مجتمع » حريات وحقوق الانسان

ماراثون نسائي في بلاد الحرمين.. هل كسرت السعودية خطوطها الحمراء؟

في 2018/03/06

هاني زقوت - الخليج أونلاين-

تواصل "السعودية الجديدة" تغيير ردائها وخلع ثوبها القديم بوتيرة متسارعة منذ تسلم الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 21 يونيو 2017، واتخاذه سلسلة قرارات يصفها بأنها "إصلاحات ضرورية"، في حين يراها آخرون أنها خطة ممنهجة نحو "تغريب" و"عَلمنة" المملكة.

ولم يتوقع مراقبون أن تشهد السعودية سلسلة التغييرات الدراماتيكية التي طالت جميع المجالات وتجاوزت الخطوط الحمراء التي رسمتها بلاد الحرمين بهذه السرعة الفائقة، وذلك في ظل انتهاج الأمير الشاب سياسة "العلاج بالصدمة"؛ بغرض ما وصفه بـ"تحديث الحياة الثقافية والسياسية"، مثلما قال لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أواخر فبراير المنصرم.

- ماراثون نسائي

وشهدت المملكة العربية السعودية، السبت 3 مارس الجاري، إقامة ماراثون نسائي للمرة الأولى بتاريخها، بمشاركة غفيرة من الفتيات تجاوز عددهن الـ 1500، علماً أن اللجنة المنظمة أغلقت باب التسجيل خلال ساعات معدودة، بعد تسجيل 2000 فتاة للمشاركة في السباق.

وأقيم الماراثون (اختبار تحمل في رياضة ألعاب القوى يكمن بالركض لمسافات مختلفة) في محافظة الأحساء شرقي السعودية، تحت عنوان "الحسا تركض"، برعاية الهيئة العامة للرياضة وهيئة الترفية، بالتعاون مع "أمانة الأحساء".

ووفقاً لوسائل إعلام محلية، فإن الرعاة اشترطوا على المشاركات في الماراثون "الالتزام بالضوابط الشرعية والحجاب"؛ حيث ظهرت الفتيات بعباءات سوداء وأحذية رياضية.

ونجحت السعودية مزنة النصار في الفوز بالماراثون؛ إثر حلولها في المركز الأول في مسافة 3 كيلومترات، حيث توّجت باللقب مع منحها جائزة مالية قيمتها 5 آلاف ريال سعودي.

وكانت الهيئة العامة للرياضة، التي يرأسها المستشار بالديوان الملكي تركي آل الشيخ، قد أقامت، في 24 فبراير المنصرم، "ماراثون الرياض الدولي"، وخصص للرجال لمسافات مختلفة.

- سلسلة ماراثونات قادمة

ويخطط القائمون على إدارة "السعودية الجديدة" لإقامة سلسلة ماراثونات نسائية في البلاد، وجعلها أمراً طبيعياً؛ إذ تسير الاستعدادات بمكة المكرمة على قدم وساق لتنظيم سباق مماثل للنساء والفتيات، الشهر المقبل.

وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة "عكاظ" السعودية أن ماراثون مكة سيقام في 6 أبريل المقبل، بالقاعة الرياضية المغلقة لنادي الوحدة، تحت رعاية وكيلة الهيئة العامة للرياضة رئيسة الاتحاد السعودي للرياضة المجتمعية، الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، بالتعاون مع فريق "حور مكة" التطوعي، وهو ما يشير أيضاً إلى الاختلاط والوجود الذكوري بالفعالية، بعكس التشديدات السابقة.

وأشارت الصحيفة السعودية إلى أن ماراثون مكة "يستجيب لجميع الضوابط الشرعية"، وهي العبارة التي اعتاد عليها السعوديون منذ وصول "بن سلمان" لولاية العهد، حيث يعدها مراقبون بأنها محاولة من القيادة السياسية الحالية "لامتصاص الغضب جراء التغييرات الدراماتيكية التي تشهدها أطهر بقاع الأرض".

بدورها قالت رئيسة الفريق التطوعي، عبير عبد الوهاب، إنهم حصلوا على الموافقات الرسمية لإقامة الماراثون، لافتة إلى أنه "سيُقام وفق الضوابط الشرعية بالصالة المغلقة لنادي الوحدة".

وأوضحت أن المشاركات في هذا الماراثون من سن 18 عاماً، مشيرة إلى أن جوائز ستُخصص للفائزات (ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية).

وكان رئيس الاتحاد السعودي لألعاب القوى، هادي القحطاني، قد كشف في تصريح نقلته "عكاظ"، عن "مشاركة العداءات السعوديات في أول ماراثون نسائي "رسمي" تعتزم الرياض تنظيمه العام المقبل"، مشيراً إلى أنه سيتم اعتماد مشاركتهن بعد شهرين.

- "تويتر" يُعلق

وكالعادة شهد موقع التغريدات القصيرة "تويتر" جدلاً واسعاً بين أقلية تُساند جميع القرارات والأوامر الملكية الصادرة عن القيادة السياسية، وبين فئة كبيرة ترى أن بلادهم تسير بخُطا متسارعة نحو "تغريب" المجتمع و"عَلمنته"، مستندين في أقوالهم إلى تسريبات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة.

وقال العتيبة في تصريحات متلفزة، أواخر يوليو 2017، لقناة "بي بي إس" الأمريكية، إن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط هو "حكومات علمانية".

وشدد القسم الرافض لإقامة الماراثونات النسائية على أن هدف القائمين على فعاليات كهذه ومسابقات يتعدى مفهوم الرياضة بأسره بدليل عدم إقامتها في صالات مغلقة، لافتين في الوقت ذاته إلى أن ما يحدث حالياً يُعد "عملية إفساد منظمة وممنهجة للمرأة السعودية".

وقال مغردون سعوديون إن "الشرع" أسقط عن المرأة السعي بين الصفا والمروة وهي في أطهر بقاع الأرض حفاظاً عليها، في حين "أخرجها" دعاة الانفتاح والتغريب والعَلمنة إلى الشارع وجعلوها تهرول في الطرقات باسم الرياضة"، على حد قولهم.

وذهب البعض إلى أبعد من ذلك؛ بتأكيد أن اختيار "الأحساء" مكاناً لإقامة الماراثون لم يكن "عبثياً" على الإطلاق؛ وإنما -وفق هؤلاء- يعود إلى وجود نسبة كبيرة من الطائفة الشيعية؛ بهدف إيهام المجتمع السني بأن هناك قاعدة شعبية لـ "الإصلاحات" كما يصفها ولي عهد السعودية.

ويخشى سعوديون أن يبدأ "دعاة التغريب والعلمانية" بالمطالبة بضرورة تخصيص زي رياضي للسيدات بحجة أن العباءة والنقاب يعيقان النساء والفتيات عن الركض والجري بسهولة ويسر في الفعاليات والمسابقات الرياضية.

- "السعودية الجديدة"

وتشهد "السعودية الجديدة" تغييرات اجتماعية "دراماتيكية" غير مسبوقة؛ تزامناً مع "رؤية 2030"، التي تستند إلى تنويع مصادر الدخل، ويُشكل قطاعا الترفيه والسياحة حجر الأساس فيها، بعيداً عن النفط، خاصة مع انخفاض سعر الخام، كما تقول القيادة السعودية.

وشهد شهر سبتمبر 2017 اتخاذ السلطات السعودية عدة قرارات تستهدف دمج المرأة في المجتمع؛ إذ سُمح بدخول النساء إلى "استاد الملك فهد الدولي" في العاصمة الرياض، وذلك على هامش الاحتفال باليوم الوطني الـ87 للمملكة، للمرة الأولى، قبل أن يُسمَح بدخولهن إلى ملاعب كرة القدم وتشجيع فرقهن المفضلة بداية من 2018، في 3 مدن؛ هي: الرياض، وجدة، والدمام.

كما أصدر الملك السعودي أمراً ملكياً يسمح بإصدار رخص قيادة للنساء، بعد سنوات من مطالبات وحملات كثيرة، دشّنتها ناشطات سعوديات، حيث سيتم العمل بالقرار بصورة رسمية في يونيو المقبل، رغم فتاوى عديدة اعتمدتها الدولة وكانت تحرمها سابقاً وما زال مطلقوها على قيد الحياة.

وإضافة إلى ذلك، رُفع الحظر الذي كان مفروضاً على تنظيم الحفلات الغنائية والفنية، فضلاً عن البدء بتدشين دُور للسينما، ووقوف المرأة على خشبة المسرح ممثِّلةً أمام الرجل، لأول مرة منذ 50 عاماً، وبث التلفزيون الرسمي أغاني لـ"أم كلثوم"، والسماح بتدريس التربية البدنية في مدارس البنات.

كما اعتاد السعوديون منذ أشهر على رؤية سلسلة من الفعاليات الرياضية والموسيقية والترفيهية غير المسبوقة، بينها إقامة حفلات لفرق ومغنين عرب وغربيين؛ حيث يتم الترويج حالياً وعلى نطاق واسع لحفل الفنان المصري تامر حسني نهاية الشهر الجاري بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية مشترطين "عدم التمايل والرقص".

كما شهدت السعودية أول عرض "أوبرا" بالمملكة تحت عنوان "عنتر وعبلة"، وكذلك أول مهرجان لموسيقى الجاز.

وكانت السعودية أعلنت، في 22 فبراير الماضي، أنها ستستثمر 240 مليار ريال (نحو 64 مليار دولار) في قطاع الترفيه في السنوات العشر المقبلة، على أن يتم جمع هذه الأموال من الحكومة والقطاع الخاص.

وأثار ولي العهد السعودي جدلاً واسعاً؛ عندما قال إن بلاده متمسكة بتطبيق الشريعة الإسلامية في المملكة، لكن ذلك يتم وفق تفسيرات كانت متّبَعة قبل نحو ثلاثة عقود، في إشارة واضحة إلى تراجعه عن الفترة الماضية التي أُطلق عليها اسم "الصحوة الإسلامية"، وفقاً لمراقبين ومُحللين.