مجتمع » حريات وحقوق الانسان

قيادة المرأة للسيارة في السعودية- إصلاح أم مجرد تجميل؟

في 2017/09/28

DW- بالعربية-

بعد نضال دام 27 عاماً حصلت المرأة السعودية وبموجب أمر ملكي على حقها في قيادة السيارة. ما يعني ذلك وما هي ودلالات هذه الخطوة؟ وهل تتبعها خطوات أخرى تصب في مصلحة المرأة وربما إصلاحات سياسية أيضاً؟

أصدر الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أمراً ملكياً يسمح بموجبه للنساء بقيادة السيارة اعتباراً من حزيران/يونيو 2018، في قرار تاريخي سيزيل عن المملكة لقب الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر على المرأة قيادة السيارة. وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن الملك سلمان أمر بـ"تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية - بما فيها إصدار رخص القيادة - على الذكور والإناث على حد سواء". وأشار الأمر الملكي الذي نشرته الوكالة إلى "ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها".

تهليل وفرح

استقبلت الكثير من النساء السعوديات الخبر بفرح وتهليل. وقالت منال الشريف، التي ألقي القبض عليها عام 2011 بعد قيادتها سيارتها احتجاجاً على منع النساء من القيادة، إن السعودية لن تبقى كما كانت بعد الآن، مضيفة: "اليوم ..آخر بلد على وجه الأرض سيسمح للمرأة بالقيادة... لقد نجحنا".

 وأظهرت تسجيلات مصورة ومنشورة على الإنترنت نساء يقدن سيارات أثناء الليل بعد إعلان مرسوم الملك سلمان مساء الثلاثاء (26 أيلول/سبتمبر 2017). وقالت عبير العرجاني (32 عاماً) التي تعتزم البدء في تعلم القيادة هذا الأسبوع، لفرانس برس إنها تتمنى لو استطاعت ترجمة مشاعرها الآن وإنها لا تعتقد أن أحداً يمكن أن يفهم هذه المشاعر سوى السعوديات. وأضافت أن لديها الجرأة الآن على الحلم بالمزيد. وقالت هيا الركيان (30 عاماً)، وهي موظفة مصرف من الرياض لوكالة فرانس برس، "أشعر بسعادة غامرة وبصدمة في الوقت نفسه. توقعت أن يحدث هذا الأمر بعد 10 أو 20 سنة، لم أتوقع أن يحدث الآن أبداً". بدورها قالت شذا الدوسري (31 عاما)، وهي موظفة في شركة أرامكو: "لم أصدق بعد من هول الصدمة، ولن أصدق حتى أرى بعيني. إنه يوم سعيد جداً".

كفاح أتى أُكُلَه أخيراً

بدأ النشاط للدفع باتجاه منح المرأة لحقها بقيادة المرأة السعودية للسيارة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1990، حيث قادت 47 سعودية سيارتهن بأنفسهن. وانتهت الحملة باعتقال السائقات وفصلهن من وظائفهن والتضيق على أسرهن.

 

 

وفي خضم أجواء ما يسمى بـ "الربيع العربي" أطلقت منال الشريف، المقيمة الآن في أستراليا، حملة "سأقود سيارتي بنفسي" وقادت سيارتها بالفعل بنفسها، مما حدا بالسلطات لاعتقالها ومن ثم أفرجت عنها بعد أيام. وبعد ذلك كررت عدة ناشطات مثل ميساء العمودي ولجين الهذول المحاولة. ومع أن أي من هؤلاء الناشطات لم تتم إحالتهن إلى المحاكمة، إلا أن السلطات كانت تجبرهن على توقيع تعهد بعدم تكرار فعلتهن مقابل الإفراج عنهن.

بداية أم نهاية المطاف؟

تخضع المرأة السعودية قانونياً لوصاية الرجل (الوالد أو الأخ أو الزوج) ويتعين عليها الحصول على موافقته على قرارات أساسية تتعلق بالتعليم والعمل والزواج والسفر بل والعلاج. فقد وصفت منال الشريف رفع حظر القيادة عن النساء بأنه مجرد بداية للقضاء على قوانين ظالمة مطبقة منذ فترة طويلة كانت دوما تعتبر المرأة السعودية قاصرة لا يوثق بها في تولي زمام أمرها. وتعتقد الباحثة والأكاديمية، حصة آل الشيخ، وهي أحد السعوديات ممن قدن سيارتهن عام 1990، في اتصال هاتفي لـDW عربية إن القرار سيكون فاتحة لمزيد من الإصلاحات بما يصب في مصلحة حقوق المرأة. واستشهدت بعدة "إصلاحات" في الفترة الاخيرة. والجدير بالذكر أن المملكة أدخلت قبل أشهر قليلة تعديلات على نظام "ولاية الرجل" على المرأة، أمرَت بموجبها باستثناء نشاطات منه، وفق ما أفادت وسائل إعلام محلية. بيّد أن ناشطات سعوديات طالبن بإلغاء هذا النظام برمته.

ومن جانبه، يرى المحلل السياسي التونسي وأستاذ التاريخ في جامعة السوربون بفرنسا، عادل اللطيفي، أن الخطوة "مجرد بداية خجولة". ويرجع اللطيفي في حواره مع DW عربية المنع السابق للطبيعة "المحافظة والقبلية" للمجتمع السعودي وينفي علاقة الإسلام بالأمر.

بين الإصلاحين الاقتصادي والسياسي

وقد تكون للقرار آثار اقتصادية واسعة أيضاً، إذ سيسمح للنساء بالذهاب إلى العمل دون الحاجة إلى سائق كما سيحد من الإقبال على تطبيقات خدمات نقل الركاب مثل "أوبر" و"كريم". وهذا ما تعتقده حصة آل الشيخ، التي ألفت مع عائشة المانع كتاب "السادس من نوفمبر" لتوثيق تجربة 1990، قائلة إن من بين فوائد القرار "إعطاء الدفع" للمرأة بسوق العمل. كما ذهبت إلى أن أكثر من مليون سائق كانوا "يستنزفون" الاقتصاد السعودي بتقاضيهم حوالي 334 مليار ريال سعودي سنوياً. كما قال الأمير خالد بن سلمان، الشقيق الأصغر لولي العهد والسفير السعودي في واشنطن، إن القرار ليس مجرد تغيير اجتماعي وإنما هو جزء من الإصلاح الاقتصادي في البلاد.

وبدوره يستبعد عادل اللطيفي استتباع هذه الخطوة بإصلاحات سياسية تُذكر. ويبرر ذلك بالقول: "الإصلاح السياسي في العصر الحالي يعني توسيع قاعدة المشاركة السياسية باتجاه الانفتاح على شرعية جديدة وهي شرعية الأمة والشعب.. السؤال هنا: هل سيُسمح بالأحزاب والنقابات والنخب والإعلام والمجتمع المدني..الخ؟". ويجزم الأكاديمي في جامعة السوربون أن السعودية "بعيدة وبعيدة جداً" عن هكذا إصلاح.

حملة علاقات عامة؟

تعليقاً على القرار، قالت الباحثة بـ"مركز تشاتام هاوس"، جين كينينمونت: "فيما يتعلق بالعلاقات العامة الدولية هذا أكبر فوز يمكن أن تحققه السعودية، وخاصة محمد بن سلمان، بين عشية وضحاها". ويوافقها الرأي الدكتور اللطيفي: "في العمق هي خطوة رمزية على المستوى المجتمعي لا أكثر". ويضيف في حديثه مع DW عربية أن ذلك "يرتبط بالصورة التي تريد السلطة إعطاءها عن نفسها بأنها تهدف للإصلاح المجتمعي والتحديث".