مجتمع » حريات وحقوق الانسان

تجنيس أبناء السعوديات.. حق إنساني يواجه "العنصرية" و"التعجيز"

في 2017/12/07

الخليج اونلاين-

جدل كبير يشغل الشارع السعودي خلال الفترة الراهنة بسبب المواقف المتباينة من الدولة لتجنيس أبناء السعوديات، ففي حين يؤيد البعض الفكرة، يراها آخرون تغولاً وانتقاصاً من حقوق أبناء البلد الأصليين.

قضية تجنيس أبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، أثارت جدلاً محموماً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تباينت ردود الفعل حيال هذه القضية المجتمعية التي فرضت نفسها على موائد البحث والدراسة في الفترة الأخيرة، خاصة في أعقاب تقديم مقترح إلى مجلس الشورى يطالب بمنح أبناء المواطنات الجنسية السعودية.

ويمثل الأمر، حال إقراره، إنهاءً لمعاناة الآلاف من أبناء السعوديات اللاتي تزوّجن بأجانب، وحُرموا من الحق في الحصول على الجنسية السعودية.

ورغم أن مجلس الشورى السعودي كلف لجنة مسؤولة للخروج بقانون نهائي يضع حلاً نهائياً لهذه المشكلة، فإن أية قرارات حكومية لم تصدر بهذا الخصوص.

قرار وزير العمل والتنمية الاجتماعية السعودي، علي بن ناصر الغفيص، الذي يسمح لأم المواطن وأم المواطنة وابن المواطنة وابنة المواطنة بالعمل في المهن المقصورة على السعوديين (في حال كونهم أجانب)، أعاد موضوع التجنيس في السعودية، إلى الواجهة.

- شروط تعجيزية

الشرط الأهم للحصول على الجنسية هو إثبات هوية جد الأم، وهو شرط "تعجيزي" بنظر البعض؛ حيث نقلت وكالة الأنباء الألمانية دويتشه فيله)، عن مازن العبد الله، وهو ابن لسعودية اختارت الزواج برجل يمني، قوله إن في الشروط الموضوعة "تعجيزاً" لأبناء المواطنات السعوديات المتزوجات بأجانب، مضيفاً: "أمي عمرها الآن 52 سنة وأبوها 80 سنة، كيف لي أن أجد هوية جدها في هذه البلاد التي لم تتوحد إلا قبل ثمانين عاماً؟!".

العبد الله واحد من المواطنين الذين يعيشون في السعودية مذ ولادته، له ثلاثة إخوة ذكور وأخت واحدة. وهم جميعاً يعانون الإحساس بالغربة على الرغم من أنهم يصرون على انتمائهم إلى هذا البلد الذي أبصروا فيه النور لأول مرة، وما زالوا يعيشون فوق ترابه.

ولا يفكر العبد الله في مغادرة السعودية؛ خوفاً من العيش غريباً مرة أخرى في البلد الذي يمكن أن يستقبله. ويقول: "لك أن تتخيل أن أعيش غريباً هنا وهناك!". ويصف العبد الله طريقة تعامل باقي المواطنين معه بأنه "يعامَل مثل الأجنبي"، مضيفاً: "إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأوا بالالتفات لنا من ناحية العلاج والتعليم والعمل في القطاع الخاص".

 

 

- عنصرية

الشهر الماضي، تصدر هاشتاغ "لا لتجنيس-أبناء-السعوديات" موقع التواصل الإجتماعي تويتر، حيث شغلت هذه التصريحات الشارع السعودي. ودار نقاش واسع بين السعوديين حول تجنيس أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب. وانقسم المغردون بين مؤيد ومعارض.

كثير من المغردين على موقع "تويتر" طالبوا بمنح هؤلاء الجنسية، حيث كتب هشام السيد يقول: "أطباء وطبيبات أبناء مواطنات طاقات مهدرة، والسبب أن النظام لا يتيح لهم العمل في وطنهم الحبيب"، لترد عليه أم براء بقولها: "لا خوف عليكم أبنائي بوطن يقوده سلمان الحزم ومحمد العزم، لن يتركوا أخواتهم وبناتهم يعانون لمعاناة فلذات أكبادهم".

وغرد حساب آخر بالقول: "الأم هي من تربي. والأبناء حبهم لأمهم لا يساويه شيء. ومن الطبيعي أنهم ينتمون للوطن ولقلب الأم"، وهو ما أكده عبد الله السبيعي بقوله: "من حقها أن تحصل على جنسية بلدها لأبنائها، فهي تزوجت، ما فعلت شيئاً حراماً حتى تعاقب!".

في حين قال الدكتور صالح السليم إن "أبناء السعوديات مثل أبناء السعوديين المتزوجين بأجنبيات، لا فرق بينهم ولا يجوز حرمانهم من حقهم".

في المقابل، عبر بعض رواد "تويتر" عن رفضهم منح السعودية المتزوجة بأجنبي الجنسية لأبنائها، حيث كتب فارس يقول: "أمهم اللي تركت السعودي وراحت تتزوج أجنبياً هي اللي تتحمل كل عواقب فعلها. السعودية للسعوديين"، ليوافقه عبد الله بن ناصر الرأي، قائلاً: "مو انتي حرة وقادرة تعرفين تبعات اختيارك خلاص لا تزوجتي، لا تشغلينا فعيالك بلد أبوهم ما يقصر فيهم".

 

 

أما هنيف، فعلقت بقولها: "الجنسية بالنسب والنسب للوالد، لولا البترول وخير الأرض لم تر أحداً من العرب والعجم يفكر بالبقاء ليلة بصحرائنا"، لترد عليها لول الغامدي، بقولها: "يكثر اللي نابحوا بان السعودية ميتزوجوها الا عشن فلوسها. أولاً مو كل السعوديات عندهم فلوس، ثانياً التشاؤم وميجلب من حظ". في حين يرى البعض أن التجنيس "يخل بالتركيبة السكانية للبلد".

الناشطة الحقوقية هتون الدوسري، قالت في تصريح صحفي: إن الأمر "مخزٍ ومعيب". وفي تعليقها عن تصدر وسم (هاشتاغ) "لا_لتجنيس_السعودية_لأبنائها"، قالت: "الهاشتاغ يقطر عنصرية، وغير مناسب".

 

 

- حق إنساني

وترى الحقوقية السعودية أن تجنيس السعوديات لأبنائهن "حق" من الحقوق، يجب أن تتمتع به المرأة السعودية كما يتمتع به الرجل، وذلك باعتبار المسألة "مبدأ حقوقياً إنسانياً" قبل كل شيء.

وفي الوقت الذي يرفض فيه كثير من المواطنين السعوديين تجنيس النساء لأبنائهن، يسمح القانون السعودي بزواج السعوديات بأجانب، دون إعطاء الحق لهن بتجنيس أبنائهن لاحقاً، وهو ما اعتبره البعض تناقضاً قانونياً.

ويرى مغردون أن الأمر يتعدى مسألة الحقوق وأنه مكسب للسعودية في مجالات عديدة. وهو الشيء الذي أكدته الدوسري؛ إذ ربطت تجنيس الأبناء بمصلحة الوطن، قائلة: "إنه مكسب وطني، واقتصادي وسياسي".

وأكدت الناشطة الحقوقية السعودية أن "إعطاء الأمان والحماية لأبناء السعوديات يجعلهم مرتبطين بهذا البلد أكثر، وإن التجنيس حفاظ على تماسك الأسرة".

عضو مجلس الشورى السعودي زهير الحارثي، علّق على الأمر بقوله: "الأمور لا يقررها (تويتر) أو أشخاص ليس لديهم معلومة أو معرفة"، مؤكداً وجود لجنة مختصة تدرس القضية ذات الأبعاد الأمنية، الحقوقية، الإنسانية والقانونية؛ للخروج بقرار يمكن أن ينهي هذه المعضلة في السعودية.

 

 

وعن الوقت الذي يمكن أن تأخذه دراسة قضية تجنيس أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب لتخرج اللجنة بقرار نهائي، قال الحارثي، في تصريحات صحفية، إن القضية لا ترتبط بالوقت، وإن الأهم هو أن يخرج القرار بعد نضجه

من الجوانب كافة.

واعتبر الحارثي أن الموضوع "شائك ومهم في الوقت ذاته، وهو ما يجعل اللجنة والمختصين هم وحدهم المؤهَّلون لدراسة هذا الأمر".

وفي أكتوبر 2016، تقدم ثلاثة أعضاء في مجلس الشورى؛ هم: عطا السبتي، ولطيفة الشعلان وهيا المنيع، بمقترح تعديل نظام الجنسية السعودية بما يعطي الحق لأبناء المواطنات المتزوجات بأجانب في الحصول على الجنسية السعودية، إلا أن المقترح أُجلت مناقشته من الدورة السابقة إلى الدورة الحالية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

وخلال الأعوام الأخيرة، تزايدت مطالب منح الأجانب المولودين في المملكة، الجنسية السعودية، وبشكلٍ خاصّ أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب؛ إذ تفيد إحصاءات رسمية، أُجريت قبل نحو عامين، بأن عدد السعوديات المتزوجات بأجانب بلغ 700 ألف امرأة، وتبلغ نسبتهن نحو 10 في المئة من المواطنات، في حين ارتفع معدّل عقود زواج السعوديات بأجانب إلى سبعة عقود يومياً.

 

 

رغم تكثيف الدعوات لمناقشة تجنيس أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب تحت قبة مجلس الشورى، يبقى المشروع عرضة للتأجيل والتأخير وسط تبريرات تتعلق ببيروقراطية مؤسسات الدولة.

وبرر مجلس الشورى تأخير عرض المشروع بتلقيه برقية من وزارة الداخلية تفيد بوجود فريق عمل في الوزارة لدراسة تعديل نظامي الجنسية والأحوال المدنية.

وأواخر أكتوبر الماضي، نقلت صحيفة "عكاظ" السعودية عن المتحدث باسم مجلس الشورى، محمد المهنا، أن عدداً من أعضاء المجلس رفعوا خطاباً إلى رئاسته، يطالبون فيه بالتريث في طرح المقترح بتعديل نظام الجنسية للنقاش، لحين انتهاء فريق العمل بوزارة الداخلية من دراسة تعديل نظام الجنسية السعودية.

وقال المهنا إن لجنة الشؤون الأمنية بالمجلس أجرت دراسة شاملة لمقترح تعديل نظام الجنسية السعودية بما يتيح منحها لأبناء المواطنات المتزوجات بغير السعوديين.

- بارقة أمل

وتشكل مناقشة المجلس للمشروع بارقة أمل جديدة تداعب أحلام أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب في الحصول على جنسية المملكة العربية السعودية؛ حيث يعول مئات الآلاف من أبناء السعوديات المتزوجات بغير سعوديين، على القرار الذي سينتهي إليه المجلس، على أمل الحصول على جنسية أمهاتهم؛ لكون غالبيتهم من مواليد المملكة.

ورغم حرمانهم من جنسية أمهاتهم، يتمتع أبناء السعوديات بجملة من الحقوق، يرى أعضاء في مجلس الشورى أنها تصل إلى درجة مساواتهم بالمواطنين، كحق التعليم المجاني والرعاية الصحية، واحتسابهم في برنامج "نطاقات" كمواطنين، وإدخالهم ضمن نسب السعودة.