وكالات-
"ليسوا موتى ولا أحياء"، المختفون قسرياً في مختلف الدول بالشرق والغرب، لا يُسمع صوتهم أو ترى صورتهم، ولا يعرف مصيرهم، وفي كل عام يتذكر العالم هؤلاء الذين انتهكت حقوقهم، مطالبين بمعرفة ماذا حصل لأبنائهم وأقاربهم وذويهم.
كما يطالب الأهالي في اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، الذي يصادف 30 أغسطس من كل عام، بإقرار قوانين تحدّ من ممارسة الجرائم التي تنافي حقوق الإنسان.
ويعرّف الاختفاء القسري في القانون الدولي لحقوق الإنسان بأنه اختطاف شخص ما، أو سجنه سراً على يد دولة، أو منظمة سياسية، أو طرف ثالث لديه تفويض أو دعم أو إقرار من دولة أو منظمة سياسية، مع رفض الجهة المختطفة الكشف عن مصير الشخص ومكان وجوده؛ وذلك بغرض وضع الضحية خارج حماية القانون.
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية بهذا اليوم العالمي، عنونته بـ"المختفون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليسوا موتى ولا أحياء"، سلطت الضوء فيه على هذا الاختفاء الذي تمتد يده لتطال عدة دول.
وبين التقرير أن العائلات التي اختفى أحد من ذويها تقدم أسماء المختفين لجمعيات أو مؤسسات حقوقية مختصة في بلادهم، وبدورها ترفعهم للأمم المتحدة.
وتختلف طريقة انتهاك حقوق الإنسان من دولة لأخرى، ويقول تقرير العفو الدولية: "تحكي دول الخليج قصة أخرى وتستخدم السلطات استراتيجية مختلفة، رغم أنها مؤلمة مثل: الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي. فيتم القبض على الأفراد دون توضيح السبب، ويُحتجزون أحياناً لشهور، دون أن يعرف أفراد عائلتهم الكثير عن مكان وجودهم، أو ما هي التهم التي يواجهونها، أو ما إذا كانوا سيشاهدون أحباءهم مرة أخرى".
وعلى مدى سنوات، تواصل أمهات المختفين قسرياً الاحتجاج والمطالبات والانضمام لحملات لمعرفة مصير ذويهن، وبعض هذه الاحتجاجات امتدت أعواماً طويلة.
ففي لبنان، وفق تقرير العفو الدولية، بدأت النساء حملة بحثاً عن أحبائهن المفقودين بالعام 1982، أي بمنتصف الحرب الأهلية، وما زلن يقمن بحملات حتى اليوم؛ أي ما يزيد على 35 عاماً، وهن يحتججن بلا كلال، وينظمن مسيرات وحملات، ويعرضن أفلاماً وصوراً في معارض جماعية بالشوارع.
ويعد 17 ألف لبناني في عداد المختفين قسرياً، وذلك خلال الحرب الأهلية (1975 و1990)، إلى جانب اختفاء عدد كبير من اللبنانيين والفلسطينيين بعد عام 1990 أثناء الوجود العسكري السوري في لبنان، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش.
أما في الجزائر فقد أسست جمعيات "عائلات المختفين" في عام 1998، وتسعى للبحث عن الحقيقة والعدالة لآلاف الأشخاص المفقودين الذين اختفوا خلال الصراع الداخلي الذي اجتاح البلاد بالتسعينيات وما بعدها.
ولطالما كانت عمليات الإخفاء عنصراً رئيسياً من دورات العنف العراقية، سواء في ظل حكم نظام البعث السابق، أو عقب الغزو الأمريكي وما تبعه من احتلال عام 2003، ومؤخراً جاء نتيجة للصراعات الطائفية ووجود المليشيات الإيرانية، ودخول تنظيم الدولة إلى العراق.
وتتجاوز أعداد العراقيين الذين لم يعثر لهم على أثر منذ عام 2003، إبان الغزو الأمريكي للبلاد، 60 ألف شخص، غالبيتهم من الشباب، وتوقفت جهود البحث عن أغلب المختفين والمخطوفين من قبل السلطات الأمنية، لكن أهالي نحو 21 ألفاً اختفوا خلال السنوات الأربع الماضية، لم يفقدوا الأمل بعدُ في العثور عليهم.
وتتزايد الاعتقالات السريّة، وعمليات الاختطاف والاختفاء القسري، إذ أصبح نظام الاختفاء أحد الأسس التي تقوم عليها حكومات بعض الدول العربية.
ففي ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، يستخدم الاختفاء القسري لإسكات صوت المعارضة، ولجأ ناشطون مصريون مؤخراً لإطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بوقف الاختفاء القسري تحت وسم "#أوقفوا_الاختفاء_القسري".
وفي ليبيا، تختطف المليشيات والجماعات المسلحة المنتمية إلى الحكومات المتنافسة الرجال والنساء بشكل منتظم من منازلهم أو أماكن عملهم. ويُستهدف الضحايا بسبب آرائهم السياسية المفترضة، أو أصلهم المناطقي، أو مهنتهم، أو ثرواتهم المفترضة من أجل الحصول على فدية مالية.
أما في الحرب اليمنية، ففُقِد العديد من الأشخاص، واختطفهم القوات المسلحة المدعومة من الإمارات، ولم يعرف مصيرهم.
واتهمت منظمة العفو الدولية، في يوليو الماضي، الإمارات والقوات اليمنية المتحالفة معها، بتعذيب محتجزين في شبكة من السجون السرية بجنوبي اليمن، مطالِبة بالتحقيق في هذه الانتهاكات، التي وصفتها بـ"جرائم حرب".
والإمارات إحدى الدول البارزة في التحالف العربي الذي يقاتل في اليمن دعماً لحكومةٍ مقرها جنوبي البلاد، في مواجهة الحوثيين المتحالفين مع إيران.
وفي حملة متعمدة من قبل قوات النظام السوري، غُيّب أكثر من 80 ألف شخص منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، وإثر ذلك أنشأت مجموعة من السوريات في العام 2016، حركة "عائلات من أجل الحرية"، تسعى إلى التضامن للضغط على النظام والجماعات المسلحة للكشف عن مصير وأماكن أحبائهم وإعادتهم بأمان.
وتنص الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التابعة للأمم المتحدة، في مادتها الأولى، على أنه "لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري"، وفي المادة الثانية على أنه "لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاعها، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري".
وتؤكد المادة السابعة من نفس الاتفاقية على تجريم "كل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئاً أو يشترك في ارتكابها".
واعتبرت الدول الأطراف في هذه الاتفاقية التي جاءت بعد إدراك الدول لشدة خطورة الاختفاء القسري الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية، أن ميثاق الأمم المتحدة يفرض على الدول الالتزام بتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ولا يوجد إحصائيات دولية تثبت الأعداد بشكل دقيق، فهناك مئات الآلاف اختفوا ولا يعرف مصيرهم، ولا يوجد إثبات على خطفهم، وهذا يؤدي لعدم مقدرة أهاليهم على رفع دعاوى من أجلهم.