مجلة الإيكونوميست البريطانية-
«كيف يتم قمع الحريات داخل السعودية؟».. تحت هذا العنوان نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية حوارا مع الكاتب والصحفي السعودي «جمال خاشقجي»، في واشنطن، تناولت فيه خلفيات خروجه من المملكة ولجوئه إلى الولايات المتحدة كمنفى اختياري، بعد أسابيع من قرار صدر بمنعه من التغريد والكتابة.
وقالت المجلة إن «خاشقجي» لا يصنف على أنه شخص منشق على النظام الملكي السعودي، على غرار الكاتب والمدون «رائف بدوي» مثلا، لكنه كان ينظر إليه على أنه أحد الكتاب المقربين من الديوان الملكي، علاوة على أنه لا يطرح فكرة الإطاحة بالنظام في الرياض، ويصفها بـ«السخيفة».
ولفتت «الإيكونوميست» إلى أن متاعب «خاشقجي» بدأت منذ إلقائه محاضرة أمام مؤسسة فكرية أمريكية بعد وقت قصير من فوز «دونالد ترامب» بمنصب رئيس الولايات المتحدة، حيث حذر «خاشقجي» السعودية من الاطمئنان لـ«ترامب»، واعتبر أنها يجب أن تكون قلقة من فوزه.
وبعد ذلك بوقت قصير، والكلام للمجلة، أخبره مسؤولون سعوديون من الديوان الملكي أن عليه التوقف عن الكتابة والتغريد، ولم ينتظر بعدها «خاشقجي» كثيرا حتى قرر مغادرة المملكة إلى الولايات المتحدة، خوفا من البطش والاعتقال، خاصة بعد سماع قصص عن أصدقاء له جرى منعهم من السفر واعتقالهم.
وكشف «خاشقجي»، خلال الحوار، أنه قرر مغادرة السعودية، بينما كان معتكفا بالمدينة المنورة، في رمضان قبل الماضي، وعلى غير العادة لم يشعر بروحانيات عالية خلال مكوثه في ذلك المكان، ولكنه كان متوترا وقلقا.
وأضاف أن قرار منعه من الكتابة والتغريد جاء بسبب انزعاج الديوان الملكي من إمكانية تسبب محاضرته التي حذر فيها الرياض من الوثوق بـ«ترامب»، في التأثير على محادثات جارية بين مسؤولين سعوديين وفريق «ترامب» الرئاسي في ذلك الوقت.
وتابع: «ثم اندلعت الأزمة مع قطر، وأصيبت وسائل الإعلام السعودية بالجنون، حيث وصفوا الصامتين عن الخوص في الأمر بالخونة، فشعرت أكثر أنه من المهم أن أغادر لأبتعد عن هذا الجنون وأكون آمنا، وكنت أخشي أن يتم منعي من السفر، لكني خرجت سريعا قبل فوات الأوان».
وتحدث «خاشقجي» عن الاعتقالات التي شهدتها السعودية منذ نهايات العام الماضي، قائلا إنها طالت – بالإضافة إلى أمراء ووزراء سابقين ورجال أعمال – صحفيين وناشطين وكتاب ودعاة وحتى مواطنين عاديين، وبعضهم تم حبسه انفراديا منذ سبتمبر/أيلول الماضي، مستنكرا تلك الطريقة في معاملتهم، فهم في النهاية مثقفين وليسوا مجرمين أو لصوص.
وقال إنه لا يصنف نفسه على أنه معارض، ولكن مجرد كاتب مستقل، كاشفا أنه سيعرض على ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» استراتيجية لمنح حرية للصحافة على غرار النموذج الكويتي، مضيفا: «على الرغم من ملكية الكويت، إلا أن لدى وسائل إعلامها حرية جيدة لمناقشة الحكومة وبرامجها بشكل جاد، لكنهم بالطبع لا ينتقدون الأمير».
وبالإضافة إلى الكويت، تحدث «خاشقجي» عن مناخ حرية معقول للصحافة في الأردن والمغرب وتونس ولبنان، رغم وجود حزب الله.
واعتبر أنه من السخف المطالبة بتغيير النظام الحاكم في السعودية، قائلا: «أريد فقط إصلاح النظام ولا أؤمن بحتمية تغييره».
وانتقد «خاشقجي» الأوضاع في مصر، قائلا إنها تغرق في الفوضى، وأنه لم يعد هناك حرية مطلقا للصحافة والإعلام، حتى باتت الصحافة في مصر موضع سخرية من الرأي العام، حيث تجبرها الحكومة على الكذب والانخراط في مؤامرات ضد المعارضين.
وأردف: «هذا الأمر محزن للغاية، فمصر كانت أم الصحافة العربية».
وقال إن الأوضاع في الإمارات مشابهة لذلك، لكنها تدار بشكل ذكي، حيث يسمح للصحافة والإعلام الإماراتي انتقاد قضايا في بلاد معينة وعدم انتقاد قضايا في بلاد أخرى، وبالطبع عدم انتقاد الداخل الإماراتي.
واعتبر أن ولي العهد السعودي لا يريد إشراك أحد في خطته للتحول الاقتصادي والانفتاح، وبناء على ذلك فإنه لن يرى أية أخطاء خلال هذا الأمر، وعلى سبيل المثال لم تبادر الحكومة السعودية إلى حوار مجتمعي قبل الشروع في تنفيذ مشروعات ترفيهية بعشرات المليارات من الدولارات، وهو أمر مستغرب.
واختتم الكاتب السعودي حواره بأن أحد مساعدي «محمد بن سلمان» بالديوان الملكي (لم يذكر اسمه) هو من اتصل به وأبلغه بقرار منعه من التغريد والكتابة، قائلا: «لم أستطع المناقشة أو الاعتراض، كان هذا بمثابة أمر ملكي، هذا هو النظام في بلادنا».