مجتمع » حريات وحقوق الانسان

مجلس الأمة في الكويت: القفز بالمرأة إلى الوراء

في 2022/03/08

سامية الجبالي- البيت الخليجي-

أجواء مرحبة أحاطت قرار وزير الدفاع الكويتي الشيخ حمد جابر العلي السماح للنساء الكويتيات الالتحاق بالقوات العسكرية في الجيش الكويتي. في المقابل، فإن إخضاع وزير الدفاع للإستجواب في مجلس الأمة والتلويح بسحب الثقة منه على خلفية القرار ومن ثمّ قراره تأجيل إقامة الدورة التدريبية للدفعة النسائية الأولى إلى حين الحصول على رأي شرعي رسمي في هذا الخصوص، يعكس صورة معاكسة للمساواة ويحيل على هيمنة رجال الدين والقبائل على المجلس وتسلطهم على قراراته، كما أنه يكشف الجانب المخفي في الممارسة الديمقراطية الذي خوّل لبعض أعضاء مجلس الأمة الرجوع بالمرأة الكويتية سنوات إلى الوراء.

ويكشف موقف النواب الرافضين لقرار وزارة الدفاع السماح بدخول المرأة الكويتية إلى السلك العسكري واعتباره “أمرا معيبا” يخالف الشرع والتقاليد و”يتنافى مع فطرتها”، الخلفية الثقافية والعقائدية التي يتبنونها، وهي بطبيعة الحال نتيجة واحدة ضمن نتائج تركيبة المجلس التي تخلو حاليا من العنصر النسائي والتي ضمت في تركيبته السابقة إمراة واحدة لا غير، على الرغم من أن المرأة الكويتية تتمتع بحق الانتخاب والترشح منذ العام 2005.

وللإشارة فإنّ موضوع انخراط المرأة في الجيش الكويتي ليس جديدا بل يعود طرحه إلى العام 2018، عندما تقدّمت النائب صفاء الهاشم، وقد كانت آنذاك المرأة الوحيدة في مجلس الأمة الكويتي، بمشروع قانون يخوّل للمرأة الكويتية الإنخراط في صفوف الجيش الوطني. وقد حضي هذا المشروع بتأييد وزير الدفاع الكويتي السابق، الشيخ ناصر الصباح.

وفي منتصف شهر ديسمبر الماضي، أعلن الجيش الكويتي انطلاقه في تسجيل النساء الراغبات الالتحاق بصفوفه، في سابقة في تاريخ البلاد. ورغم أن وزارة الدفاع ذكرت في بيانها أن التحاق النساء بالقوات العسكرية ليس إجباريا وأنه تطوّع للراغبات من الفتيات من عمر18 إلى عمر 26، إلا أن القرار أثار جدلا واسعاً داخل قاعة عبدالله السالم.

ولم يكن اعتراض النواب الإسلاميين على التحاق المرأة الكويتية بالجيش الأول من نوعه، فقد سبق لهم العام الماضي أن مارسوا العديد من الضغوطات على الحكومة من أجل التراجع عن السماح للمرأة الكويتية بتولّي مناصب قضائية معلّلين ذلك بعدم “جوازه في الشريعة الإسلامية” وبضرورة اقتصاره على الذكور دون الإناث، مؤكّدين في مقترح التعديل القانوني على المادة ١٩ أنه “لمّا كان تولّي أمر القضاء يعتبر من قبيل الولاية العامة، والقاعدة الشرعية أنه لا ولاية للمرأة على الرجل، ووفقا لفتوى هيئة الفتوى العامة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم 24 هـ2012 م بمنع تولي المرأة القضاء، وعدم جوازه في الشريعة الإسلامية، جاء التعديل على المادة رقم 19 التي تحدد الشروط الواجب توافرها في من يتولى وظيفة القضاء بقصر توليها على الرجال الكويتيين فقط”.

ولم يفلح النواب الإسلاميون آنذاك في الضغط على الحكومة ونجحت ثمان قاضيات سنة 2020 في أداء اليمين القانونية أمام رئيس المجلس الأعلى للقضاء لتصبحن بذلك أول قاضيات في تاريخ الكويت.

مجلس الأمة: روح شبابية بفكر قبلي

يبدو أن غياب المرأة عن مجلس الأمة فتح المجال أمام أعضائه للسير قدما في طريق الحدّ من حرياتها وسلبها حقوقها والحيلولة دون حصولها على مكاسب جديدة، إذ تتالت محاولات الوقوف أمام كل القرارات التي تصب في مصلحة المرأة الكويتية والتي تمكّنها من مكاسب ناضلت ولا تزال سبيل الحصول عليها.

ورغم أن الكثيرين استبشروا خيرا من التركيبة الحالية للمجلس التي تطغى عليها الصبغة الشبابية ذلك أن ثلاثين عضوا من مجموع النواب هم دون سن الخامسة والأربعين وهو ما اعتبر مؤشرا إيجابيا إبّان الإعلان عن نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة في الكويت وإعلانا بأن روحا شبابية وإجراءات إصلاحية ستطغى على المجلس، لكن واقع الحال يؤكّد عكس ذلك تماما فأغلب القرارات تصبّ في خانة الحدّ من الحرّيات وخصوصا منها تلك المتعلّقة بالمرأة.

ويستغلّ المجلس في ذلك السلطات التي تخوّله إقرار القوانين ومنع صدورها وخصوصا صلاحية استجواب رئيس الوزراء والوزراء والتصويت على سحب الثقة عن كبار مسؤولي الحكومة، وهي النقطة التي يعتبرها الكثيرون استخداما للوسائل الدستورية في خدمة أجندات خاصة ترضي الجهات التي ينتمي إليها النواب المنتخبون.

وللإشارة فإن مجلس الأمة الكويتي يتألّف من خمسين عضوا يتوزعون على خمسة دوائر ووفقا لقانون الإنتخاب تقسّم الكويت إلى 5 دوائر وينتخب 10 نواب عن كل دائرة ويحق لكل ناخب التصويت لمرشح واحد ضمن دائرته وعليه فإن الانتخابات تتمّ وفق الانتماء الديني والمذهبي وخصوصا القبلي ويصبح بذلك النواب مجبورين على إرضاء ناخبيهم، وعلى ما يبدو أن تعزيز حضور القبائل والعائلات الصغيرة داخل قبة مجلس الأمة من خلال قانون الصوت الواحد لم ينجح إلا في تعزيز آليات العمل لفائدة القبيلة أو الطائفة والقفز بالحريات التي يكفلها الدستور إلى الوراء.

وعلى الرغم من التطورات التي عرفتها دولة الكويت على مستوى التشريعات إلا أن المجتمع الكويتي مايزال محكوما بقيود التقاليد والأعراف وتشدّد الإسلاميين وسيطرة الفكر القبلي التي تعرقل تقدّم المرأة وحضورها داخل مؤسسات الدولة وفاعلية دورها في المجتمع. وهو ما يعيدنا إلى التساؤل عن أهمية إقرار كوتا نسائية في الانتخابات وحث النساء الكويتيات على تخطي المحددات القبائلية والطائفية في التصويت بالتوازي مع تراجع القوى الليبرالية والعلمانية وتواضع آدائها السياسي في السنوات الأخيرة مقارنة بنمو تنظيمات الإسلام السياسي المتحالفة مع الحالة القبلية وهيمنتها على نتائج انتخابات مجلس الأمة.