مجتمع » حريات وحقوق الانسان

هل بدأت السعودية التراجع عن الإصلاحات؟

في 2018/05/24

سايمون هندرسون - ذي أتلانتيك-

على مدى أشهر، كانت المملكة العربية السعودية تربح سمعة جيدة في العلاقات العامة. وكان ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، زعيم المستقبل الكاريزمي في المملكة، قد كسب إعجاب العالم برؤيته لأمة حديثة وعصرية. وكانت هناك حفلات موسيقية حية، وتم فتح دور السينما، مع العديد من المخططات الأخرى. ويمكن للمرأة الآن حضور مباريات كرة القدم. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن «بن سلمان» عن وعده الجريء بإلغاء حظر البلاد على قيادة المرأة، وهو التغيير الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في 24 يونيو/حزيران.

وبعد ذلك، في وقت متأخر من يوم الجمعة، سقطت تلك الصورة وانطفأ بريقها؛ حيث ظهرت تقارير بأن الناشطات اللائي ضغطن من أجل تغيير تلك السياسة قد تم اعتقالهن وسجنهن. وحتى هذا الصباح، تم إلقاء القبض على 13، معظمهم من النساء. وبصرف النظر عن قضية القيادة، فكانوا قد قاموا بحملة ضد ما يسمى بـ«ولاية الرجل»، التي تتطلب من النساء السعوديات الحصول على إذن من قريب ذكر قبل اتخاذ العديد من قرارات الحياة، مثل السفر. وكانت إحدى المحتجزات «لجين الهذلول»، التي شاركت في قمة «عالم واحد شاب» لعام 2016 مع «ميغان ماركل»، التي تزوجت من الأمير «هاري» يوم السبت.

فما الذي يحدث في المملكة؟ قد يرغب «بن سلمان» في تثبيط أي احتجاجات شعبية تسعى لتغييرات اجتماعية أو سياسية إضافية. (خلال عطلة نهاية الأسبوع، قال مسؤول أمريكي إن الاعتقالات تعكس أسلوب الأمير الشخصي، حتى لو لم يكن اسمه مرتبطا علنيا بها). ومن المرجح أن تؤدي إصلاحاته إلى معارضة من داخل المجتمع الهرمي الذي يهيمن عليه الذكور في المملكة، الذي يتبع تفسيرا صارما من الإسلام. وتشير الحاجة الواضحة لاعتقال الناشطات إلى أن «بن سلمان» قد يضطر إلى إعادة التفكير في خططه الكبرى.

وفي المملكة العربية السعودية، يشبه «بن سلمان» أحيانا «صدام حسين»، الدكتاتور السابق في العراق. وفي أغلب الأحيان، يشيرون إلى النسخة «الجيدة» من «صدام حسين»، الذي كان، كنائب للرئيس، قوة دافعة للتحديث في السبعينيات. لكن «صدام»، رغم أنه كان لا يرحم، فقد كان محترما. وفي وقت لاحق فقط، في الثمانينيات والتسعينيات، أصبح يثير مخاوف واسعة. ولقد تحدثنا إلى سعوديين يخشون أن يتحول «بن سلمان» بنفس الطريقة.

وتعد «قصة الرصاصة» إحدى الحكايات المشهورة عن «بن سلمان»، ويعرفها كل سفير في الرياض. فعندما كان «بن سلمان» في الـ22 من عمره، منذ نحو 10 أعوام مضت، أراد أن يبني لنفسه مسارا تجاريا. وفي إحدى المرات، احتاج إلى قاضي سعودي للتوقيع على صفقة. لكن كانت هناك مشكلة في العقد، لذلك رفض القاضي. وتمضي القصة إلى أن «بن سلمان» أخرج رصاصة من جيبه ووضعها على مكتب الرجل. وقال له: «سوف توقع أو هذه لك». وقع الرجل العقد، لكنه اشتكى إلى الملك «عبدالله» آنذاك، الذي منع «بن سلمان» من المشاركة في الديوان الملكي.

وتشير مثل هذه القصص والمخاوف حول «بن سلمان» إلى أنه قد يكون قنبلة موقوتة، عازم على إعادة تشكيل المملكة في عجلة من أمره. وربما يعتقد ولي العهد الآن أن حركة الإصلاح التي بدأها خرجت عن سيطرته. أو ربما يرى أنه يتحرك بسرعة كبيرة، مما يزعج النخبة القديمة التي تحتاج الآن إلى المهدئات. أو ربما نصحه والده أو أخبره بأن عليه أن يبطئ.

وقد ظهرت في الشهر الماضي احتمالية ظهور معارضة قوية لـ«بن سلمان» في القمة العربية التي استضافها الملك «سلمان» في مدينة الظهران. وركز الاجتماع على قرار الرئيس «دونالد ترامب» بنقل السفارة الأمريكية في (إسرائيل) إلى القدس. وكرر البيان الختامي للاجتماع العديد من الخطوط المعتادة حول دعم الفلسطينيين. ولم يكن هذا مفاجئا، ربما باستثناء حقيقة أن «بن سلمان» (الذي حضر القمة، ولكن في دور مساند لوالده) كان قد عاد لتوه من جولة لمدة 3 أسابيع في الولايات المتحدة، حيث كان قد أسر لب كل من مجتمع الأعمال وكذلك قادة المجتمع اليهودي الأمريكي. وبحسب ما ورد، أخبر «بن سلمان» المجموعة الأخيرة بأن مسألة مصير الفلسطينيين لم تعد تحتل مرتبة بين أهم 100 قضية للسعوديين العاديين، وهو التصريح الذي تسبب في جعل بعض الناس يسقطون حرفيا عن مقاعدهم.

ويقول أولئك الذين التقوا بـ«بن سلمان» إنه كـ«بيل كلينتون» في موهبته في التعاطي مع أولئك الذين لا يوافقهم. ومع ذلك، نادرا ما يغير رأيه. وهذا أمر مؤسف، لأنه يكتسب سمعة أيضا باتخاذ قرارات سيئة. ومن بين هذه الاعتقالات احتجاز رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري»، والحرب المستمرة التي تشنها المملكة في اليمن ضد رجال القبائل «الحوثيين» المدعومين من إيران، والصدع الدبلوماسي مع قطر، والقبض على ما يقرب من 400 من الأمراء ورجال الأعمال المتهمين بالفساد. وإضافة إلى ذلك، فإن رؤية 2030، خطة التحول الاقتصادي في المملكة، تسير بخطى بطيئة. ومحور الخطة هو البيع الجزئي لشركة النفط المملوكة للدولة «أرامكو السعودية». لكن هذا قد تأخر. وفي هذه الأثناء، لا تزال تظهر بوادر محرجة حول البذخ المبالغ فيه من قبل «بن سلمان».

ويبدو أن «بن سلمان» لا يهتم بالتغيير. ويبدو أن اعتقال الناشطين هو الطريقة التي كانت السعودية تتبعها في الماضي وستستمر في العمل بها؛ ففي عام 1990، تم اعتقال عشرات النساء لقيادتهن السيارات في الرياض. لكن اليوم، من المفترض أن تكون المملكة مختلفة، ومن المفترض أن يكون «بن سلمان» نوعا مختلفا من الملوك. وتتمثل آمال العالم له في إنشاء مملكة حديثة قادرة على فصل نفسها عن أسسها الثيوقراطية المحافظة. لكن بعد هذه الاعتقالات الأخيرة، فإن قدرته على تلبية تلك الآمال أصبحت موضع شك.