مجتمع » حريات وحقوق الانسان

إخفاء الحقائق.. سياسة سعودية لتغييب العالم عن انتهاكاتها

في 2020/02/06

الخليج أونلاين-

تعد السعودية دولة مغلقة على ذاتها، وتحيط بها جدران تخفي تحتها الكثير من الأسرار خصوصاً في عالم السياسة، فلا حرية صحافة، ولا نظام قضائي مستقل، ولا ديمقراطية، ولا فصل بين السلطات، إذ تتركز كل مقاليد الحكم بيد الملك وولي عهده وأسرة "آل سعود"، التي حملت المملكة اسمها في سابقة ضمن التاريخ الحديث.

ومع غياب حرية الرأي لا يمكن للسعوديين أن يتساءلوا عن محاكمات المعتقلين السياسيين ومعنى إبقائها سرية، ولا أن يستفهموا عن محاكمة قتلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018، ولا عن مصير آلاف الحجاج الذين قضوا أثناء اقتحام القوات السعودية الحرم المكي إبان سيطرة جماعة جهيمان العتيبي عليه عام 1979.

كل ذلك يدفع للتساؤل حول سبب إخفاء الحقائق عن الشعب السعودي والأمة الإسلامية بفاجعة مثل مقتل الحجاج المسلمين في الحرم، أو في جريمة اغتيال خاشقجي التي اعترفت الرياض بارتكابها من قبل مسؤولين أمنيين.

فاجعة الحجاج

في تحقيق استقصائي لبرنامج "ما خفي أعظم" الذي عُرض على قناة "الجزيرة" الفضائية يوم الأحد (2 فبراير 2020) كشفت تفاصيل عملية إنهاء سيطرة جماعة جهيمان العتيبي على الحرم المكي عام 1979 التي استمرت أسبوعين بمشاركة قوات فرنسية.

وأظهر التحقيق وثائق سرية وشهادتين للضابط الفرنسي بول باريل وأحد القناصة الفرنسيين، اللذين كانا ضمن الفريق المكلف بإدارة الهجوم لإنهاء تمرد الجماعة.

وقال باريل إن الهجوم النهائي استدعى استخدام قذائف غاز يشل الحركة تزن 7 أطنان، ضُخت في أقبية الحرم المكي وهو ما مكن من القضاء على المئات من عناصر جماعة جهيمان.

وقدرت شهادة الضابطين الفرنسيين العدد الكلي للضحايا خلال مراحل العملية كاملة بأكثر من 5 آلاف قتيل، بينهم على الأقل 3 آلاف حاج، خلافاً للرواية السعودية التي أعلنت مقتل أقل من 300 شخص، بينهم 26 حاجاً فقط.

وأضاف باريل قائلاً: "لقد كانت حالة ذعر عام بالنسبة للسعودية لغياب قوات متخصصة، وشهدت 13 محافظة تصعيداً، وبدأ الشيعة في المناطق النفطية بالتحرك، وساد الخوف، ورفض جنود الجيش إراقة الدماء داخل مكة".

وتابع: "شعرت بحالة ذعر عام، وسألت عن المتمردين وأسلحتهم، ولم تكن لديهم أي معلومات؛ وقررت أن أذهب مع شخصين إلى الأرض، ولم أجد معلومات حقيقية. وقد غادرت الرياض وبحوزتي 650 كيلوغراماً من المعدات، ونزلنا بالطائف حيث مراكز تدريب السعوديين مع كولونيل سعودي يتحدث الفرنسية".

وأضاف الجنرال الفرنسي: "الجنود السعوديون حتى لم يكونوا يعرفون الاقتحام وارتداء الأقنعة، وستراتهم الواقية لم تكن فعّالة، وعوّضناهم واقيات فرنسية، لخوض المعركة".

وحول دخول القوات الفرنسية الحرم المكي، قال باريل: "كانت لدينا قدم في الداخل وأخرى في الخارج، كنا ندخل الأقبية دون أن نعرف أين نحن. كنا نناقش القضايا العسكرية والقتالية وليس القضايا الدينية؛ لأنها كانت ثانوية، ولم يسألوا عن دياناتنا بل عن دقة قنابل القنص".

وأكّد باريل أن ما حدث كان "مذبحة ومجزرة لا تصدّق هزتنا في العمق، كانت هناك صعوبة في القضاء على السجناء، وقُبض على 63 منهم على الفور، وبعدها تصرّفت القوات السعودية بقسوة بالغة دون التمييز بين الرهائن ومحتجزيهم".

رغم أن السعودية لم تتحدث عن كل تلك التفاصيل، وأبقتها سرية وغامضة حتى اليوم من أجل حفظ ماء وجهها، إلا أنها كشفت ولأول مرة، في نوفمبر 2019، عن صور تتعلق بعملية تحرير الحرم المكي، لكن الرواية السعودية تنكر وجود أي مساعدة أجنبية في تحرير الحرم.

وخلافاً للرواية السعودية فقد حصلت "الجزيرة" على وثيقة صادرة عن وزارة الدفاع الفرنسية بعنوان "مهمة مكة"، تتضمن شكر المملكة على المساعدة التي قدمتها دولة صديقة في تحرير الحرم المكي.

وحول إخفاء المملكة لمشاركة دولة أجنبية في تحرير حرم مكة، قال باريل: إن "هذا الأمر سيتسبب في إحراج لآل سعود، لذلك فإن هذا الأمر ظل قيد السرية طيلة الأعوام الأربعين الماضية".

ويرى المحلل السياسي عمر عياصرة أن "السعودية أخفت معلومات قتل الحجاج في حادثة جهيمان العتيبي، لأنها تمس شرعية الحكم، لأن الحكم في السعودية واحد من أهم شرعياته خدمة الحرمين الشريفين، لذلك فالملك يسمى خادم الحرمين الشريفين".

وقال عياصرة، في حديث خاص مع "الخليج أونلاين"، إنه "حينما تُظهر أنك قتلت هذا العدد الكبير من الحجاج؛ الذي يقارب خمسة آلاف حاج ومتواجد في الحرم، وأنك استعنت بالأجانب، وأنك أدخلت (الكفار) إلى الحرمين، وأنك لم تحرره بقوات سعودية وقوات ذاتية فأنت أنهيت الشرعية، وهذا ما دفعهم لإخفاء مقتل هذه العدد الكبير من الحجاج".

فشل حماية الحجاج

ومع نشر التحقيق الاستقصائي الذي كشف أعداد الضحايا من الحجاج، دانت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين الشريفين، قائلة "إن التعامل الدموي مع الحادثة المذكورة يثبت مجدداً الفشل التاريخي للنظام السعودي في إدارة الحرمين وتغوله في الدماء، بما في ذلك الاستعانة بقوات أجنبية وتدنيس حرمة الحرمين لهدف واحد هو الحفاظ على استفراده بإدارة الحرمين".

وأكدت الهيئة، يوم الأربعاء (5 فبراير 2020)، أن حادثة حصار الحرم وما خلفته من قتل آلاف الأبرياء "غالبيتهم من الحجاج، سيبقى وصمة عار في تاريخ النظام السعودي وإدارته الدموية للحرمين، ويثبت مجدداً أهلية المطالبة بإنهاء إدارة الرياض المنفردة للحرمين".

وجددت الهيئة المطالبة بـ"اتخاذ خطوات عملية من أجل إشراك المؤسسات والحكومات الإسلامية في إدارة المشاعر الإسلامية في السعودية، وذلك بعد فشل وقصر الإدارة الحالية في إدارة المشاعر بطريقة سليمة تحترم قدسية المكان ومكانته لدى المسلمين".

من جانبه قال المعارض السعودي البارز ومؤسس حركة الإصلاح الإسلامية، سعد الفقيه، إن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز (كان ولياً للعهد) رفض مقترح مفتي المملكة الشيخ الراحل عبد العزيز بن باز بإجراء مفاوضات مع جماعة جهيمان وهو ما جاء بنتائج سلبية.

وأضاف الفقيه في، حديث مع "الخليج أونلاين"، أن الاقتراح كان يقوم على أن "جماعة جهيمان لو قبِلوا التفاوض يتم إنهاء القضية وإن لم يقبلوا يباشَر بقتالهم، ولكن السعودية لم تقبل ذلك؛ خوفاً من الإحراج".

ووصف "الفقيه" الطريقة التي استخدمتها القوات السعودية في محاولة فك الحصار عن الحرم المكي، بـ"الغبية"، وتعكس انعدام التجربة والخبرة لدى الأجهزة الأمنية بالمملكة في التعامل مع ذلك الحدث.

وذكر أن "جماعة جهيمان لم تكن لديهم رهائن بالمطلق كما روَّجت السعودية على مدار السنوات الماضية للناس وزوَّرت التاريخ، فهذه الجماعة فتحت أبواب الحرم أمام جميع المصلين وطالبتهم بالخروج، بخلاف مزاعم آل سعود".

وبيّن أنه: "لم يكن هناك أي مسوغ لقتالهم ومواجهتهم بهذه الطريقة، وعدم تنظيف الحرم منهم بشكل مبكر".

إخفاء المحاكمات

ولا تبتعد تفاصيل ما حصل مع خاشقجي في الحاضر مع ما جرى مع الحجيج في الماضي، حيث نفت المملكة مقتل مواطنها مؤكدة خروجه من قنصلية بلاده في 2 أكتوبر 2018، ثم اعترفت بالجريمة، إلا أن جثة الرجل إلى الآن لم تظهر.

وأخفت المملكة أسماء مرتكبي الجريمة، ومن قام بإصدار الأوامر، والتي يتهم فيها ولي العهد محمد بن سلمان بشكل أساسي، وفق تقارير عالمية، أبرزها لوكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه"، كما أخفت الرياض التحقيقات مع مرتكبي الجريمة.

وزاد من ذلك أن برأت بعد أكثر من عام على ارتكاب الجريمة (23 ديسمبر 2019) أبرز المتهمين من المسؤولين السعوديين؛ وهم سعود القحطاني وهو مستشار سابق لمحمد بن سلمان، وأحمد عسيري النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية، ومحمد العتيبي القنصل السعودي السابق بإسطنبول، والذي نفى أمام كاميرات العالم علمه بالواقعة، وتحدث عن خروج خاشقجي حياً. 

ولم يتوقف الأمر في المسار القضائي على تبرئة الكبار، بل وصل إلى إعلان الرياض إصدار حكم أولي بالإعدام بـحق 5 أشخاص، والحبس لـ 3 آخرين بأحكام بالسجن مجملها 24 سنة، دون إعلان هوية أي منهم، بدعوى أن "الأحكام غير نهائية".

وكان من المثير تمسك النيابة السعودية بعدم ذكر الأسماء، لافتة إلى أن القضية شملت 31 شخصاً، أوقف 21 منهم، واستجوب 10، دون توقيف، لعدم وجود ما يستوجب التوقيف.

القضية أثارت العديد من الأسئلة منذ ارتكابها ونفي الرياض ضلوع مسؤوليها بها، ثم الاعتراف بسبب الضغط التركي والدولي، ثم إخفاء كل تفاصيلها والخروج بقصة غير مقنعة، لتختتم بتبرئة الجناة.

كما أنها نالت انتقاداً واسعاً من قبل أغلب المنظمات الحقوقية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، بالإضافة لمنظمات الدفاع عن حقوق الصحفيين مثل مراسلون بلا حدود وغيرها.

وعلى صعيد آخر، تغيب السلطات السعودية شعبها والرأي العام العالمي عن تفاصيل محاكمات الدعاة والناشطين في مجال حقوق الإنسان، الذين اعتقلوا لأسباب سياسية، والذين يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة للغاية دون أي مراقبة على السجون.

كما أن غياب ثقة ذويهم بالقضاء السعودي، يزيد من تخوفهم حول الأحكام التي من الممكن أن تخرج بحقهم، خصوصاً مع مطالبات النيابة العامة بإعدام بعضهم، مثل الداعية البارز سلمان العودة الذي يعاني من المرض وتأجلت محاكمته عشرات المرات.

ويضاف إلى ذلك إخفاء وضع السعوديات المعتقلات اللواتي يعانين أسوأ الظروف، حيث كشفت تقارير منظمة العفو الدولية عن تعرضهن للتحرش الجنسي والتعذيب عبر الجلد والصعق بالكهرباء، رغم مطالبات المنظمات بالإفراج عنهن أو تقديمهن لمحاكمات عادلة.

ولا تفصح السلطات عن أعداد سجناء الرأي لديها، ولا تسمح للمؤسسات الحقوقية بزيارتهم أو الاطلاع على أوضاعهم، ما يُثير شكوكاً حول ذلك، وفق منظمات حقوقية.

ويرى متابعون للشأن السعودي أن نظام الحكم في السعودية، والقائم على الملكية المطلقة، لا يقبل أن يشارك شعبه بمثل هذه التفاصيل؛ لأنها تمس هيبته وشرعيته، خصوصاً بما يتعلق بالسلطات القضائية والتي يجب أن تكون مستقلة، ولكنها في حالة السعودية تابعة بشكل تام لرأس السلطة والمقربين منه.