مجتمع » حريات وحقوق الانسان

السعودية لم تكن قمعية الى هذا الحد. حاليا غير محتملة!

في 2017/09/26

جمال خاشقجي- واشنطن بوست- 

عندما أتكلم عن الخوف والترهيب والاعتقالات والتخويف العلني للمثقفين وعلماء الدين الذين يجرؤون على المجاهرة بآرائهم، ثم أقول إنني من المملكة العربية السعودية، فهل تتفاجأون كثيرا؟

مع صعود ولي العهد الشاب محمد بن سلمان إلى السلطة، وعد بإدخال إصلاحات اجتماعية واقتصادية. وتحدث عن جعل بلادنا أكثر انفتاحا وتسامحا، وعد بمعالجة الأمور التي تعرقل تقدمنا، مثل حظر قيادة السيارة على المرأة.

لكن كل ما أراه حاليا هو الموجة الأخيرة من الاعتقالات. فقد أفادت التقارير الأسبوع الماضي، بان السلطات اعتقلت حوالي 30 شخصا، وذلك قبل صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الى العرش.

بعض المعتقلين هم أصدقاء مقربون لي، وهذه الخطوة تصب في خانة تشويه سمعة المثقفين وعلماء الدين الذين تجرأوا على التعبير عن آراء تتعارض مع آراء قيادة بلادي.

فقد بدا المشهد مأساويا للغاية، اذ اقتحم رجال أمن ملثمون المنازل مجهزين بالكاميرات، يصورون كل شيء ويصادرون الأوراق والكتب وأجهزة الحاسوب.

وقد تم اتهام هؤلاء بتلقي أموال قطرية وبأنهم جزء من مؤامرة كبيرة مدعومة من قطر. فيما قد يواجه، من هم في المنفى الاختياري، وأنا منهم، الاعتقال لدى عودتهم إلى بلادهم.

أتألم عندما أتحدث مع أصدقاء سعوديين آخرين في اسطنبول ولندن هم أيضا في المنفى الاختياري. هناك سبعة على الأقل منا-فهل سنكون نواة الشتات السعودي؟

نمضي ساعات طويلة على الهاتف نحاول خلالها إدراك سبب هذه الموجة من الاعتقالات التي شملت صديقي ورجل الأعمال والشخصية الوقورة على تويتر عصام الزامل. كان ذلك يوم الثلاثاء الماضي، لدى عودته من الولايات المتحدة، بعد أن شارك في وفد سعودي رسمي.

هكذا بسرعة مذهلة، يمكنك ان تسقط من لائحة المقربين في المملكة العربية السعودية. إن ذلك صادم. لكنه ليس بالأمر المألوف في بلادي في عام 2003 ومرة أخرى في عام 2010، تم طردي من عملي كرئيس تحرير صحيفة الوطن “التقد مية”. وعملت في الفترة الممتدة بين هاتين السنتين، مستشارا صحفيا للأمير تركي الفيصل، السفير السعودي لدى        المملكة المتحدة وبعدها لدى الولايات المتحدة. ربما يبدو غريبا، أن تعمل مع الحكومة في الخارج بعد أن طردتك.

لكن هذا هو التناقض السعودي بحق. فالمملكة، بالمطلق، تحاول تهدئة وجهات النظر المتعارضة للإصلاحيين الليبراليين ورجال الدين المحافظين والاعتقالات تدور في هذا الإطار.

لماذا ينتشر هذا المناخ من الخوف والترهيب، فيما يعد زعيم بتمتع بكاريزما، بالإصلاحات التي طال انتظارها لتحفيز النمو الاقتصادي وتنويع اقتصادنا؟ يحظى محمد بن سلمان بالشعبية، وتم دعم خطته للإصلاح من قبل معظم هؤلاء  الثلاثين  من رجال الدين والكتاب ونجوم وسائل الاعلام الاجتماعي الذين تم اعتقالهم في ظلام الليل.

في الأشهر الأخيرة، اتخذت المملكة العربية السعودية سلسلة من السياسات الجديدة والمتشددة بدءًا بالعداء التام للإسلاميين، وصولا الى تشجيع المواطنين على اقتراح أسماء تضاف الى القائمة السوداء للحكومة. وقد كان أسماء المعتقلين مدرجين في تلك القائمة.

فقد طالب كتّاب الرأي المقربين من القيادة السعودية مرارا بـ“اجتثاث” الإسلاميين. وليس سرا أن محمد بن سلمان يمقت الإخوان المسلمين. بل هو تناقض غريب في الواقع ان يتم تحديد شخص على انه ناشط في جماعة الاخوان المسلمين.

لطالما اعتبرت انتقاد مسؤول سعودي للإسلاميين مدعاة للسخرية خصوصا وأن المملكة هي أم الإسلام السياسي، وحتى انها تصف نفسها بأنها الدولة الإسلامية التي تطبق الشرائع بحذافيرها.

(تجنبنا استعمال مصطلح “الدستور” بسبب معناه العلماني؛ وغالبا نقول ان القرآن هو دستورنا وبغض النظر عمن يتم استهدافهم، الا ان هذا ليس ما تحتاجه المملكة في الوقت الحالي. إننا نمر بتحول اقتصادي كبير يدعمه الشعب، وهو تحوّل نحتاجه لنتحرر من الاعتماد الكلي على النفط، ونستعيد ثقافة العمل والإنتاج.

انه مسار شاق جدا. ويمكن لمحمد بن سلمان أن يصل الى هدفه بشكل أفضل من خلال تشجيع الآراء البناءة والمتنوعة من شخصيات معروفة مثل عصام الزامل واقتصاديين ورجال دين ومثقفين ورجال أعمال آخرين، الذين، بدلا من ذلك، تم “جرفهم” في هذه الاعتقالات.

نحن الذين نعيش في الخارج نشعر بالعجز. نريد أن تزدهر بلادنا، وتتحقق رؤية 2030. نحن لا نعارض حكومتنا، نحن نحب كثيرا المملكة العربية السعودية. انها وطننا الوحيد الذي نعرفه أو نريده. ومع ذلك فنحن العدو!  

فبضغط من حكومتي، ألغى ناشر إحدى أكثر الصحف العربية قراءة وأوسعها انتشارا، صحيفة «الحياة»، مقالتي.

وعمدت الحكومة الى حظري من استعمال تويتر عندما حذرت من احتضان مفرط للرئيس المنتخب ترامب. لذلك أمضيت ٦ أشهر صامتا، أفكر بحالة بلادي وبالخيارات القاسية التي امامي.

لقد تألمت كثيرا منذ عدة سنوات عندما تم اعتقال العديد من أصدقائي. لم أقل شيئا. لم أكن أريد أن أفقد وظيفتي أو حريتي. كنت قلقا على عائلتي.

هذه المرة، اتخذت خيارا مختلفا. لقد تركت بيتي، وعائلتي، ووظيفتي ورفعت صوتي. ولو فعلت خلاف ذلك، فهذا يعني أن أخون أولئك الذين يقبعون في السجن. انا أستطيع أن ارفع صوتي عندما لا يستطيع الكثيرون ذلك.

أريد أن تعرفوا أن هذا لم يكن حال السعودية على الدوام. نحن السعوديون نستحق أفضل مما يحدث.

* جمال خاشقجي كاتب صحفي وإعلامي سعودي.