مجتمع » حريات وحقوق الانسان

7 سنوات على «عريضة الإصلاح» الإماراتية.. القمع سيد الموقف

في 2018/03/03

الخليج الجديد-

«هل هناك جهة تدفع لإظهار برنامج رئيس الإمارات بالفاشل؟!».. هكذا اختتم بيان مركز الإمارات للدراسات والإعلام «إيماسك» (غير حكومي)، متسائلا عن برنامج «التمكين السياسي» الذي أطلقه رئيس الإمارات الشيخ «خليفة بن زايد»، في 2005.

جاء هذا البيان، تزامنا مع مرور 7 سنوات، على «عريضة الإصلاح»، التي رفعها مجموعة من الناشطين الحقوقيين والأكاديميين والمستشارين والمسؤولين الحكوميين السابقين والكتاب وغيرهم، في 3 مارس/آذار 2011، إلى رئيس الإمارات من أجل المطالبة بتنفيذ برنامجه، بالانتخاب الحر والكامل لجميع أعضاء المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان)، وإجراء إصلاح تشريعي لعمله بما يكفل له سلطة تشريعية ورقابية كاملة.

بيان «إيماسك»، قال إن البرنامج الذي لم يتم ربطه في سياق زمني، وبالتالي فإن (12 عاما) تبدو أكثر من اللازم لتمكين المجلس، مستنكرا عقاب مقدمي «عريضة الإصلاح» بسجنهم وسحب جنسياتهم.

البداية

البداية كانت في 3 مارس/آذار 2011، عندما رفع 133 مواطنا من أبناء الإمارات، عريضة لرئيس الدولة الشيخ «خليفة بن زايد آل نهيان» وأعضاء المجلس الأعلى (حكام الإمارات السبع المكونة للاتحاد)، يطالبونهم فيها بالتجاوب مع المتغيرات الدولية والإقليمية وتبني نهج ديمقراطي نيابي كما نص على ذلك دستور الدولة الصادر في 1971، وعرفت بـ«عريضة الإصلاح».

وشملت مطالب المجموعة الإصلاحية، ضرورة إجراء إصلاحات شاملة للنظام البرلماني المتمثل في المجلس الوطني الإتحادي، من خلال الانتخاب الحر والكامل لجميع أعضاء المجلس من قبل كافة المواطنين، وإصلاح التشريعات المنظمة لعمله، بحيث تصبح له سلطة تشريعية ورقابية كاملتين مع إجراء التعديلات الدستورية الضامنة لذلك.

ومثلت العريضة رقيا كبيرا في مطالبها التي تمثل قطاعات واسعة من الشعب الإماراتي، خاصة أنها لم تحتوي على مطالبات شخصية وفئوية، ووضعت في الاعتبار مطالب مثلت روح الاتحاد وطموح الآباء المؤسسين، بما في ذلك برنامج التمكين السياسي الذي أعلن عنه رئيس الدولة في 2005.

رد فعل عنيف

وكانت الإجابة سريعة، من قبل الحكومة الإماراتية، حينما وضع جهاز الأمن العريضة جانبا، مع كم كبير من التحريض والتشويه في وسائل الإعلام، وبدأ حملات قمع منظمة بدأت بـ6 من الإماراتيين عام 2011، ولم تنتهي إلى اليوم.

واتهمت الإمارات، جماعة الإخوان المسلمين (التي تصنفها إرهابية) بالوقوف خلف هذه المطالب، وضغطت السلطات على بعض الشخصيات الموقعة على العريضة لتكذيب توقيعهم، واتهام العريضة بالتزوير.

كما أطلقت الآلة القمعية في الإمارات، العنان للأجهزة الأمنية لمحاولة تفسير هذا التجرأ على المطالبة بالإصلاح وقت ثورات تجتاح المنطقة العربية، إلا أنها لم تنجح في تفسير حتمية التغيير سوى باصطناع عدو وهمي لمحاربته، وربما لإقناع رأس النظام بفعالية عمل تلك الأجهزة.

وفي 2013، هيأ النائب العام الاتحادي، الرأي العام، إلى مذبحة كبيرة بحق الموقعين، حين أعلن أن هناك تنظيما إرهابيا يسعى إلى قلب نظام الحكم، قبل أن يطاح في يوليو/تموز من العام ذاته، بحقوق المواطنة في الإمارات، عندما زج بالعشرات في أكبر محاكمة سياسية تشهدها الدولة منذ تأسيسها، وسط انتهاكات وخروقات لحقوق الإنسان، بحسب تقارير حقوقية دولية.

الحملة حينها شملت 94 إماراتيا من بينهم 13 امرأة إماراتية، استخدمت الإمارات فيها كل أدواتها السياسية والإعلامية والأمنية لتشوية صورتهم، رغم عدم استطاعة جهة الادعاء، رغم أنهم انتهكت كل حقوقهم الإنسانية والدستورية، أن تثبت أي جريمة تستحق ما تعرضوا له من عقوبة وانتهاكات، سوى شهادات منسقة لمجموعة من ضباط الأمن.

ناشطو الرأي من أعضاء جميعة «دعوة الإصلاح»، صدرت بحقهم أحكام تصل إلى 500 عام، ليتضح في النهاية أن التنظيم الذي قال عنه النائب العام الاتحادي إنه يهدف إلى قلب نظام الحكم، لا يوجد من بين أفراده أي عسكري، بل جميعهم أستاذة قانون ومعلمون وقضاة وخبراء إدارة ورجال أعمال ونساء مسالمات معظمهن يحملن شهادات عليا.

أعقب ذلك، توالي الإعلانات عن سقوط خلايا مشابهة، اعتقل فيها العشرات بينهم نساء أيضا.

وبحسب شهادات، فقد اتفق الجميع على أن انتزاع الاعترافات من هؤلاء الإصلاحيين، تمت تحت سياط التعذيب، بعد اختفاء قسري دام لأشهر وسنوات في الإمارات، ومن ثم ظهور في محاكمة هزلية تصدر فيها الأحكام دون دفاع.

وتمارس الإمارات ضغوطا نفسية عليهم منذ اعتقالهم، وتمنعهم من رؤية ذويهم أو حضور جنازات المتوفين من أقاربهم، كما يتم وضعهم طويلا فى الحبس الانفرادي للضغط عليهم نفسيا، ورغم ذلك، وبحسب ناشطين، فإن المعتقلين يزدادون قوة وثباتا.

التعسف يتواصل

لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل قامت الإمارات، بعدد من الانتهاكات بحق المواطنين، لنشر الرعب والفزع في مختلف أنحاء البلاد، وبات كل إنسان معرضا للاعتقال، وبيته مستباحا بدون أمر قبض، وتفتيش قانوني، وإخفاء قسري لجميع المعتقلين في أماكن غير معلومة للشعب، باستثناء من قاموا باعتقالهم، بحسب «شؤون إماراتية».

ولم يكتف ضباط جهاز الأمن الإماراتي باعتقال العشرات، بل قاموا بتعذيبهم لمدة تقارب العام، حتى طلب أحدهم في أول جلسة تعقد أمام المحكمة الاتحادية بأبوظبي حمايته وحماية أسرته، لأنه يخشى على حياته وحياة أسرته.

ورويت حينها قصص التعذيب التي لم تلتفت لها محكمة أمن الدولة، ولم تحقق فيما ورد بها، بل كانت المفاجأة أن بعض المتهمين لم يعرفوا أنهم على قائمة المتهمين إلا قبل أيام من جلسة المحاكمة، بل وتدينهم المحكمة دون أن يكون لهم أي أقوال، بل وبدون أدلة أو أسباب توردها المحكمة كدليل على هذه الإدانة.

ونظرا لأن الحبكة الأمنية بتلفيق قضية للإصلاحيين الإماراتيين، لم تفلح في إقناع الرأي العام الداخلي والخارجي، اصطنع جهاز الأمن حيلة جديدة تمثلت في إلقاء القبض على العشرات من المصريين المؤيدين للثورة المصرية من الأكاديميين والأطباء والمهندسين والمعلمين والصحفيين المقيمين منذ أكثر من عشرين عاما بالدولة بحجة أنهم وراء تقليب المزاج الوطني ليتناغم مع رياح الثورة المصرية وما يعرف حينها بالربيع العربي.

وقام جهاز الأمن حينها، بتلفيق قضية لهم تحت عنوان «الخلية المصرية السرية»، وعندما لم يجدها ملبية لأهداف الإقناع الداخلي ضم إليها عددا من دعاة الإصلاح المعتقلين ليصبح عنوان القضية «الخلية الاخوانية المصرية الإماراتية».

تهميش

وأمام هذا القمع والتعسف الإماراتي ضد الإصلاحيين، عاندت السلطة التنفيذية، بل وعززت سياسة تجاهل المجلس الوطني (البرلمان) وتهميشه، وأخذت توجه المجلس نحو قضايا ثانوية، فيما يسمى «الدبلوماسية البرلمانية» في حين ظلت مشكلات الناس تتفاقم بلا حلول.

حتى أن اللائحة الداخلية للمجلس، أسندت دور التشريع ومناقشة القوانين إلى لجنة واحدة في المجلس بصورة رئيسية، ما يعني نزع صلاحية التشريع من 40 عضوا إلى بضع أعضاء فقط.

أما في الرقابة ومناقشة الموضوعات العامة، فقد شهدت هذه الصلاحية قيدا جديدا، يتضمن شرط موافقة المجلس على طلب مناقشة أي موضوع يطلبه 5 أعضاء من المجلس فأكثر، وموافقة المجلس ليست مضمونة دائما.

وفي مجال طرح الأسئلة، فقد اشترطت اللائحة ألا «يضر بالمصلحة العليا بالبلاد»، دون أن تفسر معنى المصلحة العليا، ويحق لمكتب المجلس الوطني استبعاد السؤال إذا لم يتوفر فيه الشرط السابق.

انتهاكات متواصلة

الأمر لم يقف عند تهميش دور المجلس الوطني فحسب، فبات حال القضاء أسوأ، إذ أثبتت المقرر الأممية «غابرييلا كنول»، أن القضاء في الإمارات عرضة لتدخل السلطة التفيذية وجهاز الأمن.

وقد أكدت المنظمات الحقوقية على هذا الجانب من خلال انتقاداتها المستمرة لقضايا تصفها بـ«محاكمات جائرة ذات دوافع سياسية» وهي تصف محاكمة الإصلاحيين.

وكشف واقع القضاء والمجلس الوطني مدى صواب رؤية الموقعين على العريضة، كون إصلاح هاتين السلطتين فيه إصلاح للسلطة التنفيذية وأجهزتها كافة، بما فيها يد الأمن الباطشة، على حد وصف ناشطين.

حتى أن 4 منظمات حقوقية عربية في سويسرا، قالت قبل أيام، إن وضع حقوق الإنسان في الإمارات وصل إلى «حد من التردي لم يكن مسبوقا».

وتتعدد الانتهاكات التي تمارسها الإمارات، حيث ذكرها بيان المنظمات الأربع، حين قالت إن «أمن الدولة ومكافحة الإرهاب أصبحا يستخدمان كذريعة للتضييق الأمني، واستهداف النشطاء السياسيين أو المعارضين المنتقدين للأوضاع المتردية، بدلا من القيام بدورهم الأصيل في حماية الشعب والدولة».

وأشارت المنظمات إلى «رصد عشرات الحالات لمعتقلي الرأي في سجون الإمارات، وأبرزها سجن الرزين، كما تم رصد الانتهاكات التي يتعرضون لها، وأبرزها الاحتجاز التعسفي، ومنع التواصل مع العالم الخارجي، فضلا عن عدم توجيه اتهامات محددة لهم، بما يمنع إجلاء موقفهم القانوني».

ونشر «الخليج الجديد»، على مدار 3 حلقات، مع نهاية عام 2015، الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون داخل سجون الإمارات عامة، وسجن الرزين خاصة، من بينها نزع كل ملابسهم الداخلية والتعرية التامة أمام الشرطيين من أجل الخضوع للتفتيش، فضلا عن حفلات التعذيب التي تشمل الضرب بالكرابيج، ووضع العصا في الدبر، ونزع الأظفار، والكي بالكهرباء، والضرب المبرح. (1) (2) (3)

كما يعاني المعتقلون السياسيون في سجن الرزين، من انتهاكات منها التعذيب الجسدي والنفسي، والتبريد الشديد، والحرمان من النوم، ومنع الأضواء، وسياسة التجويع، والمنع من الزيارة.

انتهاكات عابرة الحدود

وأضاف البيان أن «الإمارات لا تدخر جهدا في التدخل السياسي في شؤون الدول العربية، وخاصة دول الربيع العربي بشكل يدعم الحكومات الديكتاتورية، ويساهم في الأنشطة القمعية التي ترتكبها تلك الدول بحق معارضيها السياسيين».

كما انتقدت المنظمات، دور الإمارات الرئيسي في الحصار الجائر الذي شاركت فيه مع دول أخرى ضد قطر، في تحد صارخ للقانون الدولي، والذي تسبب في تهديد وزعزعة أمن المنطقة بأسرها، حسب البيان.

واستنكرت «إنشاء وإدارة معتقلات وسجون سرية في اليمن، التي ترتكب فيها تعذيبا ممنهجا ضد المعارضين السياسيين».

وأعلنت المنظمات، رفضها دعم الإمارات لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في مصر، وتأييدها ودعمها للواء المتقاعد «خليفة حفتر» فيما يرتكبه من جرائم الحرب في ليبيا، وتدخلها المباشر في الحرب بقصف العاصمة طرابلس، وقصف وتدمير مدينة بنغازي.

كما انتقدت المنظمات محاولات الإمارات المستمرة، لتقويض الجهود الحثيثة والبناءة للمسار الديمقراطي في تونس، وتآمرها لإرباك الاستقرار وعرقلة النهضة في تركيا.

حماية السلطة

وحسب مراقبين، فإن هذه الانتهاكات داخليا وخارجيا تستهدف في المقام الأول، تحصين دفاعات بقاء القيادات الأمنية الفاسدة الهاربة من أوطانها بتهم تصل لـ«الخيانة العظمى» على حساب هدم دفاعات وحصون الوطن.

كما أن شواهد الأحداث وتقارير الحكومة والضرائب، والانعدام التدريجي للأمن المعيشي للمواطن، وتسليط وكالات القمع العالمية والدولية للعمل من أجل مراقبة كل تحركات الإماراتيين، تؤكد مرارا وتكرارا أن مطالب عريضة الإصلاح كانت «رؤية حكيمة تمثل الطيف الواسع من الشعب الإماراتي، وهما لا يخرجان عن كونهما ضرورة وطنية وحق لا يقبل النقض أو المراوغة».

وأما هذا الوضع الحقوقي، على مدار السنوات الماضية، وثقت المراكز الحقوقية في مقدمتها المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، ومنظمة «هيومن رايتس ووتش»، ومنظمة «العفو الدولية»، بالإضافة إلى وثائق آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، والمقررين الدوليين، عشرات الحالات من انتهاكات حقوق الإنسان بالإمارات.

مستوى متدن

وأمام ذلك، اعتبر مؤشر الديمقراطية السنوي الصادر عن مجلة «إيكونوميست» البريطانية، الإمارات دولة «مستبدة»، بعد أن جاءت في المرتبة 147 عالميا من بين 167 دولة.

وقال تقرير «الإيكونوميست»، الشهر الماضي، عن الإمارات، إنه «لا توجد ديمقراطية فيها، إذ لا يوجد تمثيل شعبي حقيقي في البرلمان (المجلس الوطني)، كما لا توجد حرية تعبير ولا رأي، إذ إن التعبير عن الرأي جريمة في الدولة».

وحسب التصنيف، جاءت الإمارات في المرتبة الـ13 عربيا ضمن الدول «الاستبدادية».

وحصلت الإمارات في العملية الانتخابية والتعددية على (صفر) من (10)، وفي أداء الحكومة على (3.57) من (10)، وفي المشاركة السياسية (2.2) من (10)، والثقافة السياسية (5) من (10)، وفي الحريات المدينة (2.65) من (10).

وهذه النتيجة، حسب التقرير، تظهر الفجوة بين الوعي السياسي للإماراتيين، وبين مشاركتهم في الانتخابات والمشاركة السياسية.

وجاءت الإمارات بالقرب من الدول التي تعاني حروبا دامية مثل اليمن وليبيا وسوريا وأفغانستان، مع أنها دولة مستقرة، وكان من المتوقع أن تكون أكثر حرية من هذه الدول.

وإذا كان بعض الإماراتيين قد استغرب عام 2011، من العريضة ومطالبها، فإن سلوك السلطة التنفيذية وأجهزتها المختلفة وواقع المجلس الوطني والقضاء، بعد 7 سنوات من توقيع العريضة، يعطي جوابا كافيا وكاملا لجميع المتسائلين، وتكسب مع كل يوم يقضيه الناشطون في السجون أرضا جديدة من التأييد، والموقعين.

وبات الإماراتيون يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع كوسيلة سياسية بهدف التأثير على خطط  الحكومة.

وحسب «إيماسك»، يشير الوضع الحالي إلى انتكاسة برنامج رئيس الدولة «التمكين السياسي»، وهي انتكاسة للدولة في خططها حتى عام 2022، أن تكون واحدة من أولى عشر دول في جميع المؤشرات.