متابعات-
كشف موقع أمريكي أن دولة الإمارات العربية المتحدة أنفقت مليارات الدولارات من أجل تمويل "حملات السعادة"؛ لتلميع صورة البلاد وإظهارها بأنها راعية "الفرح" واحترام حقوق الإنسان.
وذكر "إنترسبت"، في تقرير له، أن الاقتصادي الأمريكي "جيفري ساكس"، المعروف بعلاقاته داخل الأمم المتحدة، لعب دورا في إعداد تقارير تصنف أبوظبي في مصاف "الدول السعيدة" عبر العالم.
وأوضح أن "ساكس"، الذي يرأس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، تلقى 3 ملايين دولار على الأقل من الإمارات، واستخدم المبلغ لتمويل العمل على تقرير السعادة العالمي، وهو تصنيف سنوي لجودة الحياة في الدول، إلى جانب التقرير العالمي لسياسات السعادة، الذي يُقدم مجموعةً من التوصيات السياسية المصاحبة للتصنيف.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن حكومة الإمارات تبرعت بمبلغ 200 ألف دولار لصالح جامعة كولومبيا؛ من أجل أبحاث السعادة.
وتُؤكد سجلات إنفاق معهد الأرض، وهو معهد بحثي كان يرأسه "ساكس" بجامعة كولومبيا، أن المعهد تلقى تمويلاً إماراتياً، لكن المتحدث باسم الجامعة رفض الإفصاح عن حجم التمويل، وفقا لما أورده "إنترسبت".
والإمارات عبارة عن اتحاد فيدرالي من 7 إمارات تُحظر فيها الأحزاب السياسية، لكنها عادةً ما تحتل مراكز أعلى من بعض الدول الأوروبية على مؤشر السعادة، وهي النتائج التي تحتفي بها حكومة أبوظبي ووسائل الإعلام المحلية.
ويُعتبر "ساكس" (67 عاماً) من أشهر أنصار أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وأحد المكلفين بالترويج لأهدافٍ مثل: تعزيز الوصول للتعليم، ومحاربة أزمة المناخ، والقضاء على الجوع في العالم بحلول 2030.
لكن الوجه الآخر لـ"ساكس" برز في استهانته مؤخراً بالمخاوف إزاء حملة الصين القمعية في "هونج كونج" و"سنجان"، وزيارته الرياض عام 2020، بعد 16 شهراً من تقطيع أوصال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"؛ للحديث في مؤتمر تستضيفه شركة استثمار سعودية.
ولشبكة حلول التنمية المستدامة مراكز تابعة في الإمارات والصين، كما أن مجلس إدارة المنظمة غير الربحية يضم في عضويته مسؤولين رسميين من البلدين.
وفي هذا الإطار، قال "آرييه نير"، أحد مؤسسي منظمة "هيومن رايتس ووتش"، والذي أشرف على تمويل جهود "ساكس" مطلع الألفية: "لَطالما ساورني شعورٌ بأن جيفري ليس شخصاً مهتماً بحقوق الإنسان، وأنّه لطالما كان من المدافعين عن الحكومات المتعسفة".
لكن "ساكس" يرفض هذه الادعاءات، واصفا الدعم المالي الإماراتي بأنه "مساهمة في جهود الأمم المتحدة لنشر استخدام مؤشرات وأهداف السعادة والرفاه في تصميم سياسات التنمية الوطنية على مستوى العالم".
وبدايةً من عام 2016، اتجه قادة الإمارات صوب إنشاء وزارتين للتسامح والسعادة، كما بدؤوا في تمويل أبرز المفكرين العالميين؛ لدراسة علم الشعور بالنعيم وخباياه النفسية.
لكن "بالنسبة للنساء اللاتي يعشن كمواطنات من الدرجة الثانية، والناشطين الذين يقضون سنوات في السجن بسبب منشورات على فيسبوك؛ فإن الإمارات ليست مكاناً سعيداً بالطبع"، بحسب "إنترسبت"، الذي أشار إلى فرار نجلة حاكم دبي من الإمارات على متن دراجةٍ مائية، في أوائل عام 2018، بمساعد مدربها الفنلندي لرياضة الكابويرا وجاسوسٍ فرنسي سابق.
ففي مقطع فيديو، اتهمت الشيخة "لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم" والدها باحتجاز شقيقتها قبل سنوات، وتقييد أبسط حرياتها الأساسية.
وانتهى الأمر بمواجهةٍ دراماتيكية في المياه الدولية، شهدت اجتياح القوات الخاصة الهندية لليخت الذي كانت "لطيفة" تختبئ على متنه، قبل قيامهم باعتقالها وتسليمها للسلطات الإماراتية.
وكانت هذه الواقعة أشبه بصيحة استفاق معها كثيرون على حقيقة القمع في الإمارات، لكن "ساكس" كان -ولا يزال- يحصل على الأموال من والد الشيخة "لطيفة" شخصيا، لتمويل الأبحاث عن "السعادة" التي حاولت الأميرة الهاربة يائسةً أن تعثر عليها.
وتأتي غالبية أموال الإمارات، التي تذهب لدعم أعمال "ساكس" على السعادة من مكتب حاكم دبي، الذي سبق أن تبرع بها لشبكة حلول التنمية المستدامة بين عامي 2017 و2021.
وأدرجت المنظمة غير الربحية اسم "مكتب رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة" على قائمة المتبرعين في موقعها الإلكتروني، إلى جانب نحو 20 آخرين.
وبعد فرار الشيخة "لطيفة"، حصلت شبكة حلول التنمية المستدامة على مليون دولار على الأقل من مكتب "محمد بن راشد".
ولا يحصل "ساكس" على أجرٍ شهري من الشبكة بحسب نماذجه الضريبية، لكن المنظمة غير الربحية ساعدت في تمويل أبحاثه بجامعة كولومبيا وفقاً لسجلات إنفاق معهد الأرض وإقراراته الضريبية.
وتُشير النماذج الضريبية لعامي 2017 و2018، التي تم تقديمها إلى المحامي العام لولاية نيويورك، إلى أن الإمارات كانت ثاني أكبر المتبرعين الحكوميين لشبكة حلول التنمية المستدامة خلال العامين، فيما حلت الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي في المرتبة الأولى.
ويموّل مجلس الإمارات للتنافسية بشكل منفصل أبحاث معهد الأرض منذ عام 2013 على الأقل. وقد تنحى "ساكس" عن رئاسة المعهد عام 2016؛ من أجل قيادة منظمةٍ أصغر تحت مظلته، وهي مركز التنمية المستدامة.
وفي البداية، كانت تبرعات الإمارات لمعهد الأرض وشبكة حلول التنمية المستدامة تذهب للعمل على مؤشر السعادة العالمي، حيث يُحتسب التصنيف بناءً على بيانات استطلاع الرأي العالمي لمؤسسة جالوب.
وتحتل دول شمال أوروبا عادةً قمة التصنيف، لكن اختيارات أسفل القائمة لا تُحاسب الحكومات على القمع، لدرجة أن بعض الدول شديدة الفساد تحتل مراكز جيدة نسبياً.
وشهد آخر تقرير مثلاً احتلال السعودية مرتبة أعلى من إسبانيا، وتفوّق البحرين على اليابان، فيما احتلت الإمارات المرتبة الـ19 من أصل 95 دولة في السعادة العامة.