إلدار ماميدوف - لوب لوج- ترجمة شادي خليفة -
في 19 فبراير/شباط عقدت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للبرلمان الأوروبي جلسة استماع حول وضع حقوق الإنسان في دول الخليج العربي.
وشارك في الحدث مجموعة رائعة من المتحدثين، مثل "ماثيو هيدجز"، الباحث البريطاني الذي تم سجنه في الإمارات بتهم تجسس ملفقة.
ومن بين الشهود الآخرين "خديجة جنكيز" الأكاديمية التركية وخطيبة الصحفي السعودي المقتول "جمال خاشقجي"، و"علي الأسود"، العضو السابق في البرلمان البحريني من حزب الوفاق المحظور.
وفي الأعوام الأخيرة، حظي وضع حقوق الإنسان في الممالك الغنية بالنفط في الخليج العربي أخيرا بالتدقيق الذي يستحقه في البرلمان الأوروبي. وتعتبر حكومات الاتحاد الأوروبي الدول المعنية بمثابة حلفائها الاستراتيجيين فيما يتعلق بالأمن الإقليمي والطاقة والتجارة وصادرات الأسلحة المزدهرة، إلا أن هذا الوضع الجيوسياسي لم يعد يحميها من الانتقادات العامة.
غير أن هذا التدقيق الجديد غير عملي إلى حد ما. فقد اجتذبت المملكة العربية السعودية أكبر قدر من الاهتمام، ويعود ذلك جزئيا إلى حجمها ومكانتها الخاصة في العالم الإسلامي، باعتباره "قائمة على حماية الحرمين الشريفين".
كما تصبح السعودية هدفا سهلا، لأنه يُنظر إليها على أنها "مملكة من القرون الوسطى" يحكمها أمير متهور يقوم بتفجير و تجويع المدنيين في اليمن، ويسجن الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة، ويقمع منتقديه، ناهيك عن دور المملكة في نشر "الوهابية المتشددة" في جميع أنحاء العالم، وهي تفسير متشدد من الإسلام السني، مع التراخي في تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
وأدان البرلمان الأوروبي هذه الانتهاكات في قراراته. وطالب أيضا، مرارا وتكرارا، بفرض عقوبات على المملكة، مثل وقف مبيعات الأسلحة، وتجميد الأصول، وحظر السفر على بعض الأفراد السعوديين.
وبالمقارنة، يتم تدليل أقرب حليف للسعودية في المنطقة، وهي الإمارات العربية المتحدة. وصحيح أن البرلمان الأوروبي اعتمد قرارا يدين الإمارات بسبب اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان، مثل "أحمد منصور".
كما صوت على الدعوة إلى فرض حظر على الأسلحة للإمارات، إلى جانب المملكة العربية السعودية، لدور أبوظبي في حرب اليمن، إلا أن هذا الأمر جاء متأخرا إلى حد كبير.
الجانب المظلم
وبشكل عام، كان رد الفعل تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات أكثر هدوءا. وهذا لأن الإماراتيين يتمتعون بصورة أفضل بكثير في بروكسل والعواصم الغربية من نظرائهم السعوديين.
ويصور الدبلوماسيون الإماراتيون، وشركات الضغط العاملة لصالح الإمارات، البلاد كمنارة للحداثة والتسامح والإدماج، في منطقة غالبا ما تفتقر لهذه القيم.
وكانت الزيارة الأخيرة للبابا "فرانسيس" إلى أبوظبي، لعقد لقاء بين الأديان، مهمة في تعزيز هذه الصورة الإيجابية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن خلال الاستفادة من التحيزات القائمة، ومخاوف الرأي العام الغربي حول الإسلام، تضع الإمارات نفسها كنموذج ناجح لمجتمع مسلم في القرن الواحد والعشرين.
ومع ذلك، يعد الانفتاح الاجتماعي النسبي، والحوار بين الأديان، هما الجانبان المرئيان من النموذج الإماراتي. لكن الجانب الآخر، الأقل براقة، ينطوي على نظام استبدادي صارم وقمعي.
ولا أحد مؤهل بشكل أفضل لإلقاء الضوء على هذا الجانب المظلم من الإمارات من "ماثيو هيدجز"، وهو طالب دكتوراه بريطاني يجري أبحاث حول جهاز الأمن الإماراتي. وتم اعتقاله في الإمارات في مايو/أيار 2018، بتهمة التجسس، وأمضى 7 أشهر في الحبس الانفرادي. وأعطى "هيدجز" شهادة قوية حول هذه التجربة في البرلمان الأوروبي.
وتحدث "هيدجز" عن استجوابه بدون توقف لمدة 6 أو 7 أسابيع، وفي بعض الأحيان لمدة 15 ساعة يوميا. وتم احتجازه في زنزانة صغيرة مظلمة وخالية من النوافذ، وتمكن من سماع سجناء آخرين يتعرضون للتعذيب. وقد تم تخدير "هيدجيز" والتلاعب به ليعترف بجرائم لم يرتكبها. وفقط بعد أن اعترف، تحت الإكراه الشديد، بالتجسس لصالح جهاز المخابرات البريطاني تم السماح له بالاتصال بالسفارة البريطانية.
وكان معذبو "هيدجيز" يسخرون من طلبه محاكمة عادلة. وتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وفي نهاية المطاف، بعد تدخل المملكة المتحدة دبلوماسيا، تم الإفراج عنه في عفو. وأكدت الإمارات أنها مستعدة للعفو عن مواطن من دولة صديقة.
ومع ذلك، يعني العفو أنها لم تنف عنه تهمة التجسس. كما لا يعوض ذلك عن انتهاك حقوقه الإنسانية، أو الآثار المترتبة على صحته من الحقن القسري للمخدرات.
وهناك آخرون كثيرون ما زالوا يقبعون في السجون الإماراتية بسبب أنشطتهم السياسية، ولا يمكنهم الاعتماد على أي دعم دولي تقريبا. وفي عام 2013، تم إلقاء القبض على 94 ناشطا، وتم اتهامهم بأنهم أعضاء في حزب الإصلاح، فرع جماعة الإخوان في الإمارات، وأنهم شاركوا في التآمر للإطاحة بالحكومة.
وقد تم اعتقال "محمد الركن"، آخر محامي لحقوق الإنسان في الإمارات، عام 2013، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 10 أعوام، بسبب ممارسته لمهنته بشكل أساسي. وطبقا لـ "هيومن رايتس ووتش"، في مارس/آذار 2018، أقرت الإمارات حكما بالسجن لمدة 10 أعوام على أكاديمي بارز وهو "ناصر بن غيث"، الذي اختطفته السلطات بالقوة عام 2015، حيث شملت قائمة اتهاماته توجيه انتقادات سلمية للإمارات العربية المتحدة والسلطات المصرية.
ويجري كل هذا القمع من قبل محكمة أمن الدولة، التي تعمل خارج النظام القانوني العادي، دون رقابة ومساءلة من أي نوع.
كما أن تعريف "جرائم أمن الدولة" واسع وفضفاض، لدرجة أنه لا يشمل فقط ناشطي المعارضة السياسية، ولكن أي شخص ذي فكر مستقل.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، وسعت الإمارات أيضا نطاق قانون العقوبات، بطريقة تمكن السلطات من التعامل مع أي معلومات تقريبا باعتبارها سرا حيويا لأمن البلاد.
واختتم "هيدجز" شهادته بدعوة حكومات الاتحاد الأوروبي إلى محاسبة "الأنظمة الاستبدادية".
وعلى أقل تقدير، حسبما قال: "يجب ألا يدفعنا التمتع بعلاقات ودية ومزدهرة مع الإمارات إلى التظاهر بأننا نتقاسم نفس القيم".