مجتمع » حريات وحقوق الانسان

آلاف الخليجيين يفرون من أوطانهم

في 2019/01/21

الإيكونوميست- ترجمة شادي خليفة-

كانت كندا تقع أقصى الشمال من وجهتها المقصودة، لكن "رهف محمد" كانت سعيدة بأن تتحمل شتاءها القارس. وكانت المواطنة السعودية، البالغة من العمر 18 عاما، تأمل في أن ينتهي بها الأمر في أستراليا، بعد أن فرت من عائلتها، لكنها تعثرت في الطريق، في "بانكوك".

وضغطت السلطات السعودية على تايلاند لإعادتها إلى بلادها. وحذرت "رهف" من أن والدها، وهو مسؤول تنفيذي حكومي، سيقتلها. وبعد عدة أيام مروعة في فندق المطار، تم منحها حق اللجوء في كندا، حيث وصلت إليها في 12 يناير/كانون الثاني.

وأثارت قضيتها اهتماما عالميا، لكن الآلاف من السعوديين الآخرين كانوا يهجرون المملكة بشكل أكثر هدوءا.

والبعض، مثل "رهف محمد"، التي تخلت عن اسم عائلتها، القنون، هن نساء يهربن من النظام الأبوي الصارم فيما يهرب آخرون بسبب نشاطهم السياسي.

وتبدو الأرقام المعلنة صغيرة؛ حيث تقدم 815 سعوديا بطلباتٍ للجوء في عام 2017، وفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين. ولكن هذا الرقم يزيد بنسبة 318% مقارنة بعام 2012.

ولا يقتصر هذا الاتجاه على المملكة العربية السعودية. فقد تضاعف عدد الساعين للجوء من الإمارات العربية المتحدة ثلاث مرات في عام 2016، مقارنة بعام 2012 أيضا. وتضاعف عدد طلبات اللجوء من قطر في نفس الفترة. ورغم ذلك، فقد شهدت السعودية أكبر زيادة. وسيكون من المغري إلقاء اللوم على ولي العهد "محمد بن سلمان"، الذي أشرف على حملة قمع لا تعرف الرحمة. ومع ذلك، فقد بدأت الزيادة حتى قبل أن يصبح وريثا للعرش عام 2017.

ورغم أن معظم دول الخليج نجحت في تجاوز الربيع العربي دون اضطرابات خطيرة، إلا أن الثورات في أماكن أخرى كانت تثير قلقها. وصعّدت الإمارات من الرقابة الداخلية، واعتقلت الناشطين. وأصدرت قطر قانونا واسع النطاق "للجريمة السيبرانية". 

ولم يتم تشجيع النشاط السياسي على الإطلاق في الخليج في أي وقت، ولكن بعد عام 2011، تمت المعاقبة على هذا النشاط بلا رحمة.

ولا تكشف مطالبات اللجوء القصة الكاملة، لأنها خطوة قد تكون من الصعوبة بمكان لاتخاذها.

ولم يكن "جمال خاشقجي" قد ظهر في سجلات اللاجئين، لكن الصحفي السعودي اختار المنفى الاختياري في أمريكا، خوفا من أنه سيكون غير آمن في وطنه، وهو الخوف الذي تأكد عندما قام عملاء سعوديون بقتله في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وغالبا ما يستقر السعوديون الليبراليون، الذين لديهم القدرة على مغادرة البلاد، في لندن أو واشنطن.

وقبل أقل من عامين، كان الشباب يتوافدون إلى الوطن للعمل مع الأمير "محمد بن سلمان"، حيث كان الكثيرون يجدون أن القيود الاجتماعية في المملكة خانقة. ولكن في عهد ولي العهد، رأوا شيئا جديدا: حاكم شاب ينتمي إلى الألفية الجديدة يريد إصلاح الاقتصاد والثقافة، وأكد هذا سماحه للمرأة بقيادة السيارات، ودور السينما، والحفلات الموسيقية التي كانت محظورة في السابق.

وتقول إحدى الشابات، التي حصلت على وظيفة حكومية، والبالغة من العمر أكثر من 30 عاما: "ثم تغير كل شيء". وتقول إنها كانت تدعم النظام الملكي وأهداف الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وإن لم تكن تشجع الأساليب السعودية هناك. ولكن بعد مقتل "خاشقجي"، واعتقال المئات من الناشطين في الداخل، فإنها تخطط للاستقالة.

وكما هي العادة، تلقي المملكة باللوم على الأجانب في قضية "رهف".

وقالت جماعة "حقوق إنسان" مدعومة من الدولة إن دولا أخرى "تحرض" الشابات على المغادرة. وكانت السعودية قد قطعت علاقاتها مع كندا في أغسطس/آب، بعد أن انتقدت وزيرة الخارجية الكندية، "كريستينا فريلاند"، اعتقال ناشطات حقوق المرأة. وتخلى الدبلوماسيون عن أملهم في حل الخلاف، لذلك كانت "فريلاند" موجودة للترحيب بـ "رهف" في تورنتو.

ومن ناحيتها، تأمل "رهف" أن تستخدم حريتها ومنصتها الجديدة في دعم السعوديات الأخريات. لكن واحدة من الأشياء الأولى التي قامت بها عند وصولها إلى كندا، كانت شراء بعض الملابس الدافئة.