مجتمع » حريات وحقوق الانسان

منح الجنسية جزء من تدافع دول الخليج لتنويع الاقتصاد.. وطريق الجنسية مسدود أمام غالبية الوافدين

في 2021/12/11

مجلة “إيكونوميست”-

تناولت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير خطوات دول في الخليج تجنيس أعداد من الوافدين بناء على اعتبارات الكفاءة والمؤهلات وليس بناء على فترة العمل والخدمة التي قدمها الوافد للبلد الخليجي المعين.

وجاء في تقريرها أن كمال سيضطر قريبا إلى المغادرة، فقد عمل الوافد الهندي بوظائف مكتبية في البحرين منذ التسعينيات. وحصل على أجور جيدة كانت كافية لأن يدخل أطفاله بالمدرسة وتوفير شيء من المال وبدأ التقاعد يلوح في الأفق. ومع ذلك، فهو يرى أن هذا الاحتمال مقلق، إنها تعني تذكرة ذهاب فقط للعودة إلى مكان لم يعيش فيه منذ عقود. ويقول: “سأترك مكانا به كل ذكرياتي لبلد لا أعترف به”.

وتعلق أن مثل هذه القصص شائعة في الخليج، فمن بين 59 مليون شخص يعيشون في مجلس التعاون الخليجي المكون من ستة أعضاء، نصفهم تقريبا من الأجانب، يبقى البعض لبضع سنوات ويقضي الآخرون حياتهم العملية كاملة هناك. ومع ذلك، يصل الجميع تقريبا على أساس أنه يجب عليهم المغادرة في نهاية المطاف.

ولطالما شعرت دول الخليج بالقلق من فكرة منح الجنسية للمغتربين. ويخشى السكان المحليون من تغير هويتهم الوطنية لو قامت الحكومة بمنح حق الجنسية للوافدين. وهي بالضرورة، ليست حريصة على تقديم خدمات مكلفة للأجانب. وبالنسبة لمعظم الأجانب، تنطوي الحياة في الخليج على سلسلة من تأشيرات العمل قصيرة الأجل وتقوم على فكرة: عندما تتوقف إنتاجيتك، تنتهي إقامتك.

إلا أن الوضع هذا يتغير ببطء، ففي كانون الثاني/ يناير، أعلنت الإمارات أنه يمكن ترشيح بعض الأجانب، مثل الأطباء والمخترعين والعلماء، للحصول على الجنسية. وقالت السعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر إنها قامت بتجنيس عدد غير معروف من الوافدين. وتقدم معظم دول الخليج الآن تأشيرات إقامة طويلة الأمد لا تتطلب عملا. ويسمح مخطط جديد في الإمارات للوافدين بالتقاعد في الدولة بدلا من العودة إلى الوطن.

كل هذا لا يعتبر “طريقا إلى المواطنة” كما قد تحدده العديد من الديمقراطيات الليبرالية.

فقط مجموعة النخبة مؤهلة: يمكن للعالم الموهوب أن يصبح مواطنا إماراتيا، لكن ليس العامل الذي ينظف له مختبره. وتظل الأرقام صغيرة، حيث ستجنس الإمارات العربية المتحدة حوالي 1000 شخص فقط في السنة، أو 0.01% من سكانها. ترتبط التأشيرات طويلة الأجل بالثروة، ومشروطة بمتطلبات الدخل أو الاستثمار التي تعني استبعاد معظم العمال.

ولكنها تظل خطوات صغيرة تكسر المحرمات التي طالما كانت مفروضة.

ففي عام 2013، نشر سلطان القاسمي، أحد أفراد الأسرة الحاكمة في الشارقة، مقال رأي حث فيه الدولة على تجنيس الأجانب الموهوبين، فتسبب في ضجة. ورد العديد من الإماراتيين على مواقع التواصل الاجتماعي بعلامة تصنيف “هذا الكاتب لا يمثلني”.

وتثير الخطوات أسئلة معقدة حول الجنسية والهوية في دول مجلس التعاون الخليجي. حتى بالنسبة للخليجيين المولودين (عرب الخليج)، فإن الجنسية ليست حقا يتمتع به على قدم المساواة. إذا تزوج البحريني من أجنبية، فيجوز لزوجته التقدم بطلب للحصول على جنسيته ويرثها أطفاله تلقائيا. ومع ذلك، فالعكس لا يضمن نفس الحقوق. عندما تتزوج امرأة خليجية من أجنبي، يعامل أطفالها عادة كأجانب. يجوز للأم في البحرين كفالة معالين حتى سن الثامنة عشرة وتجدد أوراقهم كل سنتين. بعد ذلك، يجب على الأطفال تأمين إقامتهم أو المغادرة.

ويقول علي الدرازي، رئيس وكالة حقوق الإنسان التي تديرها الدولة في البحرين: “يمكنك أن تتخيل أن هذه القضية تؤدي إلى الكثير من الشكاوى”.

وأثار مخطط الجنسية الجديد في الإمارات نقاشا نادرا حول مثل هذه الأشياء. ونشرت جواهر القاسمي زوجة حاكم الشارقة تعليقا مقتضبا على تويتر: “تجنيس أبناء المواطنات. هذا طلب”. وعبر إماراتيون آخرون عن مشاعر مماثلة. وكما يوجد في العديد من دول الخليج سكان ما يسمى البدون، أي بلا جنسية. وهم الذين لم يسجلوا كمواطنين عند الاستقلال. الكويت لديها ما لا يقل عن 100.000 منهم. وهم مستبعدون بشكل عام من الوظائف الجيدة والخدمات الاجتماعية. وسيحصل المواطنون الجدد على حقوق محرمة على بعض المواطنين لمدة نصف قرن. ويتمتع الأجانب المتجنسون في الإمارات بحرية العيش والعمل في دولة غنية، والسفر بجواز سفر يصنف على أنه أحد أكثر جوازات السفر فائدة في العالم. لكن الحكومة غامضة بشأن ما إذا كانوا سيتمتعون بامتيازات أخرى. ويتلقى الإماراتيون المولودون في البلاد كل شيء من خطط الهواتف المحمولة الأرخص ثمنا إلى قروض الإسكان بدون فوائد. ويحصل البعض على منح تصل إلى 70 ألف درهم (19 ألف دولار) عند الزواج.

وإذا كانت الحقوق غير واضحة، كذلك المسؤوليات. منذ عام 2014، طلب من الرجال الإماراتيين أداء الخدمة العسكرية. لا يوضح القانون ما إذا كان المواطنون المتجنسون (أو أحفادهم) يواجهون نفس العبء – وربما ليس كذلك، حيث يبدو أنه لا يوجد شرط بإلمامهم بالعربية. وسيسمح لهم بالاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية، في حين لا يمكن للإماراتيين المولودين في البلاد حمل جواز سفر ثان. ويشعر البعض بالقلق من أن الحكومة قد خلقت نموذجا من مستويين للمواطنة.

ويعتبر قانون الجنسية جزء من حزمة إصلاحات شاملة نفذتها دولة الإمارات خلال العام الماضي. ويمكن للأزواج غير المتزوجين الآن العيش معا بشكل قانوني ويمكن للمسلمين أن يشربوا الخمر.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، قررت العاصمة أبو ظبي السماح بالزواج المدني لغير المسلمين، كما وأعلنت دولة الإمارات في 7 كانون الثاني/ ديسمبر أنها ستحول القطاع العام إلى أسبوع العمل من الاثنين إلى الجمعة، حيث كان من الأحد إلى الخميس، مما يجعله متزامنا مع معظم دول العالم (ولكن بعيدا عن العديد من الدول العربية). وجزء كبير من هذا يضفي الشرعية على الواقع: هناك الكثير من المتعايشين العازبين والمسلمين الذين يشربون الخمر في دبي. ومع ذلك، جاءت التغييرات مع القليل من النقاش العام في بلد يكاد يكون فيه مجال النقد غير موجود.

والشيء نفسه ينطبق على مخططات التجنس. حتى قبل طفرة النفط، كانت المدن الساحلية في الخليج وطرق الحج بمثابة بوتقة تنصهر فيها مختلف الثقافات. تضم مواطنيهم اليوم عددا كبيرا من السكان العجم، الذين ينحدر أسلافهم من بلاد فارس، والعرب المنحدرين من أصل إفريقي، وهم أحفاد من جلبوا من شرق إفريقيا إلى المنطقة كعبيد. وكان التنوع، ولا يزال، أحد نقاط القوة في المنطقة. لكن بدرجات متفاوتة، يعيش السكان المحليون بمعزل عن الأجانب في وسطهم. لباسهم مميز ويعملون في الغالب في القطاع العام. لا أحد يعرف كيف سينسجم المواطنون الجدد مع هذه البيئة.

على الرغم من أنهم كسروا أحد المحرمات، إلا أن حكام الخليج لم يغيروا الميثاق الاجتماعي الذي يتعامل مع الجنسية على أنها هدية تمنح لمن هو جدير من السكان. وقد قاموا الآن بتوسيع مجموعة السكان الجديرة بالجنسية من أجل جذب الأجانب الموهوبين والاحتفاظ بهم – وهو جزء من تدافع أوسع لتنويع الاقتصادات النفطية. بالنسبة لمعظم الأجانب والعديد من السكان المحليين، سيظل الطريق إلى الجنسية مسدودا.