جيمس م. دورسي - ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد-
أطلقت الإمارات خلال العقدين الماضيين واحدة من أنجح حملات الترويج في الشرق الأوسط، بل إنها ربما تكون الأنجح على الإطلاق، بمساعدة بعض أفضل شركات العلاقات العامة والاستشارات في العالم.
وتعززت الحملة من خلال طرح المبادرات التكنولوجية والاقتصادية؛ مع سياسة خارجية جريئة وحازمة تدعمها العضلات المالية والعسكرية الإماراتية؛ ودرجة من التنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط؛ بالإضافة إلى سياسات ليبرالية اجتماعية تجعل الإمارات الوجهة المرجوة للشباب العرب والمغتربين غير العرب؛ وتبني قيم التسامح الديني، وتقديم الإمارات كمحطة رئيسية في جهود المساعدات الإنسانية العالمية.
ولفترة طويلة، نجح هذا الترويج في تشتيت انتقادات انتهاكات الإمارات لحقوق الإنسان محليًا؛ ومراقبتها للمعارضين من الصحفيين والعلماء والناشطين داخل الإمارات وفي الخارج؛ بالإضافة إلى دعمها للميليشيات في ليبيا واليمن والشركات العسكرية الروسية الخاصة في ليبيا؛ واستعدادها للمخاطرة بتشجيع الإسلاموفوبيا عبر جهود الضغط في أوروبا لتحقيق حملة قمع للإسلام السياسي غير العنيف.
لكن سلسلة من النكسات في الأسابيع الأخيرة تهدد حملات الإمارات التي كلفتها عقدين من الزمان وملايين الدولارات، بعد 15 عاما من الدروس التي تعلمتها من إخفاق عام 2006 عندما سعت شركة "موانئ دبي العالمية" للاستحواذ على شركة "شبه الجزيرة والشرقية للملاحة البخارية" (P & O).
فقد أثار الاستحواذ آنذاك جدلًا متعلقًا بالأمن القومي في الولايات المتحدة، وشكك الكثيرون في تسليم إدارة 6 موانئ أمريكية رئيسية لشركة شرق أوسطية كجزء من الاستحواذ، وبالتالي أجبر النقاش المُذلّ شركة "موانئ دبي العالمية" على بيع الجزء الأمريكي من الاستحواذ الذي ينطوي على إدارة الميناء إلى شركة تمويل وتأمين أمريكية.
سلسلة نكسات خطيرة
وفي وقت سابق من هذا الشهر، صوت البرلمان الأوروبي البالغ عدده 705 عضوا (في أقسى ضربة لحملة الإمارات للترويج لنفسها) بعدد 383 صوتًا مقابل 47 صوتا على قرار يحث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والرعاة الدوليين المحتملين على مقاطعة معرض "دبي اكسبو 2020" الشهر المقبل "من أجل الإشارة إلى رفضها لانتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات".
كما طالب القرار غير الملزم بالإفراج الفوري عن الناشطين الإماراتيين المسجونين "أحمد منصور" و"محمد الركن" و"ناصر بن غيث"، وعلاوة على ذلك، فقد أشار القرار لانتهاكات الإمارات لحقوق المرأة والعاملين الأجانب والسجناء على الرغم من التقدم الكبير على الأقل فيما يتعلق بحقوق المرأة.
كما فشلت الإمارات بعد عام من إنشاء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في إثبات ادعائها بأن خطوتها الجريئة تلك ستقدم حلًا سلميًا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" مؤخرا إلى عدم اهتمامه بالتفاوض على تسوية ومعارضته لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة في خطابه هذا الأسبوع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم ينطق "بينيت" بكلمة فلسطين مرة واحدة حتى وأشار إلى القضايا المتعلقة بفلسطين فقط في سياق التهديد الذي تشكله "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة.
هناك أيضًا العقبة البيئية التي تعرضت لها آمال الإمارات في تصدير النفط إلى أوروبا عبر خط أنابيب إسرائيلي معرض للتسريب، فقد وافقت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو" على اتفاق بين شركة "خط أنابيب أوروبا آسيا" الإسرائيلية المملوكة للدولة وتجمع شركات إماراتية إسرائيلية لضخ النفط الإماراتي من ميناء إيلات على البحر الأحمر إلى عسقلان على البحر الأبيض المتوسط حيث يتم شحنه إلى أوروبا.
وواجه المشروع معارضة هيئة الطبيعة والمنتزهات الإسرائيلية والمجموعات البيئية والعلماء والمقيمين المحليين الذين يخشون تكرار أكبر كارثة بيئية في إسرائيل حدثت منذ 6 سنوات بسبب تسرب في خط الأنابيب، ووقع الآلاف على عريضة ضد الصفقة، كما تظاهر المئات ضدها يوم الجمعة الماضي في جميع أنحاء إسرائيل.
وقال وزير الخارجية "يائير لابيد"، الذي كان منزله في تل أبيب واحدًا من 50 مكان تجمع استهدفه المحتجون، إن الحكومة تحقق في الصفقة.
وصرح قائلًا: "على الإمارات والوزارات الحكومية ذات الصلة والمنظمات البيئية أن تعرف أن فحصًا شاملًا عميقًا يتم تنفيذه قبل التوصل إلى القرارات، سنضمن ألا يحاول أحد الموافقة على قرار بشكل سري بينما يجرى الفحص".
التجسس على المعارضين
وتلطخت صورة الإمارات مرارا وتكرارا بفعل ادعاءات استخدامها برامج إسرائيلية وتوظيفها لمسؤولي المخابرات الأمريكية السابقين للتجسس على المعارضين الإماراتيين وغير الإماراتيين.
واكتسبت هذه الادعاءات أهمية أكبر مع اعتراف 3 عناصر مخابرات سابقين لوزارة العدل الأمريكية بأنهم قاموا بعمليات اختراق نيابة عن الإمارات، بالإضافة إلى قضية "توماس باراك"، رئيس لجنة تنصيب "دونالد ترامب" في 2016، والذي اتهم بعدم التسجيل كوكيل أجنبي نيابة عن الإمارات، إلى جانب دليل جديد على التجسس الإماراتي على المعارضين في بريطانيا.
ووجهت اتهامات إلى "باراك" بأنه كُلف من قبل كبار مسؤولين إماراتيين غير محددين (بما يشمل ولي العهد محمد بن زايد وشقيقه الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي للإمارات؛ وعلي محمد حماد الشامسي مدير المخابرات الإماراتية).
وذكرت وكالة "بلومبرج" كذلك أن الاتهام يشير أيضا إلى "يوسف العتيبة"، سفير الإمارات في الولايات المتحدة، لكنه يحدده فقط باسم "مسؤول إماراتي 5".
ولم يتم توجيه الاتهام إلى أي من المسؤولين الإماراتيين المشار إليهم في لائحة الاتهام، وأقر "باراك" بأنه غير مذنب.
وهذا الأسبوع، أصبح سجل حقوق الإنسان في الإمارات مسألة مناقشة عامة في أستراليا عقب الفيلم الوثائقي لبرنامج "4 زوايا"، وهو برنامج بارز لشبكة "ABC" الأسترالية، فقد ركز على المالكين الأجانب لأندية كرة القدم الأسترالية، بمن فيهم الشيخ الإماراتي "منصور بن زايد"، وهو شقيق ولي العهد الإماراتي والمالك لـ"مجموعة سيتي" لكرة القدم، التي استحوذت على نادي "ملبورن سيتي".
وقضى برنامج "4 زوايا" نصف برنامجه البالغ 42 دقيقة وهو يدقق في سجل حقوق الإنسان الإماراتي، مراجعًا الأحداث عبر عقد من الزمان، بالإضافة لتناوله شؤون كرة القدم.
وقال دبلوماسي أوروبي: "تمتعت الإمارات باهتمام إيجابي لفترة طويلة مدهشة، لكن الغيوم بدأت في التجمع، هناك أشياء يمكن للإمارات القيام بها لإبعاد الغيوم، ومع ذلك، فلا مؤشرات على أن الإمارات تتقبل أن مخاوف الناس لن تختفي، وربما تعتقد بأنه لا قيمة كبيرة لهذه المخاوف بالنظر لتوسع نفوذ الصين وروسيا، ومع إن هذا قد يكون هذا صحيحا، إلا إن العكس أيضًا قد يكون صحيحا".