مجتمع » حريات وحقوق الانسان

السعودية الجديدة.. جيل من الأطفال المعنفين في غياهب التعتيم

في 2019/01/10

الخليج أونلاين-

تحول العنف الأسري خصوصاً الذي يستهدف الأطفال في المملكة العربية السعودية إلى ظاهرة اجتماعية لافتة، يعكس ذلك حجم مقاطع الفديو والصور التي انتشرت خلال عام 2018 عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أثارت كل منها موجة من الجدل داخل المجتمع، واستدعت بعضها تدخل الجهات الحكومية ومتابعة بعض القضايا جنائياً في أروقة المحاكم.

الظاهرة دفعت وسائل الإعلام والمدافعين عن حقوق الإنسان إلى مطالبة السلطات بإجراءات فعالة لمواجهة القضية على مختلف الصعد، بتكثيف جهودها وإيجاد حلول واقعية وجذرية مناسبة للحد من العنف الجسدي والنفسي واللفظي ضد الطفل.

وطالبت صحيفة "الرياض" الحكومية بضرورة تطبيق الأنظمة والقوانين الخاصة بالإيذاء، والعمل على إعادة تأهيل المُعنّف وحمايته، مشيرة إلى أن "الإحصائيات والأرقام الرسمية بهذا الخصوص لا تعكس إلا ما يطفو على السطح من قضايا، وهي لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من حالات العنف المنتشرة في المجتمع".

أرقام تعكس حجم المشكلة

تشير الأرقام الرسمية في المملكة إلى أن ظاهرة العنف الأسري عموماً؛ والعنف ضد الأطفال خصوصاً، تسجل تنامياً مستمراً عاماً بعد عام في المجتمع.

وفي هذا السياق كشفت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن نسبة العنف ضد الأطفال تضاعفت بنسبة تجاوزت 200٪ خلال الأعوام العشرة الماضية.

ونقلت صحيفة "الوطن" السعودية عن رئيس الجمعية مفلح القحطاني قوله مؤخراً: "إن عدد قضايا العنف ضد الأطفال الواردة للجمعية خلال السنوات الـ10 الماضية بلغ 1409 قضية، حيث ارتفعت من 72 قضية عام 2008 إلى 239 قضية عام 2018، وذلك بنسبة ارتفاع بلغت 231٪".

كما أظهرت البيانات الإحصائية حول العنف الجنسي ضد الأطفال التي عرضها برنامج الأمان الأسري، خلال الملتقى الوطني للوقاية من الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت في السعودية الذي عقد في مدينة جدة العام الماضي، أن 1 من كل 6 أطفال تعرض للعنف الجنسي، وأن نسبة الذكور ضعف الإناث في هذا الأمر، وأن 1 من كل 15 طفلاً أجبر على مشاهدة مواد إباحية، وأن 1 من كل 40 طفلاً تم تصويره في أوضاع جنسية مُخلة، وأن خطر تعاطي الكحول أو المخدرات بين من تعرضوا للعنف الجنسي في الطفولة يصل إلى 7 أضعاف، وأن خطر الانتحار يصل إلى 12 ضعفاً بين من تعرضوا للعنف الجنسي في الطفولة.

وأظهرت إحصائية عرضها مركز "جونز هوبكنز أرامكو" الطبي تحت عنوان (معلومات ديموغرافية عن ضحايا إهمال وإيذاء الأطفال في السعودية) استقيت من 220 ألف ملف من ملفات الضحايا؛ تعرضوا لعدة أنواع من العنف تتوزع على النحو التالي: العنف الجسدي 42٪،  والعنف الناتج عن الإهمال 39٪،  والعنف الجنسي 14٪،  والعنف اللفظي 4٪.

وبحسب الإحصائية المنشورة أواخر العام 2016، فإن نسبة العنف الجسدي ترتفع إلى الضعفين في الأسرة السعودية إذا كان الأب عاطلاً عن العمل.

كما أن الأطفال الذين يعيشون مع أحد الوالدين ترتفع احتمالية تعرضهم للاعتداء الجسدي 4 مرات أكثر.

وبينت الإحصائية أن الأطفال من الذكور هم أكثر عرضة للاعتداء الجنسي من الإناث بمقدار الضعف.

وتزيد احتمالية العنف الناتج عن الإهمال بين الأطفال الذين يعيشون ضمن أسر كبيرة، عدد أفرادها أكثر من 6 أفراد، بمرة ونصف أكثر من الأطفال الذين يعيشون في أسرة عددها أفرادها أقل.

مشكلة التعتيم الإعلامي

من أكبر المشاكل التي تعترض تشخيص الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمعات العربية، قضية التعتيم الإعلامي الذي تحرص عليه الحكومات، في محاولة منها لإبراز الجوانب الإيجابية وغض الطرف عن الجوانب السلبية.

المستشارة السابقة في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) عبير الكلاك، قالت لـ"الخليج أونلاين": "إن قضية العنف ضد الأطفال من أكثر القضايا التي تتعرض لها المجتمعات العربية، وهي ظاهرة عالمية لكنها مستفحلة في المنطقة العربية، وما يزيد في خطورتها هو رفض الحكومات الاعتراف بوجودها، وعدم وجود مؤسسات أو منظمات حكومية أو غير حكومية تقوم بإجراء الاستقصاء والإحصاء الذي هو الأداة الكاشفة لحجم المشكلة، ويوفر لصناع القرار صورة عن الواقع ومن ثم رؤية للحل والمعالجة".

وأضافت: "خلال السنوات التي عملت فيها مع اليونسيف كنا نعد تقارير سنوياً عن مسألة العنف الأسري وجزء منه العنف ضد الأطفال في الشرق الأوسط، وكان الحصول على معلومات عن الأمر من السعودية بغاية الصعوبة، فلا السلطات توفر البيانات، ولا وسائل الإعلام تنشر المعلومات إلا بشكل متفرق".

وأوضحت الكلاك أن "المصدر الوحيد هو نشطاء حقوق الإنسان ومؤسسات الطفولة غير الحكومية إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي، وهؤلاء يعملون في جو من الخوف لا يستطيعون معه الإفصاح عن ما لديهم من معلومات إلا في أضيق الحدود، ونضطر إلى نسبة المعلومات إلى مصادر مجهولة في التقارير خشية على سلامة النشطاء الذين يقدمونها لنا".

وبخصوص ماهية الممارسة التي يمكن من خلالها تصنيف الفعل بأنه عنف، تقول الكلاك: "تعريف العنف في مواثيق الأمم المتحدة بخصوص الأسرة هو استخدام القوة المادية أو المعنوية بشكل عدواني لإلحاق الضرر بشخص آخر، وعليه فالعنف الأسري إذاً هو استخدام القوة والاعتداء اللفظي، أو الجسدي، أو الجنسي، من قبل أحد أفراد الأسرة تجاه فرد آخر في داخل الأسرة نفسها ممَّا يترتب عليه ضرر واضطراب نفسي، أو اجتماعي، أو جسدي".

وأشارت إلى أن "استعمال العنف مع الأطفال يرسم لهم صورة سلبية عن ذاتهم وعن الآخرين أو المجتمع المحيط بهم، وهو ما يجعل الطفل يكره الكبار ممَّن هم في سن من مارس معه العنف، ويمكن أن يكره حتى والديه، لذلك فالطفل الذي مورس عليه العنف يعاني من اضطرابات نفسية تطارده حتى مع تقدمه في السن".

تجدر الإشارة إلى أن العديد من الباحثين والدراسات الاجتماعية تحدثت عن أن العنف الاجتماعي والأسري ساهما في استفحال ظاهرة الإرهاب والتطرف في العالم، لذلك يؤكد الخبراء أن معالجة الظاهرة لا تتم إلا عبر عمل تتضافر فيه جهود أممية وإقليمية ومحلية لمكافحة شاملة.

كما تحرص الأمم المتحدة على إصدار التشريعات والمواثيق الدولية التي تلزم الدول بإصدار التشريعات الملائمة في هذا المجال.

يذكر أيضاً أن القانون يعاقب بالسجن سنة واحدة وغرامة لا تتجاوز 50 ألف ريال لكل من يدان بالعنف أو الاستغلال للأطفال، وهي عقوبة غير رادعة برأي مراقبين للحد من المشكلة؛ نظراً لما تظهره الأرقام والتقارير من تزايدها عاماً بعد عام.