الخليج أونلاين-
شهدت الأيام الأخيرة تبلور كيانات سعودية معارضة في الخارج، وذلك بالتزامن مع تبلور موقف أمريكي جديد يجنح نحو توفير مظلة لهذه المعارضة ولو من باب ذر الرماد في العيون.
وتعتبر التطورات الأخيرة هي قمة نضوج المعارضة السعودية في الخارج، والتي بدأت تنخرط في منظمات وأحزاب وحركات مدنية بعدما اكتفت بالتغريد الحذر لسنوات طويلة.
ومع حلول الذكرى الثانية لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول، على يد فريق سعودي تابع لولي العهد محمد بن سلمان، بدا معارضو الخارج من السعوديين أكثر جرأة وتصميماً على إحداث تغيير في سياسة بلادهم.
ويعتبر تأسيس كتلة معارضة بالخارج أمراً خارجاً عن المألوف في بلد لم يعرف طوال تاريخه حياة سياسية حقيقية، حيث دأب مواطنوه على طاعة ولي الأمر والسمع له، فيما واجه المعارضون في الداخل السجن.
لكن الأيام قد تغيرت، ومعها تغيرت أشياء كثيرة في المملكة؛ فقد تحولت الدولة التي كانت توصف دائماً بأنها "محافظة" إلى ساحة للفن وحفلات الغناء المختلطة ودور السينما، وأشياء أخرى كثيرة كانت من المحرمات قبل ظهور ولي العهد الجديد على مسرح السياسة.
التغييرات لم تتوقف عند الحد الذي أراد الأمير الشاب من خلاله تسويق نفسه أمام الغرب كرجل إصلاحي جاء لينتشل بلاده من مستنقع التشدد ويضعها على أول طريق الانفتاح؛ وإنما امتدت لتشمل المعارضة السياسية التي قررت هي الأخرى خوض معركة الإصلاح على طريقتها.
لقد استعان ولي العهد السعودي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لترسيخ قواعد حكم يطمح لتأسيسه رغم كل ما يكتنفه من عقبات، وقد ساعده ساكن البيت الأبيض في اجتياز جزء كبير من هذه العقبات، غير أن معارضة الخارج تحولت إلى شوكة في عين النظام الجديد، دون اعتراض أمريكي لخطوتها.
ولعل الضغوط الدولية والأمريكية بشكل خاص على المملكة في الدفاع عن قضايا معتقلين داخل السعودية، والانتقاد الدائم لموقفها من قضية مقتل خاشقجي، أعطى ثقة أكبر لحركة المعارضة في الولايات المتحدة التي يسكنها عدد من المعارضين.
وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الجمعة (2 أكتوبر)، أن الإدارة الأمريكية اعتبرت جريمة خاشقجي منذ البداية مأساوية ومروّعة، وقال إن واشنطن طالبت الرياض بتحقيق كامل وشامل في هذه الجريمة.
قانون حماية المعارضة
ومع تصاعد حملة الترهيب التي تشنها المملكة بشكل متواصل ضد معارضيها في الخارج وذويهم في الداخل، صادقت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي على قانون حماية المعارضين السعوديين.
ويهدف القانون لمحاسبة السعودية على قتل خاشقجي، واعتداءات أخرى ضد منتقدي المملكة، كما أنه رسالة قوية وواضحة بأن الولايات المتحدة تعارض الإعادة القسرية للمعارضين والمنتقدين السعوديين في الخارج أو ترهيبهم أو قتلهم، بحسب عضو مجلس النواب الأمريكي جيري كونولي.
ويقضي القانون أيضاً بإغلاق منشآت دبلوماسية سعودية في الولايات المتحدة إذا تبين أنها تستخدم لتسهيل مراقبة أو تعقب أو مضايقة أو إيذاء مواطنين سعوديين مقيمين في الولايات المتحدة.
حزب سياسي ومنظمة حقوقية
وقبل يومين من المصادقة على القانون، وتحديداً في الـ30 من سبتمبر، دشّن مجموعة من أصدقاء خاشقجي منظمة "دون" الحقوقية التي تهدف لفضح ممارسات المملكة الحقوقية لإجبارها على تبني سلوك أكثر احتراماً للمعارضة ولحقوق الإنسان.
وتستهدف المنظمة التي وضع خاشقجي إطارها العام قبل اغتياله بأسابيع، إلى التعريف بالمتورطين في عمليات الانتهاك والقتل والتعذيب وتلفيق الاتهامات وتقنين المحاكمات الظالمة.
كما أعلن مجموعة من السعوديين المقيمين في دول بينها بريطانيا والولايات المتحدة، الأربعاء (23 سبتمبر 2020)، تشكيل حزب معارض، في أول تحرّك سياسي منظم ضد السلطة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز.
ويستهدف الحزب إنهاء الملكية المطلقة والانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي، ورغم أنه لا يمثل تهديداً كبيراً فإنه يعتبر خطوة غير مسبوقة في تاريخ بلد يعرف بأنه أقوى الملكيات في العالم العربي.
ويقود الحزب الناشط الحقوقي المقيم في لندن يحيى عسيري، ومن بين أعضائه الأكاديمية مضاوي الرشيد، والباحث سعيد بن ناصر الغامدي، وعبد الله العودة، المقيم في الولايات المتحدة، وعمر بن عبد العزيز المقيم في كندا.
لا دور أمريكي
وقال يحيى عسيري، الأمين العام للحزب، لوكالة "فرانس برس": "نعلن انطلاق هذا الحزب في لحظة حرجة لمحاولة إنقاذ بلادنا.. لتأسيس مستقبل ديمقراطي والاستجابة لتطلعات شعبنا".
ومن غير المعروف إن كانت هذه التحركات المعارضة تحظى بدعم أو تأييد داخلي أم لا. لكن الأكيد أن حملة تكميم الأفواه التي طالت جميع المعارضين سيكون لها مردودها السلبي في داخل البلاد.
كما أن هذه التحركات تتزامن مع تصاعد قضية المسؤول المخابراتي السعودي السابق سعد الجبري، الذي قلب الطاولة إلى حد ما على الحاكم الفعلي للرياض، بعدما اتهمه بمحاولة قتله مرتين على غرار خاشقجي، وقدم شكوى ضده أمام محكمة أمريكية.
ويرى المعارض السعودي عبد الله الجريوي أن المعارضة السعودية موجودة في الخارج والداخل منذ قيام الدولة السعودية الثالثة، ولكن تختلف الأسماء والأهداف.
واعتبر في حديث مع "الخليج أونلاين" أنه "بالنسبة لواشنطن ليس لها علاقة في عمل المعارضة في الموافقة أو الرفض"، في إشارة لغياب التنسيق أو أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة على تشكيل الأحزاب المعارضة خارج المملكة.
وأوضح أنه "متفائل جداً بهذا الحزب الذي خرج في لحظة حرجة شعر فيها البعض بالإحباط من مستقبل الوطن، فتشكيل حزب مثل حزب التجمع الوطني الذي يجمع الآن عدداً كبيراً من المعارضين السعوديين في الخارج، ولديه مشروع وطني واضح، مؤشر جيد ومطمئن سواء لشعبنا في الداخل أو لدول العالم، وحتى المعارضين الجدد بوجود تشكيل يجمع الأغلبية تحته ويوحد عملهم ورؤيتهم لمستقبل الوطن وإنقاذه".
وتابع بالقول: "بالطبع إذا كانت السلطة السعودية تستهدف المعارضين وهم أفراد فكيف في حال توحدهم في مشروع وطني ديمقراطي واضح جامع لجميع فئات المجتمع دون تمييز فئة على أخرى أمام تخبط وتناقض السلطة السعودية نفسها؟ فضلاً عن أنها لا تملك مشروعاً وطنياً حقيقياً".