مجتمع » حريات وحقوق الانسان

هذه أسرار اعتقال السعودية للخضري ونجله

في 2019/09/16

الخليج أونلاين-

كانت الساعة تشير إلى الخامسة فجراً، يوم الرابع من أبريل الماضي، حين قدم عنصران من جهاز أمن الدولة السعودي بلباس مدني إلى منزل القيادي في حركة "حماس" الفلسطينية، في مدينة جدة، محمد الخضري (81 عاماً) وطلبا إليه الذهاب معهما للاستفسار عن بعض الأمور ساعتين فقط.

طلب الخضري، المصاب بمرض عضال والذي أجرى عملية جراحية قبل مدة قصيرة، اصطحاب أدويته الخاصة بمرضه، ولكن عنصرَي الأمن أكدا له عدم أهمية ذلك؛ لأن مدة التحقيق معه لن تطول، ولكنه أصر على أخذ العلاج، وهو ما حدث.

"الخليج أونلاين" يكشف خلال هذا التحقيق معلومات لأول مرة حول أسباب اعتقال جهاز أمن الدولة السعودي للقيادي في حركة "حماس"، الخضري ونجله، وطبيعة أسئلة التحقيق التي وجهت لهما داخل معتقل "ذهبان" السياسي في جدة، وماذا طلب منهما المحققون، ورؤساء الدول الخليجية والعربية الذين تدخلوا لإطلاق سراحهما.

بداية القصة

تؤكد "مي"، ابنة الخضري، الحاصلة على الجنسية الأمريكية، في حديثها لـ"الخليج أونلاين" خروج والدها برفقة عناصر الأمن السعودية، وغياب أخباره أربعة أسابيع، وسط حالة من القلق والخوف الشديدين من أهله لكونه مريضاً ويحتاج إلى رعاية خاصة.

الخضري

ولم تمضِ ساعات على اعتقال الأب حتى أوقف عنصرا أمن سعوديان ابنه هاني، المحاضر في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، تحت بيته، وطلبا منه توصيلهما إلى عنوان ما، ليجد نفسه بعد لحظات مختطفاً بسيارة.

تقول الخضري: "مررنا بأربعة أسابيع صعبة للغاية، لا نعلم فيها أي أخبار عن أبي المريض، الذي أجرى عملية جراحية ويحتاج إلى أخرى، وشقيقي هاني، ولم نترك أحداً إلا اتصلنا به، ولكن لا فائدة ولم تصلنا أي معلومات".

بعد أربعة أسابيع اتصلت العلاقات العامة لمعتقل ذهبان بزوجته لتطلب إحضار تقاريره الطبية وأدويته الخاصة إلى المعتقل السياسي بذهبان في جدة، والحديث لابنة الخضري.

تحقيق طويل

توثق الخضري لـ"الخليج أونلاين" الأيام الأولى لاعتقال ممثل حركة "حماس" بالسعودية وشقيقها، وتقول: "خضعوا لتحقيق لمدة 3 أشهر متواصلة، وُضعا خلالها في زنازين عزل انفرادي لكل واحد منهما، مع تعرضهما لضغط وتعذيب نفسي".

أما الأسئلة التي وجهها المحققون للخضري وابنه فكانت تدور حول علاقته بحركة "حماس"، وطبيعة عمله كممثل لها، الذي هو بعلم المملكة، وبموافقة رسمية وموثقة من الملك الراحل فهد، وفق ابنة القيادي في الحركة الفلسطينية.

الخضري

تحويل أموال

ووجه المحققون السعوديون اتهامات لابن الخضري هاني بتحويل أموال من السعودية إلى دولة أجنبية، ولكنها كانت مقابل شرائه لشقة سكنية خاصة، وفق تأكيدات شقيقته مي.

مصادر أكدت لـ"الخليج أونلاين" أن المحققين السعوديين اتهموا هاني، نجل القيادي في حركة "حماس"، بتحويل أموال إلى تركيا، ولكن تبين أنها بغرض شراء شقة سكنية له.

ورغم اعتقال القيادي في حركة "حماس" فإنه رفض التصعيد الإعلامي في قضيته، لكونه حريصاً على المملكة الموجود فيها منذ أكثر من 30 عاماً، حسب ما قالت ابنته.

وتقول مي: "كان أبي يقول الأمور في طريقها للحل، وسأقضي معكم عيد الأضحى المبارك، ولكن ذلك لم يحدث".

وبعد 3 أشهر من انتهاء التحقيق مع الخضري بدأ بالاتصال بعائلته من السجن مرة واحدة أسبوعياً ولمدة 5 دقائق، برفقة ابنه الذي وُضع معه بغرفة واحدة بالسجن، مع السماح بزيارتهما، ولكن فجأة توقفت الاتصالات والزيارات.

تحرك قانوني

ابنة الخضري خاطبت منظمة العفو الدولية (أمنستي) حول قضية والدها وشقيقها في السجون السعودية، من خلال إرسال كتاب إلى مكتبها في بيروت، ولكن المنظمة لم تصدر أي بيان رسمي حول قضية القيادي في "حماس".

"الخليج أونلاين" تواصل مع منظمة العفو الدولية للسؤال عن وصول رسالة إليها من عائلة الخضري، فجاء ردها: "العفو الدولية ترفض إعطاء أي معلومات؛ لكونها حساسة وسرية".

وساطة كويتية ولبنانية

وعن جهود الوسطاء لإنهاء القضية، كشفت الخضري أن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، تدخلا شخصياً من أجل قضية والدها، بطلب من حركة "حماس"، ولكن السعودية كانت ترد بأن قضيته داخلية وتمس سيادتها، والتحقيق لا يزال جارياً فيها.

وتواصلت ابنة الخضري مع الكونغرس المحلي في الولاية التي تقيم بها بالولايات المتحدة، والمؤسسات الإسلامية أيضاً، الذين فوجئوا وصدموا من اعتقاله بالسعودية؛ لكونه كبيراً بالسن ويفترض وضعه تحت الإقامة الجبرية لا اعتقاله.

ولم تنجح الجهود الأمريكية بالتدخل؛ لكون الخضري لا يحمل الجنسية الأمريكية، لذلك يكون هذا الخيار صعباً، وفق مي.

تعذيب نفسي

عبد الماجد الخضري، شقيق القيادي في "حماس" المعتقل في السجون السعودية، يؤكد أن شقيقه موجود في السعودية منذ سنوات طويلة، ومعتمد لدى المملكة إبان حكم الملك فهد وخالد لجمع التبرعات لحساب غزة بموافقة ملكية، ومعه جواز سفر سوداني إلى جانب الفلسطيني.

ويقول شقيق الخضري: "في بداية شهر أبريل الماضي اعتقله جهاز أمن الدولة السعودي من بيته، وتعرض لمضايقات وتعذيب نفسي داخل السجن؛ بسبب العزل الانفرادي أول 3 شهور"، وخلال تلك الفترة "ختم القرآن الكريم 22 مرة".

ويوضح أنه كان ممنوعاً من رؤية ابنه، حيث اتهم بقضايا تمويل مالي، ولم تعرضهما جهات التحقيق على النيابة العامة أو على أي محكمة من أجل البت بقضيتهم بشكل قانوني.

وبين أن عائلة الخضري أرسلت كتاباً إلى الملك السعودي سلمان وطالبته بالإفراج عن محمد وابنه، ولكن لم يكن هناك أي جواب.

تأكيدات حماس

حركة "حماس"، وعلى لسان القيادي فيها أسامة حمدان، أكدت وجود سعي سياسي وتدخل وسطاء عبر قادة حركته لإنهاء قضية الخضري المعتقل في السجون السعودية بعيداً عن الإعلام والضوضاء بعد اعتقاله، ولكن الحركة وصلت إلى مرحلة لم تعد تستطيع الصمت.

وقال حمدان، في حديث لموقع مؤسسة "القدس الدولية": "الخضري أول من مثل الحركة في السعودية وشخصية أساسية، واعتقل بعد إجرائه عملية جراحية، ولا تزال مساعينا متواصلة لحل المشكلة".

وبين حمدان أن صمت حركته عن اعتقالات السعودية ضد ممثلها فيها وعناصرها لم يكن ضعفاً في موقفها، ولكن لإعطاء جملة من المحاولات والسعي السياسي لحل مشكلتهم.

وهاجم القيادي في "حماس" السعودية بشكل غير مباشر حين قال: "الحركة مرت بكثير من الآلام والجراحات، وأساء لها مقربون وكثيرون، فهي تقاوم الكيان الصهيوني، وتقدم قادتها شهداء، ولا يعجزها خوض أي معركة، وإذا قرر أحد ما الوقوف إلى جوار الاحتلال ضد شعبنا وأن يبيع القدس فعليه أن يدرك أن هذا لن ينفعه".

وأوضح أن حركته ستصبر وستواصل العمل من أجل الإفراج عن المعتقلين، وتأمل الاستجابة لذلك "ليس على سبيل الجميل أو المن، ولكن لأجل عملهم لصالح فلسطين، فهم من يستحق التكريم لا الوضع في السجون".

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، الكاتب والباحث السعودي أحمد بن راشد السعيد، اعتبر أن اعتقال المملكة للفلسطينيين والشيخ الثمانيني محمد الخضري إساءة لنفسها.

وقال السعيد، في حديث لصحيفة "الرسالة" الفلسطينية، إن الاعتقالات تسيء كثيراً للمملكة، لا سيما في ظل ما يتناقله النشطاء عن تعرض هؤلاء المعتقلين لانتهاكات، مشيراً إلى أن اعتقال الدكتور الخضري، وهو شيخ قارب على منتصف الثمانين، "أمر غير مقبول أو مفهوم".

ولم تتوقف الاعتقالات السعودية عند الخضري ونجله، إذ كشف الوزير الفلسطيني السابق والقيادي في حركة "حماس"، وصفي قبها، عن اعتقال السلطات السعودية لأكثر من 56 شخصاً ينتمون للحركة.

وقال: إن "السلطات السعودية تعتقل منذ أكثر من 6 أشهر 56 عنصراً من أبناء حماس كانوا مقيمين داخل المملكة، وحتى هذه اللحظة فشلت كل الاتصالات والوساطات في تجاوز هذا الملف والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين".

وأوضح القيادي في "حماس" أن العلاقات السعودية مع حركته بدأت تأخذ منحنيات توتر غير مسبوقة، منذ عامين تقريباً، وشهدت خلال تلك الفترات العديد من الملاحقات والاعتقالات، وتضييق الخناق على عناصر الحركة الموجودين داخل المملكة.

وسبق اعتقال الخضري قيام السلطات السعودية باعتقال القيادي في حركة "حماس" ماهر صلاح،  في 2015، ووُجّهت إليه تهمة "غسل الأموال"، قبل أن يُفرَج عنه نهاية 2016 ويُبعَد إلى تركيا، بعد تدخل وساطات عديدة.

كذلك، أوقفت السلطات السعودية القيادي في حركة "حماس"، نزار عوض الله، ساعات طويلة، وحققت معه بعد انتهاء موسم الحج، وأثناء مغادرته المملكة في مطار جدة في أكتوبر 2016.

مصادر إعلامية ذكرت آنذاك أن عوض الله احتجز ساعات طويلة وحقق معه ضباط في المخابرات السعودية داخل المطار على خلفية ارتباطه بأشخاص من رجال أعمال فلسطينيين وعرب مقيمين في البلاد، كانوا معتقلين في المملكة بتهمة نقل أموال لحركة حماس وإدارة مشاريع اقتصادية في دول خليجية لصالح الحركة.

العلاقات السعودية الحمساوية 
وثق "الخليج أونلاين" أن حركة "حماس" لديها مكتب غير معلن في السعودية افتتِح عام 1988، إبان حكم الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، حين التقى مدير المخابرات السعودية آنذاك، بالقيادي موسى أبو مرزوق، ومثل الخضري الحركة بعد الموافقة بشكل رسمي عليه.

وأكد أبو مرزوق، في تغريدة على حسابه في موقع "تويتر"، أن الدبلوماسي الخضري أول ممثل لحماس بالمملكة، مع عرضه لصورته أثناء لقاء جمع الملك الراحل عبد الله والشيخ أحمد ياسين، في لقاء فريد أثناء تأدية الشيخ فريضة الحج عام 1998، وبدعوة خاصة من ولي العهد آنذاك.

وتاريخياً دعم الملك فهد حركة "حماس"، حين استقبل مؤسسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين عام 1998، وسمح له بجمع التبرعات لصالح أهالي قطاع غزة، مع الحرص على مواصلة العلاقات معها بعيداً عن الإعلام.

وظهرت صور للخضري في اللقاء الذي جمع أحمد ياسين مع الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز حين كان ولياً للعهد، بعد لقائه بالملك فهد في حينها أثناء موسم الحج.

وخلال لقاء الملك فهد بمؤسس "حماس" قال له: "أنتم في قلوبنا ونحن معكم حتى تحرير القدس"، مع وعود بتقديم الدعم، حيث وثق أنه تم تقديم أموال لأحمد ياسين قبل مغادرته للسعودية.

وبدأت العلاقات السعودية الحمساوية تتدهور  بعد سيطرة "حماس" على قطاع غزة في 2007، بعد توقيع اتفاق مكة الذي رعته السعودية، حيث اتهمت الرياض الحركة بالانقلاب على الاتفاق وإفشاله.

ووصلت العلاقات إلى طريق مسدود، بعد إعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، حماس منظمة متطرفة، خلال كلمة أمام البرلمان الأوروبي منتصف فبراير 2018.