مجتمع » حريات وحقوق الانسان

السعودية: انفتاح ثقافي يحيي النقاش حول غياب حرية التعبير

في 2020/02/06

DW- عربية-

خطوات جديدة في السعودية على طريق الانفتاح الذي بدأه ولي العهد محمد بن سلمان في المجال الثقافي. لكن أي خطوة من هذا القبيل تواجه انتقادات بسبب اتهام الرياض بقمع المعارضة، فإلى أي مدى يعوض الترفيه عن غياب حرية الرأي؟

في السعودية تواصل قيادة البلاد سيرها غير المسبوق نحو تحقيق إصلاحات وانفتاح اجتماعي وفني. في أحدث الخطوات تم الإعلان عن إنشاء إحدى عشرة هيئة ثقافية بعد موافقة مجلس الوزراء على ذلك اليوم. وهذه الهيئات ستتولى مسؤولية إدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، وستكون كل هيئة مسؤولة عن تطوير قطاع محدد و"تتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري وترتبط تنظيميّاً بوزير الثقافة". والهيئات الجديدة ستُخَصص للأدب والنشر والترجمة والأزياء والأفلام والتراث والموسيقى بالإضافة إلى العمارة والتصميم والمسرح والمتاحف ومجالات أخرى متنوعة. بالموازاة مع ذلك أعلنت الرياض أيضا عن إنشاء مدينة إعلامية تستهدف مجالات الإبداع والتقنية والثقافة والاعلام.

وتسلط هذه الخطوات الضوء من جديد على حملة الإصلاحات الجريئة التي يخوضها ولي العهد الشاب محمد بن سلمان في ظل انتقادات واتهامات للقيادة السعودية بمواصلة قمع الأصوات المعارضة. فكيف يمكن أن تؤثر هذه الإجراءات على حياة الفنانين والفنانات وهل يمكن أن تصطدم بالأصوات المحافظة داخل المجتمع؟

"عودة الطيور المهاجرة"

في فقرة من برنامج اتجاهات على قناة روتانا الخليجية المملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال، تتحدث فنانة سعودية شابة تدعى مروة محمد عن تأثيرات السياسة السعودية الجديدة عليها سواء كامرأة أو كفنانة وإعلامية في نفس الوقت. بداية تبدي مروة سعادتها بأن تتم استضافتها في البرنامج هذه المرة ولأول مرة في الرياض بعدما كانت الاستضافة الأولى في الإمارات. ضيف آخر في البرنامج تحدث عن أن أبرز تأثيرات السياسة الجديدة في مجال الثقافة في السعودية هو "عودة الطيور المهاجرة" ومنها مروة محمد وهو ما أكدته الفنانة التي قالت خلال اللقاء إنها عادت للعمل في الرياض بفضل التغييرات الجديدة ولم تعد مضطرة للعمل في بلد آخر وليست الوحيدة بل الكثير من الفنانات والإعلاميات عُدنَ إلى بلدهن للعمل فيه وأصبح لديهن استقرار نفسي أكثر وتوازن.

من جهته يقول الصحفي والناقد السينمائي أحمد العياد في تصريحات لـ DW عربية "نحن محظوظون جدا كشباب سعودي بكل هذه التغيرات التي حدثت مؤخرا في دعم الفن والفنانين والحركة الثقافية والفنية عموما، فهي ساهمت وتساهم في دعم الشباب في مجال له حضوره سواء داخليا أو خارجيا من خلال حضور المملكة في المحافل الفنية والثقافية". ويضيف الشاب السعودي أن إنشاء 11 هيئة ثقافية ما هو سوى تتويج لخطوات سابقة كإنشاء المهرجانات السينمائية والعمل على البعثات في عدد من المجالات الفنية كالسينما والمسرح، وكل هذا يدل على وعي المسؤولين باهتمامات الشباب والإيمان بقدرتهم على إبراز واستغلال هذه الفرص.

إثارة أصوات المحافظين والمتزمتين

ورغم أن سلسلة الإصلاحات والانفتاح في السعودية لم تعد بالأمر الجديد، ولا يشكل إنشاء الهيئات الحالية والمدينة الإعلامية سوى جزء الإجراءات التي تم اتخاذها في إطار عملية الإصلاح، إلا أن المضي قدما في هذا الطريق رغم انتقادات فئات محافظة في الداخل والخارج يظهر أن ولي العهد عازم على أن يسير بالبلد في اتجاه اتخاذ حلة غير مسبوقة. فما اتخذ حتى الآن من قرارات في هذا السياق يثير حفيظة الأصوات المحافظة والمتزمتة وخاصة الاختلاط غير المسبوق بين الجنسين، وإقامة حفلات غنائية جريئة بمشاركة نجوم عالميين والسماح للمرأة بقيادة السيارة والخروج بدون حجاب.

فكيف للفنانين أن يستغلوا فرصة الانفتاح هذه في ظل وجود هذه الأصوات ونفوذها في المجتمع. في هذا السياق يقول العياد "إذا وجدت هذه الأصوات فالشباب يقفون يدا بيد مع ولي العهد منذ كلمته في أكتوبر 2017 التي قال فيها إن "السعودية لم تكن كذلك  قبل 1979. السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع الصحوة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة ... نحن فقط نعود لما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب، 70 في المائة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة"..

وبينما يرحب كثيرون داخل وخارج السعودية بمثل هذه القرارات التي تحتاج إلى جرأة كبيرة في بلد ظل منغلقا لعقود، يحذر آخرون من أن تغطي هذه الإجراءات على ممارسات أخرى ترتكب في السعودية وتواجه بانتقادات داخليا وخارجيا على الخصوص.

إجراءات تجميلية في ظل قمع المعارضين

الانتقادات للإجراءات الأخيرة تتناول التناقض بين هذا الانفتاح الثقافي والفني والاجتماعي غير المسبوق الذي لا يمكن إلا أن يكون مرحبا به، وتشديد الخناق، بالمقابل، على المعارضين السياسيين والأصوات المنتقدة لسياسة ولي العهد السعودي بما في ذلك أيضا بعض الشيوخ والدعاة. وبالنسبة لبعض المراقبين والحقوقيين لا يمكن التعويل على انفتاح فني حقيقي مادام قمع الأصوات الناقدة مستمرا ومادام الإنتاج الفني محصورا بدوره في جوانب التسلية والترفيه وليس كوسيلة للتعبير عن تطلعات الناس وآرائهم بما في ذلك مواقفهم من النظام السياسي وتسيير البلاد. ولن تكون هذه القرارات الجريئة في ظل هذا الوضع سوى واجهة تجميلية.

وحسب تحليل للخبير الألماني في شؤون السعودية سيباستيان سونس منشور على صفحة  الجمعية الألمانية للسياسة الخارجيةDGAP/  فإن السعودية "تعيش تحت إدارة محمد بن سلمان درسا في العصرنة وهو ما سيخلق تحولات كبيرة في مجالات معينة وسيفرض انفتاحا في المجتمع... خاصة أن حوالي 70 في المائة من المجتمع شباب وجزء كبير منهم عاش أو درس في الخارج ويريدون سعودية جديدة..." ويضيف الخبير أنه بالمقابل "في الماضي كان انتقاد المسؤولين الفاسدين أو الشكاوى بشأن الأداء الإداري أمرا عاديا على مواقع التواصل الاجتماعي، أما الآن فقد تغيرت الأمور، فالأمير الحالي يعتبر نفسه رمز التحول الجديد وأي انتقاد لأخطاء ما في هذا التحول يعتبره انتقادا مباشرا وشخصيا له، وهكذا فقد تقلصت حرية التعبير أكثر من السابق."

ومن الملفت للنظر أن ولي العهد السعودي النافذ الذي ارتبط اسمه بإصلاحات لصالح المرأة والثقافة لم تكن يوما متوقعة في بلد كالسعودية، ارتبط اسمه أيضا بقضية ثقيلة أضرت كثيرا بصورة المملكة. وجاء ذلك في الوقت الذي كانت تحاول فيه إظهار نفسها كبلد يبذل جهدا في سبيل الانفتاح، وذلك بعد اتهام مقربين منه بتنفيذ جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي التي هزت الرأي العام العالمي وشغلته لشهور.  وقد سبق أن أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن مقتل خاشقجي في ظل إدارته يجعله يتحمل المسؤولية، لكنه ظل ينفي إعطاءه الأوامر بتنفيذها.