مجتمع » حريات وحقوق الانسان

بعد 6 أشهر من اعتقاله.. لا مؤشرات على إطلاق سراح سلمان العودة

في 2018/03/10

يوسف حسني - الخليج أونلاين-

تواصل السلطات السعودية احتجاز الداعية الشهير سلمان العودة منذ ستة أشهر، ولم تفلح الدعوات المتكررة في إطلاق سراح الرجل الذي ينظر له كواحد من الإصلاحيين الذين يحاربون التطرف وينبذون العنف، رغم الأحاديث المتواترة عن تدهور حالته الصحية في محبسه.

في سبتمبر 2017، اعتقلت السلطات الداعية المعروف ضمن نخبة من كبار الدعاة والعلماء، في حملة لحقتها حملة أخرى شملت رجال أعمال وأمراء ووزراء، بناء على توجيهات من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يعتمد ما أسماها سياسة "الصدمة" في إحكام قبضته على البلاد.

وسبق أن وصف بن سلمان الإجراءات التي يتخذها ضد مناوئيه بأنها "جزء من العلاج بالصدمة"، الذي قال: إنه "ضروري لتطوير الحياة الثقافية والسياسية في المملكة وكبح التطرف".

وفي حوار مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أواخر الشهر الماضي، رفض بن سلمان المخاوف التي تعتري البعض من خوضه صراعات على جبهات كثيرة جداً، وقيامه بالمخاطرة في كثير من الأحيان قائلاً: "إن اتساع وتيرة التغيير وسرعتها يُعتبران ضروريين للنجاح"، مضيفاً: "نريد العمل مع الطموحين".

ولم يتطرق ولي العهد في حديثه إلى حالة سلمان العودة، الذي تحدث كثيرون عن أن اعتقاله ومن معه من الدعاة كان سببه رفضهم تأييد حملة المقاطعة والحصار التي تقودها الرياض وأبوظبي والبحرين ضد دولة قطر.

- تخويف وغموض

ويبدو أن سياسة التخويف التي ينتهجها بن سلمان قد آتت ثمارها مع آخرين من الدعاة، ولا سيما "هيئة كبار العلماء" بالمملكة والتي انقلبت أحوالها تماماً، وباتت مصدراً لتحليل كل ما يريده الأمير الشاب، بعدما ظلت فتاواها لعقود بعيدة عن هوى مؤسسة الحكم وبما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.

فبعد صمتها عن إعادة فتح السينما، وترحيبها بقرار العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بالسماح للمرأة بالقيادة، بعد أن كانت قد أشبعت الأمر بسلسلة فتاوى تؤكد تحريمها، تبرر اليوم قرار الحكومة السعودية زيادة الأسعار والتي أثارت جدلاً واسعاً، بأن "الله هو من يرفع الأسعار"، وتعدَّى الأمر إلى سلسلة من الفتاوى التي تتعلق بحياة الناس الخاصة والتي كانت في السابق من المحرمات.

كما أيدت الهيئة الاعتقالات التي طالت أمراء ووزراء ومسؤولين سابقين، وقالت إن محاربة الفساد لا تقل عن محاربة الإرهاب، وإن الحفاظ على الوطن يتطلب ذلك.

وحالياً تتجه هيئة الفتوى، بناء على طلب من مجلس الشورى السعودي، إلى مراجعة وتنقيح فتاواها السابقة التي تتعارض مع متغيرات العصر وسياسة الانفتاح التي يقودها ولي العهد، والتي تضرب الأسس التي قامت عليها المملكة في مقتل.

ومؤخراً لفّ الغموض حالة العودة الصحية، ليُنقل إلى المستشفى إثر تدهور صحته في السجن، وسط إشاعات عن وفاته؛ ما دفع نجله إلى المطالبة بالكشف عن مصيره. وكان العودة ممنوعاً من الاتصال بذويه، وهو معزول في زنزانة انفرادية، وفق ما أكده الصحفي السعودي عبد العزيز قاسم بعد زيارته مؤخراً.

وأوائل فبراير الماضي، سمحت السلطات للعودة بالاتصال بذويه. كما تمكنت أسرته من زيارته في سجن "ذهبان" بمدينة جدة، بعد خمسة شهور من اعتقاله.

وبعد اللقاء، غرّد نجله عبد الله قائلاً: "اليوم، لأول مرة، تحققت زيارة أهلي للوالد الشيخ سلمان العودة، في سجن ذهبان، وهو طيب ومفعم بالحياة كعادته والحمد لله، والأجواء إيجابية"، مضيفاً: "نسأل الله أن يكون الأسوأ قد انتهى".

- رسائل مشكوك فيها

وأثار لقاء أجراه الصحفي السعودي عبد الله القاسم، أواخر يناير الماضي، مع العودة، ضجة واسعة، خاصة أنه تزامن مع شحّ المعلومات عن مصير الأخير أو التهم الموجهة إليه، كما أنه نقل عنه (العودة) حديثاً يحمل تجميلاً للحكومة وتشويهاً للمتضامنين معه.

وقال قاسم في مقال نشره موقع "أنحاء" الإلكتروني الأربعاء 31 يناير 2018، إنه زار سجن ذهبان برفقة شيخين لم يذكر اسميهما، حيث التقوا عدداً من الموقوفين والمسجونين، من بينهم العودة الذي كان في وقت فسحته اليومية.

وأضاف: "الشيخ العودة انزعج من تغريدات نجله (عبد الله) بشأن حالته الصحية، وحضوره مؤتمرات مشبوهة للمعارضة بزعم دعم قضيته". ونقل الصحفي السعودي عن العودة قوله: "لا أرضى أبداً أن يغرّد ابني عبد الله ولا أحد من أبنائي، أو أن يتكلم في هذا الموضوع. هو أصلاً لا يعرف شيئاً حتى يكتب أو يغرّد"، بحسب تعبيره.

وتابع الصحفي "العودة قال: أنا بأتم الصحة والعافية، كل ما في الموضوع أن عقاريّ الكوليسترول والضغط تأخرا عليّ في البداية، وتأثرت قليلاً، ثم ذهبت للفحوصات، هذا كل ما في الأمر".

وقال إن الشيخ سلمان العودة "ذكر بعض المطالبات مثل إتاحة الزيارة والاتصال والسجن الجماعي"، وأنه أخبره بأن مدير السجن "ردّ بأن كل ذلك رهن انتهاء التحقيق، وسيتحقق قريباً له، ولكل من كان في حالته".

وذكر قاسم في مقالته أن أحد الشيخين اللذين كانا برفقته فتح موضوع التهم الموجهة للعودة، وأنه (العودة) تكلم فيها وأوضح وجهة نظره. لكن الصحفي السعودي قال إنه سيتجاوز ذكر وجهة نظر الشيخ في هذه الاتهامات؛ لأن الشيخ المرافق وعد بنقلها للمسؤولين وولاة الأمر. على حد تعبيره.

وعلى الفور، ردّ نجل العودة (عبد الله)، على المقال قائلاً إن والده "لم يكن يعاني من مشكلة ضغط الدم، قبل السجن"، ونشر مقطع فيديو قديماً له يتحدث فيه عن صحته. وأوضح في تغريدة أخرى أن "المقال ينقل رسائل سياسية موجّهة، ولا يمكن التأكد من دقة محتواها عبر جهة محايدة أو موثوقة".

ومن بين الأمور التي أثارت الشكوك حول صحة هذا الحديث، رسالة نقلها الصحفي السعودي عن العودة لنجله عبد الله، وطلب منه فيها أن يبتعد عن قضيته وأن ينصرف لدراسته. وهو ما رد عليه الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بقوله: "الصحفي (قاسم) نقل معلومات تشكّك في مصداقيته"، متسائلاً: "كيف يطالب الشيخ نجله بالانصراف لدراسته وهو يعلم أنه معيد بجامعة ييل الشهيرة؟".

لكن قاسم رد على الأمر بقوله إن الشيخ سيخرج عاجلاً أم آجلاً وسيقرأ ما كتبه عنه، مضيفاً: "لن أجازف بتقويله ما لم يقل".

وفي 28 يناير الماضي، قالت شبكة "إن بي سي" الأمريكية إن عملية اعتقال رجال الدين في السعودية، وعلى رأسهم الداعية سلمان العودة، لا علاقة لها بالآراء الدينية، وإنما يتعلق الأمر بالسياسة.

وذكرت الشبكة أن العودة الذي اعتقل مع عدد من رجال الدين بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، يعد من الدعاة الإصلاحيين الذين نادوا بأهمية الإصلاحات في المملكة.

وأضافت: "الشيخ تبنى فكر إعادة تأهيل وإصلاح الشباب السعودي، ليتحول بعد ذلك إلى أكثر رجال الدين شعبية في المملكة والعالم الإسلامي". كما أشارت إلى أن العودة "دعا إلى مزيد من الديمقراطية والإصلاح الاجتماعي، وندد بالعنف والتطرف، وكانت له العديد من الآراء في هذا الشأن".

- تعذيب وضغوط

ومؤخراً كشف حساب "معتقلي الرأي"، المتخصص بنقل أخبار المعتقلين السعوديين، تفاصيل جديدة تعرض لأول مرة عن ظروف التحقيق التي عاشها العودة بعد اعتقاله.

وقال الحساب في تدوينات على "تويتر"، إن العودة "تعرض لانتهاكات حقوقية كبيرة في الشهور الثلاثة الأولى من اعتقاله، أبرزها أنه كان مقيّد القدمين بسلاسل معدنية في العزل الانفرادي".

وفي تغريدة أخرى، قال الحساب: "تعرض الشيخ سلمان العودة لضغوط شديدة أثناء جلسات التحقيق التي كان يُسأل فيها فقط عن تغريداته، وكان يُحرَم من النوم لعدة ليالي متواصلة لدرجة أنه أصيب بارتفاع في ضغط الدم، وقد طلب أدوية للضغط فمنعت عنه، ما أدى إلى تدهور مفاجئ في صحته ونقل إثر ذلك للمستشفى".

وتابع: "استمرت واحدة من جلسات التحقيق مع الشيخ سلمان العودة مدة 24 ساعة متواصلة حُرم فيها من النوم، وكانت الأسئلة مخصصة عن تغريدات الشيخ السابقة المتعلقة بالأزمة بين السعودية وقطر".

وبدأ العودة حياته العملية مدرساً في المعهد العلمي ببريدة، وعمل معيداً ثم أستاذاً بجامعة الإمام محمد بن سعود في القصيم، حتى أقيل منها عام 1994 بسبب مواقفه السياسية.

ويعتبر العودة (62 عاماً) من أكثر علماء الدين المسلمين استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام وسناب شات، ويحظى بمتابعة مئات الآلاف من مستخدميها.

وسبق أن قال مغردون سعوديون إن الشيخ العودة اعتقل بسبب تغريدة دعا الله فيها أن "يؤلف القلوب"، بعد نبأ الاتصال الهاتفي بين أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وكانت هيئات وجماعات إسلامية استنكرت اعتقال العودة وعدد من العلماء، ودعت إلى الإفراج الفوري عنهم. كما طالب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السلطات السعودية "بتغليب صوت الحكمة"، وعدم الزج بالعلماء في قضايا الخلاف السياسي.