الخليج أونلاين-
جرت العادة أن يستغل المرشحون للانتخابات في جميع البلدان التي تتمتع بمساحة من حرية إبداء الرأي، وإن كانت بنسبة بسيطة، أخطاء حكومات بلدانهم لتكون ضمن برامجهم الانتخابية لكسب تأييد الجماهير لهم، على أن يعملوا على تنفيذ وعودهم بإصلاحها بعد فوزهم.
وفي الإمارات تصبّ برامج المرشحين المتنافسين على الفوز بمقاعد المجلس الوطني الاتحادي في اتجاه الدفاع عن البيئة، وقضايا التنمر، والواقع السياحي، والتطوير الاقتصادي، بحسب متابعة "الخليج أونلاين".
لكن حكومة الإمارات تواجه منذ سنوات قضايا عديدة تتحدث عن انتهاكاتها لعدد من الشعوب، وتدخلاتها في شؤون بلدان مختلفة.
أبرز هذه القضايا تتعلق بانتهاكات أبوظبي في اليمن، ودعمها مليشيات انفصالية في عدن تسعى لإعلان استقلالها عن البلاد، ووقوفها إلى جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر في قتاله الحكومة المعترف بها دولياً بليبيا، بالإضافة إلى دعم عبد الفتاح السيسي في مصر، المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة بحق معارضيه والزج بهم في السجون وتعذيبهم.
السياسة الإماراتية تلك، التي أصبحت من بين القضايا التي يتحدث عنها المجتمع الدولي، وموضوعاً مثيراً لوسائل الإعلام العالمية، ليس لها وجود في برامج المرشحين للمجلس الوطني الاتحادي بالإمارات.
ليس تلك السياسة فقط التي تخلو من برامج المرشحين، بل التراجع الكبير لاقتصاد البلاد أيضاً، إذ قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، مؤخراً، إن إمارة أبوظبي الإماراتية عادت إلى الاستدانة من الأسواق الدولية من جديد؛ لتعزيز الإيرادات المالية في الدولة من أجل سد العجز الذي تواجهه في موازنتها العامة.
حقيقة برامج المرشحين
عدم اعتماد أو تضمين المرشحين في برامجهم الانتخابية ما تواجهه بلادهم من انتقادات دولية؛ بسبب سياستها الخارجية التي شوهت سمعتها، والوضع الاقتصادي المتراجع، لا يعني موافقتهم على سياسة حكومة البلاد.
فقد أعلن مرشحان انسحابهما من الترشح بسبب برنامجهما الانتخابي، الذي بدا أنه "لا يروق لنظام الحكم في الإمارات"؛ وهذا ما يفسر السرّ الذي يكمن وراء عدم تبني المرشحين للقضايا الحقيقية.
المنظمات الدولية تحذر
في بيان لها صدر الجمعة (27 سبتمبر الماضي)، دعت الفيدرالية الدولية للحقوق والتنمية (إفرد)، اللجنة الوطنية للانتخابات في دولة الإمارات إلى التحقيق في تعرض مرشحين للانتخابات المقررة في الخامس من أكتوبر الجاري، لضغوط على خلفية برامجهم الانتخابية.
وأعربت الفيدرالية الدولية التي تتخذ من روما مقراً لها، عن بالغ قلقها من دفع عدد من المرشحين لانتخابات المجلس الوطني في الإمارات للانسحاب؛ بسبب ما أعلنوا أنه ضغوط من الدولة.
وأبرزت الفيدرالية الدولية أن مثل هذه التدخلات من الدولة تشكل "انتهاكاً لمبادئ الديمقراطية والتنافس الحر، وبمنزلة قيود للوصول إلى مجلس وطني يمثل السلطة وليس إرادة الإماراتيين".
وأشارت إلى تدخل السلطة في تحديد أعداد قوائم الهيئات الانتخابية واقتصارها على 337 ألفاً و738 عضواً فقط من سكان الدولة (نحو 9.5 مليون نسمة)، فضلاً عن الضغط على المرشحين للانسحاب من السباق الانتخابي.
الفيدرالية اعتبرت أن "انسحاب المرشحين لشكواهم من ضغوط تمارسها السلطة عليهم يزيد من الشكوك القائمة أصلاً بشأن شفافية انتخابات المجلس الوطني في الإمارات، ومستوى الترشح والانتخاب الحر فيها".
ورأت أن الانتخابات المقبلة في الإمارات "تجري في بيئة سياسية غير ديمقراطية، ولن تفضي إلى انتخابات حرة، خاصة في ظل القيود الحكومية وتجاهل الحاجة لإصلاح القوانين التي تكفل المشاركة الكاملة في حق الترشح والاقتراع، فضلاً عن الحاجة إلى الإفراج عن نشطاء الرأي والمعارضين في الدولة".
وطالبت الفيدرالية الدولية السلطات الإماراتية بالوفاء بالتزاماتها بموجب القوانين والمواثيق الدولية، التي تدعو إلى صيانة الحق في التداول السلمي للسلطة، وضمان حرية الرأي والتعبير، ومن ذلك إنهاء الحظر على المعارضين ووسائل الإعلام المستقلة.
انسحاب غيث عبد الله
المرشح غيث عبد الله، الذي أعلن انسحابه من الانتخابات، قال في تغريدة على حسابه في "تويتر"، الاثنين (16 سبتمبر الماضي): "بدأت حملتي الانتخابية بمناقشة قضايا وطنية جادة؛ كتطوير المجلس الوطني بصلاحيات تشريعية، ورفع سقف حرية التعبير والنقد البناء".
واستطرد يقول موضحاً سبب انسحابه: "في أول أسبوع وجدت قيوداً على طرح هذه القضايا كمرشح، لذلك قررت الانسحاب بدل السير بحملة انتخابية تقليدية. أشكر من تفاعل معي ودعم ترشحي".
وجاء في بيان نشره على صفحته بتويتر: "من غير المعقول عدم السماح لمرشح سياسي بطرح قضايا سياسية ووطنية جادة".
وأضاف: "لقد تقدمت للانتخابات من منطلق تمثيل جيل إماراتي راغب في مناقشة قضايا وطنية وسياسية، والأجيال القادمة تحتاج أن يكون صوتها مسموعاً في الأمور السياسية الاجتماعية المصيرية؛ مثل حرية المشاركة في العملية السياسية، والتمكين، وحرية التعبير والنقد البناء، من منطلق الحرص على مستقبل وطنهم بأقل قدر من القيود التي واجهتها خلال حملتي الانتخابية".
بدأت حملتي الانتخابية بمناقشة قضايا وطنية جادة كتطوير المجلس الوطني بصلاحيات تشريعية ورفع سقف حرية التعبير والنقد البناء، وفي اول اسبوع وجدت قيود على طرح هذه القضايا كمرشح. لذلك قررت الانسحاب بدل السير بحملة انتخابية تقليدية. اشكر من تفاعل معي ودعم ترشحي.#انتخابات_المجلس_الوطني pic.twitter.com/0M2cf7acYK
— Gaith Abdulla (@Gaith_Ab) September 16, 2019
انسحاب مريم الشحي
المرشحة للانتخابات مريم الشحي أعلنت أيضاً الانسحاب من السباق الانتخابي للمجلس الوطني الاتحادي؛ بعد تلقيها "أمراً من الدولة".
واشتكت الشحي في عدة مقابلات من عقابها؛ على خلفية "دعوتها إلى تغيير شامل في الدولة يضمن إطلاق الحريات العامة، وتعزيز التوطين، والتصدي للنفوذ الأجنبي فيها".
وكثيراً ما تحدثت عن خلفية الإمارات الإسلامية والعربية التي يجب الحفاظ عليها وعدم الإساءة لها.
وعلى ما يبدو فإن أحاديثها التي تؤكد عدم رضاها عن سياسة الدولة، وسعيها للتأثير لأجل تغيير هذه السياسة كان وراء اضطرارها للانسحاب.
مريم الشحي ( التي انسحبت من الترشح للمجلس الوطني بأمر من الدولة) لها مشاركات إذاعية تتحدث فيها بحرقة عن الوضع الذي صارت له الدولة ...
— حمد الشامسي (@ALshamsi789) September 23, 2019
هذا المقطع من أكثر مقاطعها انتشاراً #المجلس_الوطني_الاتحادي pic.twitter.com/r3fmSnYCB1
وتحتل الإمارات المرتبة 147 من أصل 167 دولة ضمن قوائم الدول الاستبدادية في العالم، بحسب مؤشر الديمقراطية الدولية، وقد حصلت ضمن معيار "العملية الانتخابية والتعددية" على صفر من 10، وفي المشاركة السياسية على 2.2 من 10.
وتحرم الإمارات مواطنيها من المشاركة بصنع القرار السياسي والإداري والخدماتي، وتمارس الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بحق المعارضين والمدونين ونشطاء حقوق الإنسان.