة التي تتهمها السعودية وثلاثة من حلفائها العرب برعاية الإرهاب والتدخل في شؤون الجوار. وكانت قطر قد نفت هذه المزاعم، ولم تنضم أي دولة أخرى إلى المقاطعة.

لم يدينوا قطر

وقد فرضت السعودية، حيث يحظر الأحزاب السياسية وتشتد الرقابة الإخبارية على وسائل الإعلام، قيودا صارمة على التعبير، ولم تظهر الحكومة حتى الآن أي تسامح مع الآراء المعارضة.

وأعلنت رئاسة أمن الدولة، الاثنين، أنها قد اعتقلت عددا من السعوديين والأجانب الذين كانوا يعملون «لصالح أطراف أجنبية ضد أمن المملكة».

وبعد ذلك بيوم، دعا حساب على شبكة الإنترنت تديره وزارة الداخلية، يشرف عليه الأمن، المواطنين السعوديين للإبلاغ عن أي شخص «ينشر أفكارا إرهابية أو متطرفة»، من خلال تطبيق حكومي على الهاتف المحمول، تحت اسم «كلنا أمن»، الذي صمم لتسهيل الإبلاغ عن الجرائم.

ولم يدع أي من المعتقلين علنا ​​للإطاحة بالحكومة أو لأعمال متطرفة. ولكن منذ أن اتهمت الحكومة قطر بأنها مؤيدة للإرهاب، أصبح كل من عبر، ولو بالتلميح، عن تعاطفه مع الجارة الصغيرة مشتبها فيه.

وقال «خاشقجي»، الصحفي السعودي، إن السمة الوحيدة المشتركة بين المحتجزين هي أنهم لم ينضموا صراحة إلى الإدانة العلنية لقطر، لكنهم لم يعارضوا الحكومة.

وكان من أبرز الشخصيات التي تم اعتقالها «سلمان العودة»، رجل الدين السعودي الذي يحظى بشعبية كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولديه تاريخ من عدم التماشي مع خط الحكومة.

وبعد اتصال هاتفي بين الأمير «محمد بن سلمان» وأمير قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، كتب الشيخ «سلمان العودة» على تويتر داعيا الله بالتوفيق بينهما.

وقد تم اعتقاله من منزله خلال عطلة نهاية الأسبوع ولم يسمع عنه منذ ذلك الحين، وفقا لثلاثة سعوديين يعرفونه. ومثل غيرهم من زملاء المحتجزين، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا من إمكانية اعتقالهم أيضا.

وهذا ما حدث لشقيق العودة، «خالد»، الذي اعتقل بعد تغريدة عن اعتقال أخيه.

وتم اعتقال الأمير «عبد العزيز بن فهد»، ابن شقيق الملك سلمان، وفقا لشخص آخر اطلع على هذه المسألة.

وكان الأمير «عبد العزيز» قد أزعج الحكومة بتغريداته على موقع تويتر، حيث أجبر على الإقامة في قصره في مكة المكرمة في وقت سابق من هذا الشهر، بعد لقاء له مع الملك «سلمان» في نهاية موسم الحج. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان لا يزال موجودا هناك أو أصبح محتجزا في مكان آخر.

حملة غير مسبوقة

وقال «عبد العزيز الحسن»، المحامي السعودي الذي يعيش في المنفى في الولايات المتحدة بعد المضايقات التي تعرض لها من قبل الحكومة بسبب نشاطه السياسي: «ما يحدث، لم أره في حياتي».

وقال إن الحكومة تدير منذ فترة طويلة ملف المعارضين السلميين بهدوء، من خلال استدعائهم إلى مكاتب الأمن وجعلهم يوقعون تعهدات بالبقاء على خطى الحكومة قبل إطلاق سراحهم. ولكن هذه المرة، أرسلت الحكومة قوات الأمن إلى ديارهم لاعتقالهم أمام زوجاتهم وأطفالهم، كما يفعلون مع الإرهابيين المشتبه بهم.

وقال «الحسن» إنه يعتقد أن حملة القمع كانت محاولة من ولي العهد لتعزيز سلطته، ووصف هذه الخطوات بالمتهورة، نظرا لأن المعارضة السياسية المنظمة لا تزال قليلة في المملكة.

وقال: «لا أحد سوف يسلب حكمك أو يمنعك من أن تصبح ملكا».

كما تم اعتقال «عصام الزامل»، وهو كاتب واقتصادي كان قد توجه إلى تويتر للتعبير عن شكوكه بشأن خطة خصخصة جزء من أرامكو السعودية، عملاق النفط المملوك للدولة. وحذف السيد «الزامل» في وقت لاحق هذه التغريدات.

وانضم إليه «زياد بن نحيت»، وهو شاعر استخدم وسائل التواصل الاجتماعي للثناء على البلاد وسياساتها. ويفترض أصدقاؤه أن اعتقاله كان لانتقاده الخطاب القاسي ضد قطر.

وقال «بن نحيت» في شريط فيديو إن «الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام اليوم هو دور سلبي جدا، وسيئ جدا، وأعتقد أنه لا يوجد شخص عقلاني يسعد بما يحدث».

وكان أكبر عدد من المعتقلين من رجال الدين، وبعضهم من الناشطين الإسلاميين الذين كانوا على صلة بجماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها المملكة منظمة إرهابية.

لكن ليس الكل كذلك. وقد تم اعتقال الباحث «حسن المالكي»، وفق ما غرد به ابنه. وكان «المالكي» قد كتب أن الوهابية، وهي تفسير الإسلام الذي تروج له الدولة السعودية، قد غذت التطرف بشيطنة غير المسلمين.

وقد أكد نجله في تغريدة: «نؤكد أن والدي الشيخ حسن المالكي ليس منافسا سياسيا ولا ينتمي إلى أي حزب سياسي».

نيويورك تايمز-