مجتمع » حريات وحقوق الانسان

سجن «الشميسي».. مقبرة اليمنيين في السعودية

في 2018/03/06

العربي الجديد-

عليك اعتياد التبول على مرأى مئات العيون المحيطة بك إن ساقتك الأقدار إلى سجن الترحيل الأشهر في المنطقة الشرقية خارج العاصمة السعودية (الرياض)، سجن «الشميسي».

فحماماته من دون أبواب، وإن أصابك العطش عليك أن تشرب من صنبور الماء نفسه الذي غسل به من سبقك في الحمامات القليلة، التي لا يتوقف استخدامها على مدار الساعة من مئات المعتقلين، ولا يمكن التخلص من رائحتها المنتشرة في المكان على مدار الساعة، ولا من الأمراض التي قد تنتقل من شخص لآخر بسبب شدة الازدحام في المكان، لدرجة يمكن أن تضطر للبقاء في حالة جلوس دائم ولا تتمكن من التمدد على أرض المعتقل شديد الحرارة.

«الشميسي» ليس فقط سجنا في الرياض، ولكن أكبر سجن أو (مركز إيواء) يقع في المنطقة الغربية على بعد 20 كيلومترا في الطريق بين مكة وجدة اسمه «الشميسي» أيضا.

لا سبب واضح لتسمية السجنين بالاسم ذاته، فيما يقع السجن الثالث في المنطقة الجنوبية بجيزان، ويشتهر باسم «الكربوس»، وفي هذا الأخير القريب من الحدود اليمنية، قد تحصل على فرصة أسرع لترحيلك إلى اليمن مقارنة بسجني الشميسي بالرياض ومكة اللذين قد يستمر اعتقالك فيهما لأسابيع قبل ترحيلك.

إذا كانت سعة العنبر 200 سجين مثلا، فإنه يتم الزج بـ600 سجين في المساحة ذاتها، مع وجبات من الأرز والعدس، تقدم بطريقة مهينة وبكميات قليلة للغاية.

ولم يعد المجهولون (من دخلوا السعودية بطريقة غير رسمية) وحدهم مهددون بالاعتقال في أية لحظة والزج بهم في أحد هذه السجون، فقانون العمل السعودي المعدل يجعل كل مقيم على أراضي المملكة هدفا محتملا للاعتقال ثم الترحيل عبر قافلة باصات الترحيل الخاصة بالسجون.

وهي باصات نقل بري كبيرة، تختلف عن الباصات الأخرى باحتوائها على شبك حديدي يفصل مقصورة القيادة عن المعتقلين، كاحتياطات أمنية تضمن عدم تعرض السائق أو الأمن المرافق له للاعتداء من قبل المرحلين.

كما استحدثت أخيرا احتياطات أخرى، هي «الكلبشات» (الأصفاد) الحديدية التي تكبل اليدين والقدمين، إذ يتم وضع قدم أحد المرحلين إلى جانب قدم مرحل آخر بـ«كلبشة» واحدة، لا يتم فكها إلا عند الوصول إلى الوجهة الأخيرة، وهي منفذ العبر بمحافظة حضرموت اليمنية.

الرحلة من سجن «الشميسي» بمكة إلى العبر، تستغرق نحو 16 ساعة، ولا تتوقف الرحلة لأي سبب في الطريق حتى للتبول.

ويقوم المرحلون على متنها باستخدام العلب البلاستيكية للتبول، لذلك تكون رائحة الباصات غير محتملة على مدار الرحلة، ويتم حشر مرحلين بأضعاف مقاعد الركاب المتاحة، حتى المسافة الفاصلة بين الكراسي كممر في الأحوال العادية يتراكم فيها العشرات فوق بعضهم.

تجارب سيئة

كما سينصحك أصحاب التجارب السابقة بعدم إبداء أي قدر من التذمر أو الاعتراض، فذلك، إن كنت محظوظا، سيعرضك لبعض الشتائم الحادة، أما إن كان مزاج عنصر الأمن غير مناسب فقد يفك حزامه العسكري العريض (القائش)، ويهوي به على جسدك بكل بساطة.

ويسرد «صالح» وهو يركز نظراته على الأرض، تجربته، ويقول لـ«العربي الجديد»: «كنت في طريقي إلى جدة عائدا من اليمن بعد إجازة قصيرة، وتم توقيفي بنقطة تفتيش بمنطقة نجران، وعندما قلت للجندي إنني مغترب نظامي وليس هناك ما يستدعي التوقيف، طلب مني هاتفي الجوال، الله يلعن الواتس أب ويلعن الحرب، فقد وجد بعض الرسائل المتبادلة على بعض المجموعات تنتقد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتدخل التحالف في اليمن، لم أكتبها أنا ولم أظن أنها قد تشكل خطورة لأقوم بحذفها، إلا أنها تسببت بسجني 6 أشهر وجلدي 80 جلدة وترحيلي بشكل نهائي».

ولم يكن «رشيد» أوفر حظا، فهو فني كهرباء، قتل بعض أقاربه في الحرب، وأصيب بما يشبه الاكتئاب، كان يطلق لحيته لأشهر، ثم فجأة يحلقها بالموس.. هذا التصرف لفت انتباه عناصر الأمن، فقاموا باعتقاله وتعذيبه لأيام، خرج بعدها يسير بصعوبة، فقد أصيبت أعصاب إحدى قدميه جراء التعذيب، ورغم عدم ثبوت أية تهمة على الرجل، فقد أطلقه الأمن من دون ترحيله، إلا أنه لم يحتمل البقاء بالسعودية ليعود إلى اليمن بقلب مكسور.

ولا توجد إحصائيات رسمية بعدد المغتربين اليمنيين في السعودية، إلا أن إحصائيات سعودية قالت إنهم يمثلون 20% من إجمالي العمالة الأجنبية، وهناك تقديرات رجحت وصولهم إلى مليوني مغترب، إلا أن دراسة نشرها موقع «محيط» أخيرا كشفت أن «عددهم يتجاوز 1.3 ملايين مغترب بقليل»، ومع هذا فإنهم أكثر الجنسيات تضررا من تعديلات قانون العمل السعودي.

يعود ذلك لأن المهن المشمولة بقانون التوطين/السعودة هي تحديدا المهن التي يعمل فيها اليمنيون تقليديا.

وتعد أسواق العطور والملابس حاليا والذهب والهواتف سابقا مجال عملهم الأساسي، وبعضهم يعملون عند غير كفيلهم في مخالفة للقانون، لأن كل سعودي يمكنه استقدام عمالة أجنبية وقد لا تكون لديه فرص عمل، فيبيع تأشيرات العمل بمبالغ كبيرة تتجاوز 15 ألف ريال سعودي (4 آلاف دولار) أحيانا، ثم يقول لمن اشتراها إن عليه البحث عن عمل في مكان آخر.

وهكذا يخسر المغترب مبلغا كبيرا لشراء تأشيرة يحتاج لأكثر من عام لسداد قيمتها، وقد يتعرض للاعتقال كمخالف لقانون العمل ولم يتمكن من مجرد استعادة ما خسره بشراء التأشيرة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها اليمنيون المغتربون بالمملكة لحملات ترحيل واسعة، ضمن حملة «وطن بلا مخالف» التي تطلق بين وقت وآخر، كان أشهرها مطلع 2014