متابعات-
تواصل تقارير منظمات حقوقية دولية ووسائل إعلام عالمية اتهام السعودية بارتكاب انتهاكات بحق أفارقة تحتجزهم سلطات المملكة في ظروف غير مناسبة.
وعلى الرغم من أن السلطات السعودية تبرئ ساحتها بتأكيدها أن من تحتجزهم هم متسللون غير شرعيين فإن تلك التقارير تتحدث عن معاملة لا إنسانية يلقاها المحتجزون الأفارقة في مراكز التوقيف بالمملكة.
آخر تلك التقارير نشرته منظمة العفو الدولية، الخميس (1 أكتوبر 2020)، أكد وجود "أعمال وحشية ممنهجة" في مراكز احتجاز إثيوبيين بالسعودية، منها موت أطفال، والتعذيب باستخدام الصعق الكهربائي.
وقال تقرير منظمة العفو الدولية: "طرد الحوثيون آلاف العمال الأفارقة، معظمهم من إثيوبيا، إلى السعودية في ظل تفشي وباء كورونا، وقامت المملكة الخليجية باحتجاز هؤلاء منذ مارس الماضي في أوضاع سيئة، وممارسة التعذيب ضدهم".
وأضاف التقرير: "يتم تقييد كل اثنين منهم معاً، وإجبارهم على استخدام أرضيات زنازينهم مراحيض، وحبسهم 24 ساعة في اليوم في مساحة مزدحمة، كذلك النساء الحوامل والرضع والأطفال الصغار محتجزون في نفس الظروف المروعة".
موت أطفال
وبحسب التقرير قال 3 محتجزين إنهم يعرفون أطفالاً ماتوا داخل مراكز التوقيف السعودية.
ووثقت المنظمة الدولية وفاة ما لا يقل عن 3 رجال في أماكن الاحتجاز، ودعت السعودية لإطلاق سراحهم وإنهاء التعذيب والمعاملة السيئة لهم، كما دعت المنظمة إثيوبيا إلى مساعدة مواطنيها وتسهيل عودتهم لبلدهم.
بدورها قالت الباحثة والمستشارة في منظمة العفو الدولية ماري فوريستير: إن "آلاف المهاجرين الإثيوبيين الذين تركوا منازلهم بحثاً عن حياة أفضل واجهوا قسوة لا يمكن تصورها، الوضع محصور في زنازين قذرة، محاطة بالمرض والموت، والوضع مروع للغاية لدرجة أن شخصين على الأقل حاولا الانتحار".
تعذيب حتى الموت
كانت صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية نشرت، قبل نحو شهر من الآن، تحقيقاً خلص إلى تعرض آلاف المهاجرين الأفارقة المحتجزين في السعودية للتعذيب حتى الموت.
وتؤكد صحيفة "التلغراف" مجدداً أن هناك تفاصيل مروعة أكثر بشأن انتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز الاحتجاز لهؤلاء الأفارقة المهاجرين.
ومع ذلك، بعد شهر من إعلان السعودية أنها ستحقق في القضية، قال مهاجرون للصحيفة البريطانية إنهم عوقبوا وجُردوا من ملابسهم وكُبل بعضهم ببعض بسبب محاولاتهم للتواصل مع العالم الخارجي.
من جانبها قالت سفارة السعودية لدى المملكة المتحدة: "إن التقارير عن إساءة معاملة المهاجرين في مراكز الاحتجاز في السعودية لا تزال تثير القلق".
وأشارت السفارة رداً على استفسارات الصحيفة إلى أن "التحقيقات جارية لمعرفة الظروف في هذه المرافق، وسوف نبلغكم بالمزيد من المعلومات حول هذه المسألة".
احتجاز رهيب
كان شهر سبتمبر الماضي أكثر غزارة بالأخبار والتقارير الخاصة التي نشرت في وسائل الإعلام البريطانية حول المهاجرين الأفارقة في السعودية، ومعاناتهم داخل معسكرات الاحتجاز الخاصة بالمشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا.
وذكرت "ديلي تلغراف" في تقريرها أن احتجاز المهاجرين يجري في ظل ظروف قاسية، ودرجات حرارة مرتفعة؛ مما أدى إلى وفاة بعضهم، علاوة على خضوعهم لعمليات تعذيب وجلد من قبل الحراس، والإساءة إليهم بشكل عنصري.
ويشير التقرير إلى أن أحد المقاطع المصورة التي وصلت إلى الصحيفة تظهر حال المهاجرين "البائسة" في مراكز الاحتجاز.
ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة لم تذكر اسمه، أن "المنظمة قد فتحت بالفعل تحقيقاً في الموضوع".
وقالت الصحيفة إن السلطات السعودية بدأت باحتجاز المهاجرين الأفارقة عندما ضربت جائحة "كورونا" البلاد، في مارس الماضي، وخشية من أن يكون المهاجرون، الذين يقيمون في كثير من الأحيان في ظروف مزدحمة، ناقلين للفيروس.
وعليه فقد رَحَّلت أجهزة الأمن السعودية ما يقرب من 3000 إلى إثيوبيا في الأيام العشرة الأولى من أبريل الماضي.
وبحسب الصحيفة فإن هناك مراكز احتجاز أخرى مكتظة بالنساء ولكنها منفصلة عن تلك الخاصة بالرجال.
من البداية
الأفارقة الذين يلقى كثيرون منهم مصيرهم في مراكز الاحتجاز، هم مهاجرون غير شرعيين يتسللون عبر اليمن إلى المملكة بحثاً عن فرصة عمل.
هذا ما ذكره تقرير لوكالة "أسوشييتد برس"، نشر في 2019، رصد معاناة المهاجرين الأفارقة الذين يحلمون بالعمل في السعودية، ووفق التقرير يتحتم عليهم مواجهة مخاطر جمة؛ أبرزها المرور باليمن، ذلك البلد المضطرب الذي يرزح تحت الحروب منذ سنوات.
ووثق التقرير عبر لقاءات مع مهاجرين أفارقة بينهم نساء تعرضهم لكثير من المصاعب والمخاطر في طريق رحلتهم سعياً للوصول إلى السعودية، فهم يكونون فريسة سهلة للعصابات التي تختطفهم وتساوم بهم ذويهم مقابل مبلغ من المال.
وكثيراً ما تتعرض النساء للاغتصاب من قبل تلك العصابات، وفق ما ذكر تقرير "أسوشييتد برس".
أعداد كبيرة
المنظمة الدولية للهجرة، وفي تقرير لها نشرته في فبراير الماضي، قالت إن عدد المهاجرين الذين عبروا البحر إلى اليمن يفوق عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر المتوسط، لكن معظم من عبروا اليمن دخلوا إلى السعودية حيث يعيشون هناك في وضع محفوف بالمخاطر.
وقالت المنظمة إن 138 ألف شخص أبحروا من القرن الأفريقي إلى اليمن عام 2019، أكثر من 90% منهم من إثيوبيا، مشيرة إلى أن معظم هؤلاء المهاجرين وصل إلى السعودية، المجاورة لليمن، بحثاً عن فرص اقتصادية، في حين توفي 60 شخصاً منهم في الرحلة.
وذكر متحدث باسم المنظمة أن "الأشخاص الذين وصلوا إلى السعودية يعيشون في وضع قانوني محفوف بالمخاطر؛ نظراً لأن المملكة لديها قوانين صارمة ضد المهاجرين الذين لا يحملون وثائق".
وكان تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" ذكر، منتصف العام المنصرم -استناداً إلى الشهادات التي جمعتها- أن المهاجرين لدى انتقالهم إلى السعودية عابرين الحدود فإن حرس الحدود السعوديين لا يترددون في إطلاق النار على المهاجرين، موضحاً أنهم قتلوا وجرحوا الكثيرين منهم.
وفق القانون
في أبريل الماضي، تفاعل ناشطون يمنيون مع مقطع يظهر أعداداً كبيرة من المهاجرين الأفارقة بمنطقة الرقو التابعة لمحافظة صعدة (شمالي اليمن) على الحدود مع السعودية، وحذر إعلاميون وناشطون من تزايد أعداد المهاجرين على الحدود بشكل عشوائي، بعد وصولهم عن طريق عمليات التهريب.
ودعت أربع منظمات تابعة للأمم المتحدة، في أبريل الماضي، دول العالم لحماية اللاجئين والمهاجرين والمشردين والمهجرين بسبب الحروب والكوارث من خطر الانتشار السريع لوباء كورونا.
وأصدر كل من المفوضية السامية للاجئين، ومنظمة الهجرة الدولية، ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية؛ بياناً مشتركاً قالت فيه إن ثلاثة أرباع اللاجئين والمهاجرين في العالم يوجدون في دول نامية تتوفر على أنظمة صحية مستنزفة، أو ضعيفة.
في المقابل اتهم المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن، الذي تقوده السعودية للقتال في اليمن العقيد الركن تركي المالكي -لوسائل إعلام سعودية- الحوثيين بالوقوف وراء محاولات تسلل مهاجرين غير نظاميين إلى المملكة عبر الحدود اليمنية.
وأضاف المالكي أن الحوثيين يحاولون استغلال الظرف العالمي المرتبط بتفشي كورونا لإرباك أمن الحدود، وإثارة الرأي العام العالمي والمنظمات الحقوقية الدولية.
وأشار المتحدث باسم التحالف إلى أنه يتم التعامل مع المهاجرين المتسللين "وفق القوانين الدولية والقوانين المعتمدة في المملكة".