نبيلة حسني محجوب- المدينة السعودية-
مَن يُتابع قنوات التواصل الاجتماعي من خارج الوطن الغالي «السعودية»، يُصاب بصدمة في مجتمع تَربَّى على القِيَم، وتفاخر بالخصوصية، لكن الواقع داخل الوطن يُثبت كل يوم أن المجتمع لا زال بخير، وأنه يعيش مرحلة تغيير كبيرة، لكنها في الوسائل والأدوات، وأساليب الحياة المتوافقة مع متغيرات العصر، متقبّل، منسجم، وسعيد بكل هذا التغيير الذي كان مطلبا ضروريا لمجتمع متحضِّر، اجتاز كثير مِن العقبات التي كانت تقف أمام عجلة التقدُّم، تُعيق حركتها، بل تدفعها إلى الخلف بكل قوة.
إذا، لماذا هذا الفرق بين واقع المجتمع السعودي، وما يُثار من زوابع وأباطيل في العالم الافتراضي؟، ولماذا هذا الانطباع الذي قدّمت به المقال؟، وهو انعكاس لمتابعتي لتويتر ويوتيوب من خارج الوطن، كما أُتابع أخبار الوطن من أرض الواقع في وطني.. أهلي وأصدقائي، أبنائي وأحفادي وأصهاري، أتواصل معهم بشكلٍ يومي وأعرف ما يحدث هناك.
أي تغيُّرات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة وسريعة -كما حدث في السعودية- لابد أن تُجَابَه ببعض الرَّفض من الفئات التي كانت عقبة التقدُّم، ولابد أن تظهر فئة لا تعرف كيف تتعامل مع أساليب ووسائل التغيير، فتصدم المجتمع بتصرفات تتصادم مع قِيَم المجتمع، فتنتهز الفئة الرافضة هذه السلوكيات الفردية لتنقضّ على المرحلة المضيئة بكاملها، لتُحيلها إلى السواد الذي يعشش في رؤوسهم وقلوبهم، لكن الأمر بالنسبة للأوطان، ليس كما يُصوِّر لهم خيالهم الضعيف، وعقولهم الصغيرة، الأمر بالنسبة للوطن كالنهر، لا يفسده مَن يُلقي فيه قاذوراته، يظل ماؤه طاهرا وطهورا، لأنه يجري في مجراه ويُجدِّد مياهه في كل لحظة.
كل الضجيج الذي يحدث في قنوات التواصل الاجتماعي سواء من فئات غير واعية تخوض في غمار عالم مفتوح بقنواته على العالم الواسع تتوهَّم اقتناص فرصة للشُّهرَة، أو لديه طاقة بذاءة يصرفها وهو متخفِّي بأسماء وهمية، وذمرة من أعداء الوطن، تجد في أولئك معين لإشعال عود الثقاب الذي ألقت به على منصة من منصات التواصل، كل ذلك الضجيج لا يُؤثِّر على حركة التغيير التي تسير إلى الأمام بقوة وإصرار وتحدي.
خروج فتاة بكامل زينتها في منطقةٍ ما، وانبهار الرجال والشباب بها بتلك الصورة، أمرٌ لا علاقة له بقرارات مشاركة المرأة في الحياة العامة، سلوك من ماج وهاج بحاجة إلى ردعٍ وتهذيب، وإذا قادت إحدى الفتيات السيارة وهي بملابس غير لائقة؛ فهو ينعكس عليها، لأنها لم تفهم كيف تتعامل وتتفاعل مع الحدث، ولا علاقة بقيادة السيارة بسلوكٍ فردي ناتج عن استهتار أو جهل، أو بدافع تشويه التغيير الذي يحدث في الوطن، ولكن مهما كان السبب أو الدافع، فهو يُسيء لصاحبه، ولا يُؤثِّر على القرار أو تنفيذه. فإذا نظرنا للصورة الكبيرة الجميلة، هناك مئات الفتيات والسيدات اللاتي قدن سياراتهن بحشمةٍ وأدب، فلم يشعر بهن أحد.
الأخطاء الفردية يتم التعامل معها على أساس بُعدها الشخصي قانونيا أو أمنيا حسب الخطأ الذي اقترفه الفرد، لكن هذا اللغط والهاشتاقات والفيديوهات والسنابات التي «ما تصدق جنازة وتشبع فيها لطم»، ليست إلا انعكاسا سلبيا عن التغيُّرات الإيجابية التي تحدث في السعودية، لأنها تسعى لتشويه واقعنا الجميل وتستجيب لرغبة أعداء التغيير، بل هؤلاء المُغرِّدون والشتَّامون والمهشتقون يُشبهون عرايس الماريونت التي يمسك بخيوطها بين أصابع أحدهم يُحرِّكها كيف يشاء، وهي عرائس قماش، مُجرَّد جسد بلا روح، يسهل اللعب بها وتحريكها للتسلية؛ فأخطاء الأفراد مهما كبرت لن تُؤثِّر في الأوطان، إلا كما تُؤثِّر سقوط الإبرة في البحر.. ولولا أني أقرأ وأتابع العالم الافتراضي، وأعلم جيدا ما يحدث على أرض الواقع، لمسَّني الخوف، وانتابتني هواجس «ماذا يحدث في السعودية»!!