مجتمع » حريات وحقوق الانسان

في السعودية.. لا يمكن أن تقود المرأة ويحكم الملك في آن واحد

في 2017/10/07

ديفيد روزنبيرغ - هآرتس- ترجمة شادي خليفة -

كان من المستحيل العثور على صوت معارض ضد قرار المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي بالسماح للمرأة أخيرا بقيادة السيارات. وتعد المملكة خليطا من الدول الإسلامية في العصور الوسطى، وعصر نهضة الملكية المطلقة، والاقتصاد النفطي للقرن الغشرين، وثقافة المستهلك الأمريكي، الذي يجب أن يكون، بأي حال من الأحوال، قد تخطى مرحلة هواتف الاتصال الأرضية والطائرات الشراعية.

ومن شأن السماح للمرأة بالقيادة أن يعطي السعوديين موطئ قدم، يسعون إليه منذ زمن طويل، في القرن الحادي والعشرين. فبعد كل شيء، في بقية العالم، قادت الجدات السيارات قبل مائة عام.

وعلى أية حال، وبصرف النظر عن العدد الكبير من المحافظين الدينيين في المملكة نفسها، يوافق الجميع على أن قيادة المرأة خطوة صحيحة إذا كانت المملكة تريد البقاء على قيد الحياة في العالم الحديث. والسؤال الحقيقي الوحيد هو ما إذا كانت الإصلاحات التي تقوم بها الملكية، بقيادة الملك المنتظر «محمد بن سلمان»، ستمضي بسرعة كافية لمنع التحطم الحتمي للنظام الملكي.

وقد كتب المراقبون توقعاتهم لانتهاء النظام السعودي على مدى عقود، لكن النظام نجا من التحول من الاقتصاد الفقير والمتخلف إلى مملكة غنية وشبه متقدمة، فضلا عن التحولات السياسية في العالم العربي التي انطلقت في أوقات مختلفة من قبل، مثل الناصرية والإسلاموية والربيع العربي. وفي الشرق الأوسط، ليس السعوديون وحدهم الذين يحكمون بنظام ملكي، ويعد نظام الحكم ملكيا في جميع دول الخليج، وكذلك في الأردن والمغرب، ولا يزال ملوكهم يجلسون على عروشهم بعد فترة طويلة من العديد من انتهاء حكم الديكتاتوريين في المنطقة.

والآن، ألا ينبغي لنا أخيرا أن نضع إشعار الفناء جانبا، خاصة وأن السعودية بدأت أخيرا تتحرك ببطء في الاتجاه الصحيح؟

واسمحوا لي أن ألقي عليكم بنظرة مختلفة تماما، أرى أن الإصلاح لن يطول كثيرا بما يكفي لإنقاذ النظام السعودي، بل يكاد يكون من المؤكد أنه سيسرع عملية زواله. وهذا ببساطة نظرا لأن هذه الإصلاحات سوف تقوض كل ما يقوم عليه النظام الملكي السعودي.

ولا تقدم المملكة العربية السعودية أدنى مظهر يوحي بأنها ديمقراطية، ولكن وراء وجه الاستبداد الظاهر، نظام أكثر استجابة لمختلف الآراء. فالأسرة الحاكمة لا تقوم ببساطة بإصدار الأوامر، لكن آلية القرار في المملكة تعمل من خلال شبكة تقليدية من النخب القبلية والإقليمية والاقتصادية، التي يتم التشاور معها على أساس منتظم، ويسمع لها الحكام لمعرفة ما يفكر فيه الشارع ويقوله. أضف إلى ذلك السلطة والشرعية التي تأتي من سلالة ذات تاريخ يسبق الدولة، بل تلك السلالة هي من أسست الدولة، فضلا عن شرعية توجهها الإسلامي. وهذا هو الفرق بين الملكية التقليدية والدكتاتورية الحديثة

مقايضة

وهناك جانب اقتصادي للنظام أيضا. فصحيح أن النظام السعودي يمتلك أرباحا من النفط تسمح له بالمقايضة مع الشعب السعودي لتترك له الحكم مقابل بعض الرفاهية المالية. وعندما أنفق النظام فجأة 100 مليار دولار على الإعانات مع انتشار الربيع العربي في جميع أنحاء الشرق الأوسط عام 2011، كان ينظر إلى هذا على نطاق واسع على أنه من فعل هذه المقايضة. ولكن الواقع هو أن الاقتصاد السعودي ناجح بالنسبة لمعظم السعوديين، حيث تعد الطبقة الدنيا في البلاد أصغر بكثير من السكان الذين يستفيدون من الوظائف الحكومية، والفوائد الممولة من الدولة، والمشاريع التجارية مع الأسرة الحاكمة.

وتأطير هذه المقايضة كصفقة معيبة يفتقد لهذه النقطة. فعلى الرغم من ظهورها كدولة رفاهية رأسمالية حديثة، فالاقتصاد السعودي ليس من هذا النوع. إنه يقترب أكثر لاقتصادات القرون الوسطى أو القبلية، حيث يعمل أولئك الذين في السلطة على رعاية احتياجات رعايا الحاكم، بما في ذلك احتياجاتهم الاقتصادية. ومن غير المفاجئ أن يعمل 70% من السعوديين العاملين في الحكومة، حيث يحصلون على أجورهم بسخاء، ولا يطلب منهم القيام بالكثير من الأعمال الفعلية. وعلى نفس المنوال، يبني النظام الملكي أيضا الطرق السريعة والمستشفيات والمدارس والجامعات، بل ويرسل مئات الآلاف من عموم الشباب للتعلم في الخارج.

وبهذا نؤكد أن السعودية ليست مجرد مملكة محافظة دينيا، بل هي مجتمع قبلي كبير وثري. لكن الإصلاح يهدد بإلغاء هذا الترتيب كله، ويحول الملكية إلى ديكتاتورية أخرى، ونحن نعرف إلى أين سيؤدي ذلك حتما.

ودعونا نبدأ مع الاقتصاد. تهدف حملة الاصلاح الاقتصادي تحت مسمى «رؤية 2030»، التي أطلقها «محمد بن سلمان» منذ عام ونصف العام، إلى فطام الاقتصاد عن اعتماده المطلق على النفط، عن طريق زيادة الدخل غير النفطي بمقدار ستة أضعاف، وزيادة الصادرات غير النفطية بمقدار 50%. وقد تكون هذه الأهداف طموحة، وربما غير واقعية، لكن «بن سلمان» بالتأكيد عازم على المضي قدما فيها، وينطوي هذا على خلق قطاع خاص حقيقي وجعل الحكومة أكثر كفاءة ومسؤولية.

لكن القيام بذلك يعني تعريض عموم السعوديين للتقلبات الرأسمالية. ويعني هذا العمل في وظيفة تتطلب منك أن تعمل في الواقع، وأن تتحدد الأجور والترقيات المستقبلية في المهنة بحسب أدائك. كما أنه يعرضك لإمكانية حقيقية لأن تفقد وظيفتك بسبب الركود أو بسبب فشل شركتك. ويعني هذا أيضا أن موظفي الخدمة المدنية سيكونون أكثر تعرضا للمساءلة. ولن يكون الملك هناك لن يكون للدفاع عنهم.

على طريق الإصلاح

يعد السماح للنساء بقيادة السيارات جزءا صغيرا من هذا التغيير. وإذا كانت المرأة ستدخل القوى العاملة بأعداد أكبر فيجب أن تكون قادرة على الوصول إلى وظيفتها دون الاحتياج لسائق. ونظرا لعدم وجود وسائل للنقل العام من أي نوع، فالقيادة بنفسك هي البديل الوحيد.

لكن قيادة النساء تقود أيضا إلى إضعاف النظام الاجتماعي السعودي بطرق لا يمكن لأحد التنبؤ بها. وتقترح «رؤية 2030"»أيضا (بالطبع عن غير قصد) إصلاحات أخرى سيكون لها نفس التأثير، مثل إنشاء نظام البطاقة الخضراء للعمال العرب والمسلمين في البلاد، وفتح البلاد للسياح الأجانب، وحتى إنشاء منطقة منتجع على البحر الأحمر، حيث يمكن للزوار ارتداء ما يريدون من ملابس.

وليس من المستغرب أن «رؤية 2030» كانت من بنات أفكار شركة ماكنزي وشركاه الاستشارية، التي تنظر إلى الأعمال التجارية والاقتصاد بطريقة مختلفة جدا عن الرؤية السعودية السائدة في الشارع. وقد يقول عامة السعوديون إنهم يريدون الإصلاح، لكنهم مثل غيرهم من الناس، يميلون إلى تصور أن هذا الإصلاح سيأتي بالفوائد بدون أي تكاليف.

وللأسف، لا يملك «بن سلمان» ولا النظام الملكي الكثير من الخيارات سوى دفع المملكة في اتجاه جديد. فمع استمرار انخفاض أسعار النفط على المدى الطويل، ونمو سكان المملكة باطراد، لم تعد الترتيبات الاقتصادية والاجتماعية، التي حافظت على استقرار المملكة، مجدية من الناحية المالية.

وتتمثل المشكلة في أن «رؤية 2030» تدعو إلى الإصلاح الاقتصادي، ولكن ليس فيها ما تقوله عن الإصلاح السياسي. وتتحدث الرؤية عن القضاء على الفساد وجعل الحكومة أكثر كفاءة، لكن هذا ليس كافيا، في الوقت الذي تتعرض فيه الآليات، التي حافظت على نظام المملكة، لضغط كبير.

ولعل التقاليد الدينية والسياسية ستستمر في منح الحكام السعوديين الشرعية، لكن «رؤية 2030» ستجعل من الصعب تمييز الرجل، الذي هو الملك وخادم الحرمين الشريفين، عن مجرد مستبد آخر يمكن الاستغناء عنه.