DW - عربية-
تعتزم شركة "جوجل إنشاء "منطقة سحابية" في السعودية، وتؤكد أنها سوف تحمي بيانات المستخدمين. بيد أنه وبالرغم من تطمينات الشركة، يحذر نشطاء ومنظمات حقوقية من أن خطط "جوجل" ستشكل خطرا على حياة المعارضين في السعودية.
عندما يتطرق الحديث إلى التجسس الرقمي، فإن السعودية تمتلك سجلا سيئا. فقد أفادت تقارير بأن الحكومة السعودية استخدمت برنامج التجسس السيئ السمعة "بيجاسوس" عام 2018 للتجسس على أفراد من عائلة الصحفي المعارض "جمال خاشقجي" الذي قُتل في ذلك العام داخل القنصلية السعودية في تركيا.
وبعد ذلك بعام، اتهم موظفان سعوديان سابقان كانا يعملان في شركة "تويتر" في الولايات المتحدة، باستخدام الموقع للكشف عن الأصوات التي تنتقد الحكومة على المنصة ذات الانتشار الكبير.
وشهد العام الماضي صدور حكم بالسجن لمدة 20 عاما ضد عامل إغاثة سعودي يدعى "عبدالرحمن السدحان" بسبب سخريته من الحكومة عبر نشره تغريدات فيما يُعتقد أن قضيته مرتبطة باختراق الحكومة لموقع "تويتر".
وعندما يأتي الحديث عن محرك البحث العملاق "جوجل" الأكثر استخداما في العالم، تؤكد الشركة على أنها تحمي بيانات المستخدمين، لكن ظهرت على الساحة مؤخرا خلافات بين الشركة وحكومات استبدادية.
مشاكل في الصين
يشار إلى أنه عندما دخلت "جوجل" السوق الصينية للمرة الأولى عام 2006، تعرضت الشركة الأمريكية لانتقادات من نشطاء إزاء مزاعم بفرض رقابة على عمليات البحث الخاصة بمحتويات تنتقد الحكومة الصينية.
وقد ذكرت مجلة "إم. آي. تي. تكنولوجي ريفيو" التابعة لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا في ديسمبر/كانون الأول عام 2018 أنه بين عامي 2009 و2010 تعرضت "جوجل" لهجوم إلكتروني أطلق عليه اسم "عملية أورورا" لاستهداف كل شيء خاصة بجوجل بداية من حقوق الملكية الفكرية وحتى حسابات البريد الإلكتروني لنشطاء حقوقيين صينيين.
وعلى وقع ذلك، انسحبت "جوجل" من السوق الصينية. ورغم ذلك، انتظرت الشركة حتى عام 2019 لتعلن إغلاق مشروع محرك البحث الصيني "دراجون فلاي" الذي اتسم بالسرية والخاص بنتائج البحث المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية والدين وأشكال الاحتجاجات على الأوضاع السياسية في الصين.
وفي الوقت الراهن، خرجت "جوجل" لتعلن أنها ترغب في إنشاء "منطقة سحابية" في السعودية، ما أثار قلق نشطاء يدافعون عن الخصوصية في العصر الرقمي و31 منظمة حقوقية من بينها "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش".
وقالت المنظمات في بيان نُشر العام الماضي إن "الخطوة الجديدة المزعجة التي أعلنتها جوجل تثير مخاوف من أن هذه المنطقة السحابية سوف تعطي الحكومة نفوذا أكبر في تسهيل انتهاكات حقوق الإنسان أكثر".
وفي ذلك، قالت "لورا أوكونين" من منظمة "أكسس ناو" (Access Now) الدولية المدافعة عن الحقوق الرقمية للمستخدمين والتي تقف وراء هذه الحملة، إن إنشاء منطقة سحابية في السعودية "سيشكل خطرا على حياة الناس".
قلق النشطاء
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل طرحت مجموعة من النشطاء بدعم من منظمة "أكسس ناو" قرارا يمهد الطريق أمام المستثمرين في "جوجل" للتصويت على خططها في السعودية خلال الاجتماع العام السنوي لشركة "ألفابت Alphabet Inc" المالكة لـ"جوجل" الذي عُقد في الأول من يونيو/حزيران الجاري.
ودعا الاقتراح إلى تكليف "جوجل" بإعداد تقرير لتقييم إنشاء "مراكز بيانات سحابية في بلدان بها قلق كبير حيال قضايا حقوق الإنسان". وقد حظي المقترح بدعم أكثر من 57% من المساهمين المستقلين الذين حضروا الاجتماع من أجل اعتماد القرار، بيد أن الإدارة التنفيذية في شركة "جوجل" كانت أكثر غلبة خلال التصويت، ما أدى إلى رفض القرار.
وعندما طلبت DW الحصول على تعليق من "جوجل"، لم تشر الأخيرة مباشرة إلى هذه القضية، لكنها أرسلت بيانا نُشر على مدونة الشركة يعود لشهر ديسمبر/كانون الأول العام الماضي يشير إلى المضي قدما في إنشاء "مركز بيانات سعودي" في الدمام.
ورغم وضوح القضايا السياسية حيال إنشاء "منطقة سحابية" في السعودية، إلا أن كثيرين لا يدركون المخاوف التقنية من وراء إنشاء ما تُعرف بـ"الخدمات السحابية".
يقوم المستخدمون لأغراض شخصية أو تجارية بتشغيل أجهزة الإنترنت باستخدام ما يُعرف بـ"السحابة" ما يعني أن البيانات الخاصة بالصور والوثائق والموسيقى والبريد الإلكتروني والرسائل الأخرى، يجري تخزينها في مكان آخر غير الهاتف الذكي أو جهاز الحاسب الآلي.
كذلك فإن البرنامج الذي يسمح للمستخدم بتشغيل موسيقى أو نشر صور يجرى تشغليه من خلال أجهزة كمبيوتر كبيرة في مواقع أخرى بمعنى أن وصول المستخدم وتشغيل البرنامج يكون عبر الاتصال بالإنترنت.
وفي هذا الصدد، فإن مصطلح "المنطقة السحابية" يرمز إلى مواقع أنظمة الحواسيب الخارجية فيما بات يُعرف بـ"مركز البيانات".
قلق أمني
يشار إلى أن السعودية تأخرت كثيرا في سباق "الخدمات السحابية"، لكن مصادر مطلعة في هذا المجال قالت إن المملكة باتت تمثل فرصة كبيرة وجديدة إذ لا يتوقف الأمر على "جوجل" إذ دخلت "أمازون" و"مايكروسوفت" أيضا في هذا السباق، فيما تمتلك شركة "علي بابا" الصينية مركزين للبيانات في السعودية.
وفي سياق متصل، قال "بيورن شويرمان"، مدير الأبحاث في معهد "ألكسندر فون هومبولت" للإنترنت والمجتمع، إن هناك العديد من الطرق تمكن أطراف خارجية من الوصول إلى المعلومات داخل مركز البيانات.
وأضاف أن القرصنة قد تكون إحدى هذه الطرق، لكنه أشار إلى أنها (القرصنة) قد تقع في أي مكان لأنه "يُمكن القيام بها من على بُعد وفي هذه الحالة لا يهم أن يكون مركز البيانات في السعودية أم لا".
وحذر الخبير من أن الاختراق الفعلي لمراكز البيانات قد يكون المقصود، مضيفا: "إذا استطاع شخص ما الوصول إلى الأجهزة بشكل فعلي ومادي فإنه من الصعب جدا في معظم الحالات ضمان حماية البيانات".
ورغم التدابير الأمنية الكبيرة حول مراكز البيانات، إلّا أن البعض حذر من أن العاملين في هذه المراكز قد يتعرضون للضغوط لتسريب بعض البيانات.
ورأى "شويرمان" أن مصدر القلق الأكبر يتمثل في وقوع هذا الوصول الفعلي والمادي من قبل السلطات التي تطلب البيانات عبر الوسائل القانونية، مضيفا: "قد ينص قرار من محكمة على ضرورة تسليم البيانات إذ تقول أي حكومة إن هذه الخوادم موجودة على أراضينا وتخضع لنظامنا القانوني".
الالتزام بالقوانين السعودية
الجدير بالذكر أن شركة "جوجل" تمتلك العديد من الصفحات على موقعها الإلكتروني بشأن التعامل الحكومي مع بيانات المستخدمين في عملية تتضمن العديد من الخطوات فيما تقوم الشركة بنشر تقارير كل 6 أشهر تتضمن عدد الطلبات التي تلقتها. كما يتضمن عدد الطلبات التي استجابت لها بشكل إيجابي.
وحتى الآن لا توجد إحصاءات بشأن السعودية فيما أكدت "جوجل" التزامها بالقوانين المحلية.
وفي ردها، قالت "مروة فطافطة"، مديرة السياسات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "أكسس ناو"، إن المشكلة تكمن في هذا الأمر لأن "قوانين تنظيم الإنترنت في السعودية تتسم بالضبابية ويمكن استغلالها".
وفي مقابلة مع DW، قالت "فطافطة" إن قانون حماية البيانات الجديد في السعودية والذي سيدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل لا يسمح للجهات التي تجمع البيانات بالكشف عن البيانات الشخصية إلا في حالة تقديم الحكومة بطلب لأسباب منها الأسباب الأمنية.
وأضافت: "في نظام استبدادي مثل هذا، فإنه من الصعب تخيل كيف سيكون بمقدور جوجل أو أي فرد تحدي الحكومة. قانون الجرائم الإلكترونية السعودي الذي دخل حيز التنفيذ في السعودية عام 2007 يعد من أكثر القوانين قمعا في المنطقة".
من جانبه، يسلط "شويرمان" الضوء على قضية أخرى تتعلق بمراكز البيانات أو "السحابة الإلكترونية"، قائلا إن الأمر ليس سوى مسالة ثقة.
ويضيف: "يقوم المستخدم بتخزين بيانات شخصية أو مهنية لدى شركة بمقدورها ظاهريا الوصول إليها". ويشير إلى أن الشركات الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون تحرص على عدم الكشف عن البيانات الشخصية في معظم الأحيان خشية تعرضها لرد فعل قوي من المستخدمين أو تتعرض لعقوبات مالية كبيرة.
وإذ يؤكد أن هذه الشركات تمتلك بيانات المستخدمين، ينهي كلامه بالقول: "يتعين الوثوق للدفع نحو الالتزام بالقيود القانونية وألا تنقلب هذه القيود على المستخدمين".