الخليج أونلاين-
أن تكون من "البدون" ليس فقط أن تُجرد من هويتك، بل أن تُجرد من كل الحقوق الإنسانية لأنك قانونيّاً غير موجود، فلا شهادة تثبت ميلادك وتضمن حقوقك الإنسانية، ولتعيش من ثم على هامش المجتمع.
في فبراير الماضي سلطت منظمة العفو الدولية في تقريرها الأخير عن أوضاع حقوق الإنسان في الدول العربية لعام 2018، الضوء على حال معدومي الجنسية في دولة الإمارات العربية المتحدة "البدون".
وقدرت المنظمة في تقريرها الصادر في فبراير الماضي، عدد "البدون" في الإمارات بنحو 15 ألف شخص، يعيشون وهم محرومون من الخدمات التي توفرها الدولة مثل التعليم والعلاج المجاني، كما يواجهون صعوبات في العثور على العمل في مؤسساتها.
جذورهم
وينحدر معظم "البدون" من الإمارات الشمالية وعجمان والفجيرة وأم القيوين الفقيرة نسبياً بالقياس إلى أبوظبي أو دبي.
وكانت الإمارات قد أبرمت صفقة مع دولة جزر القمر في عام 2008 لإصدار جوازات سفر بمقابل مالي، وزعمت حينها أن الغرض من الصفقة هو حل مشكلة السكان منعدمي الجنسية بمنحهم جنسية دولة جزر القمر، وأمهلوا حينها الحاصلين عليها مدة عام لمغادرة البلاد، كما منحت الإمارات الجنسية لعدد قليل نسبياً من البدون.
وتعود أصول الكثير من البدون إلى القبائل البدوية التي كانت في وقت سابق تتحرك بحرية في أنحاء منطقة الخليج، أو لمهاجرين لم يتقدموا بطلبات للحصول على الجنسية عندما تأسست الدولة عام 1971.
فعندما اتحدت الإمارات السبعة المكونة للبلاد صدر قانون الجنسية في الإمارات، وبرزت القضية إلى السطح بشكل واضح بعد الاستقلال، إذ لم يعالج القانون أمر من طالب بالجنسية بعد هذا التاريخ، ممَّا أدى إلى تفاقم المشكلة لاحقاً.
وكانت الحكومة في العقود الثلاثة الأولى تتعامل مع هذه الفئة كمواطنين لحاجتها إلى جهودهم في خدمة البلاد؛ فكانت تقبل توظيفهم في مختلف وزارات الدولة، خصوصاً وزارتي الداخلية والدفاع، حيث كانوا يشكّـلون نسبة كبيرة جداً فيهما، وكان يُـقبل أبناؤهم في المدارس الحكومية.
ولكن بدأت الحكومة، مع مرور الوقت، تتنكّـر لحقوقهم شيئاً فشيئاً، حتى انحدر حالهم إلى وضعهم اليوم، حيث أصبحت تلك الفئة محرومة من أبسط حقوق العيش الكريم في الإمارات، فلا هوية تعريف ولا إذْن بالعمل ولا حق بالتطبيب ولا التعليم ولا التزويج ولا غيرها من الحقوق الأساسية الموثقة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كما أن التباطؤ في إيجاد حل مبكّـر للمشكلة منذ البداية أدّى إلى تفاقمها. وتردُّد الحكومة، أو من يمثّـل وجهة نظرها، أن هؤلاء البدون مواطنون من دول عربية وأجنبية أخرى قدموا إلى الإمارات في نهاية الستينات وبداية السبعينات للعمل، ثم أخفوا جوازاتهم وهوياتهم ليستفيدوا من امتيازات المواطنين.
وتشتكي الإمارات من الخلل في التركيبة السكانية؛ فنسبة المواطنين فيها تبلغ 15% ويوجد أكثر من 20 ألف مواطن بلا عمل، ونسبة الأجانب 85%، وبينما تصل نسبة العمالة بين الوافدين إلى 91% فإنها تتقلص بين المواطنين إلى 9% فقط.
مستقبل غامض
لا أحد يعرف ما مستقبل البدون في العالم، وهم يحاولون لفت الأنظار إلى قضيتهم المعقدة، التي لا تحظى باهتمام حقوقي كبير، تارة بإشعال الشموع، وتارة بحرق أنفسهم.
وكانت مفوضية شؤون اللاجئين قد أعلنت في 2014 خطة لإنهاء انعدام الجنسية بحلول 2024، ولكن لا أحد يعرف ما مستقبل البدون، ولم يجد أحد حلّاً نهائياً لمشكلتهم. ولم تعرض أي من الدول المعنية من الأساس أرقاماً رسمية عن عدد البدون بها.
لكن المفوضية كانت قد أوصت بعدة نقاط لمنع انعدام الجنسية للأطفال: إعطاء المواليد جنسية البلد التي يولدون بها في حالة كانوا بلا جنسية، وتغيير القوانين التي تمنع تجنيس الأطفال بجنسية الأم وتحصر تجنيسهم فقط بجنسية الأب، وإلغاء القوانين التي تمنع تجنيس الأطفال بسبب عرقي أو ديني، وكفالة نظام عالمي لتسجيل المواليد لمنع حالات انعدام الجنسية.
والعقدة الكبرى في طريق الطفل عديم الجنسية عادة هي التعليم، فمعظم المدارس تتطلب أوراقاً شخصية، وتضيف مصروفات زائدة على الأجانب.