مجتمع » حريات وحقوق الانسان

سعوديتان في منصبين متناقضين بأمريكا.. صراع الصور!

في 2019/02/27

دينا البسنلي- DW- عربية-

اختيار أول سفيرة في تاريخ السعودية لتمثيلها في واشنطن مقابل اختيار سعودية معارضة للنظام كأول مستقبلة لمنحة "جمال خاشقجي" التي توفرها صحيفة واشنطن بوست. فكيف يؤثر ذلك على صورة السعودية في العالم؟

خلال الأيام القليلة الماضية، تم اختيار سيدتين سعوديتين للعب دورين بارزين في عالم السياسة والصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية. تمثل السيدة الأولى النظام السياسي السعودي، أما الثانية فيُعرف عنها معارضتها المستمرة له.

يثير الاختياران علامات استفهام حول مدى تأثيرهما على صورة المملكة العربية السعودية، خاصة في ظل الانتقادات الحقوقية للرياض بسبب ملفي الحريات وحقوق المرأة في المملكة.

فبينما أعلنت المملكة العربية السعودية عن تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة للمملكة إلى واشنطن، لتكون بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ المملكة الخليجية، أعلنت صحيفة واشنطن بوست عن اختيار الناشطة والكاتبة المعارضة هالة الدوسري خلفاً للصحفي جمال خاشقجي، الذي تتهم السعودية بقتله في مقر قنصليتها باسطنبول.

فبالإضافة إلى الهجوم على السعودية بعد مقتل الصحفي، فإن اتهامات موجهة حالياً للرياض بحبس وتعذيب ناشطات سعوديات تُزيد من ضعف وحساسية الموقف السعودي. فوفقاً لتقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تعرضت ناشطات سعوديات مُعتقلات بسجون سعودية منذ عام 2018 للتعذيب والتحرش خلال استجوابهن.

نموذجان متضادان لكنهما ناجحان

وكانت صحيفة واشنطن بوست قد أعلنت أمس من خلال بيان على موقعها الإلكتروني عن إطلاق برنامج زمالة أطلقت عليه اسم الصحفي السعودي جمال خاشقجي تكريماً له بعد مقتله. وأعلنت الصحيفة عن اختيار الكاتبة والحقوقية السعودية هالة الدوسري كأول الحائزات على هذه الزمالة. كما تقرر أن تقوم الدوسري بالكتابة خلفاً لخاشقجي، على أن يتم ترجمة مقالاتها للغة العربية. 

تُعرف الدوسري بأنها ناشطة وكاتبة معارضة في مجال الحقوق والحريات، وتم اختيارها لعضوية المجلس الاستشاري لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" ومبادرة تحمل اسم "كل امرأة" بجامعة هارفارد الأمريكية تستهدف إنهاء العنف ضد النساء والفتيات.

وسبق الإعلان عن اختيار الدوسري لزمالة صحيفة واشنطن بوست بيوم واحد فقط الإعلان عن تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة للمملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية.

اختيار الأميرة ريما، ابنة السفير السعودي الأسبق لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان، الذي تولى هذا لمدة 22 عاماً، جاء خلفاً للأمير خالد بن سلمان، الذي تم تعيينه نائباً لوزير الدفاع أخيه الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي.

حصلت ريما على شهادة البكالوريوس من جامعة جورج واشنطن الأمريكية، وشاركت في تأسيس وإدارة العديد من الشركات في المملكة. كما أطلقت عدة مبادرات مجتمعية وخيرية، وحصلت على عضوية المجلس الاستشاري لولي العهد السعودي، وشغلت منصب رئيسة قسم المرأة بالهيئة العامة للرياضة في المملكة السعودية.

ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي 

وفور الإعلان عن منصبها الجديد، تلقت الأميرة ريما الكثير من الترحيب والدعم من جانب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية.

لكن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي استغلوا الخبر للسخرية من بعض القيود المفروضة على المرأة السعودية:

وبينما قوبل خبر تعيين الأميرة ريما كأول سفيرة للسعودية بترحيب الكثيرين، قوبل اختيار الناشطة والكاتبة المعارضة هالة الدوسري لزمالة صحيفة الواشنطن بوست بالهجوم والتشكيك من جانب البعض على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.

من جانبها، ردت الدوسري على الاتهامات الموجهة لها، خاصة فيما يتعلق بعملها في الخارج أو اتصالها مع منظمات أجنبية، إذ قالت إن وجودها خارج السعودية لا يحرمها من حقها في الاهتمام بقضايا وطنها ولا ينفي ما تبذله من جهود لا يستطيع آخرون القيام بها من داخل السعودية. وضربت بالصحفي الراحل جمال خاشقجي مثالاً على وجهة نظرها:

أول سفيرة للسعودية: تطور إيجابي أم لعبة علاقات عامة؟

في حوار مع DW عربية، يتوقع حافظ المرازي، المحلل السياسي وأستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية في القاهرة، أن التأثير الإيجابي لتعيين ريما بنت بندر بن سلطان سيكون مؤقتاً لكونه يدخل في نطاق مجال العلاقات العامة بهدف تحسين صورة المملكة السعودية.

لا ينفي المرازي أهمية تعيين سيدة كسفيرة للمملكة بشكل عام، إذ يقول: "تعيين أمرأة في منصب قيادي يضرب المنهج الوهابي الذي تقوم عليه المملكة السعودية بالأساس، وبالتالي يعطينا نموذجاً إيجابياً يمكن استخدامه فيما بعد في حالة وقوع أي هجوم على الدور الأكبر الذي يجب أن تلعبه المرأة في المجتمع السعودي".

لكن حافظ المرازي يرى أن تعيين الأميرة ريما سفيرة في واشنطن لن يكون كافياً لإحداث تغيير في التوجهات السياسية الأمريكية الحالية فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية. ويتابع المرازي بالقول: "لن تعود العلاقات السعودية الأمريكية لطبيعتها سوى بتغيير حقيقي في السياسات السعودية أو بعقاب المسؤول عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي. ففي أروقة السياسية الأمريكية، تكلفة ارتباط اسم أي سياسي أمريكي اليوم بولي العهد السعودي أصبحت مرتفعة جداً، خاصة لكل من يخطط للترشح للانتخابات الرئاسية" المزمع عقدها عام 2020.

أما فيما يتعلق باختيار صحيفة واشنطن بوست للناشطة السعودية هالة الدوسري لزمالة الصحفي جمال خاشقجي، لا يعتقد المرازي أنه يأتي في صالح السفيرة السعودية الجديدة، إذ يرى أنها ستضطر إلى اتخاذ موقف ما من السياسات والمواقف السعودية، بما فيها ما يتعلق بحقوق النساء، بحكم منصبها. أما الدوسري بما ستقدمه من معلومات وآراء على الجانب الآخر، وهو الجانب الأقرب للديمقراطيين والليبراليين في الولايات المتحدة، يرى المرازي أنها ستشير إلى أي تناقض موجود بين الصورة الرسمية والوضع على أرض الواقع. ويقول أستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة: "اختيار هالة الدوسري من جانب الواشنطن بوست سيؤدي إلى إدراك الرأي العام الأمريكي لعدم مصداقية الرسالة التي تحاول السعودية إرسالها للجميع بتعيين امرأة سفيرة لها بواشنطن طالما لم تتغير السياسات السعودية نفسها".