صحيفة “واشنطن بوست”-
هاجمت صحيفة “واشنطن بوست” وزيرَ الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، الذي قلل في مذكراته التي تعد واحدة من المذكرات العديدة التي صدرت عن حقبة دونالد ترامب، من قيمة الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل في إسطنبول عام 2018، وأنه كان “ناشطا” وليس صحافيا وتمت المبالغة في جريمة القتل.
وفي تقرير أعدته إيمي وانغ، قالت إن بومبيو يمقت في كتابه الجديد فكرة كون خاشقجي “صحافيا”، وتعاطف بدلا من ذلك مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي وجدت الولايات المتحدة أنه متورط بالجريمة. ودافع بشكل مطول في كتابه عن العلاقات الأمريكية- السعودية.
في مذكراته “لم أتنازل ولو عن بوصة: قتالي من أجل أمريكا التي أحب” والذي نُشر يوم الثلاثاء، قال بومبيو إن خاشقجي لم يكن ليموت، واعتبر جريمة قتلة عملا “ًصارخا وغير مقبول وفظيع”، لكن ذهب بعد ذلك وسخر على مدى عدة صفحات مما رآه “الشجب الدولي غير المتناسب”، ووصف خاشقجي بالناشط وليس الصحافي. مشيرا إلى أنه تمت المبالغة بوفاته من الصحافة المتعاطفة جدا معه. وقال بومبيو: “في الوقت الذي قضى فيه الإعلام سنوات لدق إسفين بيني وبين الرئيس ترامب، فقد قضى أسابيع عدة لتمزيق العلاقات الأمريكية مع السعودية”. وأضاف أن اليسار التقدمي “يكره محمد بن سلمان، رغم قيادته عمية إصلاح ثقافية عظيمة في تاريخ المملكة، وسيثبت أنه واحد من أهم القيادات المهمة في وقتنا، شخصية تاريخية على المسرح العالمي”.
قُتل خاشقجي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية عندما ذهب هناك للحصول على أوراق شخصية، ولكن عملاء سعوديين قطّعوا جثته التي لا يزال مصيرها مجهولا. وفي الأشهر التي سبقت الجريمة، كان خاشقجي يكتب على صفحات “واشنطن بوست” مقالات ناقدة لولي العهد، الحاكم الفعلي للبلاد. وقالت عائلة خاشقجي للصحيفة في عام 2018: “لم يكن شخصا خطيرا، ومن زعم غير ذلك، فهذه سخافة”.
وكما نشرت “واشنطن بوست” في حينه، فقد اتصل ولي العهد السعودي مع جارد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ووصف في المكالمة خاشقجي بالإسلامي الخطير، وحثّهما للحفاظ على التحالف الأمريكي- السعودي. وفي عام 2018، توصلت المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) إلى علاقة بن سلمان بالجريمة، وهو ما ناقض الرواية السعودية. لكن بومبيو الذي عمل مديرا لـ”سي آي إيه” منح ولي العهد فضيلة الشك بقوله: “أولا، وخلافا لما نُشر، هناك صفر معلومات أمنية تربط ولي العهد السعودي بالجريمة”، و”ثانيا، التقيت مع عدة أشخاص من الذين أمروا بالقتل، ولو ثبت أن محمد بن سلمان هو من أمر بالقتل، فهذا يعني مرة أخرى أنه زعيم قاس في هذا الجزء الذي لا يرحم من العالم”.
ونشر فريد ريان، المدير التنفيذي وناشر “واشنطن بوست” يوم الثلاثاء، بيانا قال فيه: “كان صاما ومخيبا للآمال” رؤية كتاب بومبيو وهو “يسيء تفسير عمل وحياة خاشقجي بطريقة صارخة”، مضيفا: “كانت جريمته الوحيدة هي فضح الفساد والقمع لمن هم في السلطة، وهو عمل يقوم به الصحافي الجيد في كل أنحاء العالم”، وأكد أن “جمال كرّس نفسه لقيم حرية التعبير وحرية الصحافة وتمسّك بأعلى معايير المهنة، ودفع ثمنا باهظا مقابل ذلك”. وتابع ريان: “من العار أن يقوم بومبيو بنشر الأكاذيب الدنئية ليشوه سمعة حياة صحافي جريء وخدماته، وكذا التزامه بالمبادئ التي تعتز بها الولايات المتحدة، وذلك كحيلة يستخدمها بومبيو لبيع كتابه”.
وأعلنت إدارة بايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أن ولي العهد السعودي “كرئيس للحكومة” يمتلك حصانة من الملاحقة القانونية في الولايات المتحدة. وفي الرسالة المرفقة بالقرار، قال المستشار القانوني لوزارة الخارجية ريتشارد سي فيسك، إن الخطوة “قانونية”، وأن الوزارة “لم تتعامل مع الدعوى القضائية الحالية، وتكرر شجبها الكامل لقتل جمال خاشقجي الشنيع”.
وفي افتتاحيتها، قالت واشنطن بوست، إن بومبيو جاء وهو يبصق المسامير في كتابه الجديد، والذي اعتبره مقدمة لترشيح نفسه في انتخابات 2024، إلا أن تعليقاته عن خاشقجي تكشف الكثير عن بومبيو أكثر مما تكشف عن نقاده. فبدلا من التمسك بمبادئ الدبلوماسية الأمريكية العليا التي عُين للدفاع عنها، فقد دافع عمّن أرسل الأشخاص لارتكاب الجريمة.
وكان القتل كما تقول الصحيفة انتقاما من التعليقات التي نشرها خاشقجي، ودعا فيها لعالم عربي حر، وسعودية أكثرانفتاحا، وانتقد طرق ولي العهد في إدارة البلاد.
وقالت واشنطن بوست، إن ترامب ووزير خارجيته في حينه، لم يفعلا شيئا أو يفرضا عقوبات قاسية أكثر من محاولة الحفاظ على العلاقات مع المملكة. ويعتقد بومبيو أنه وترامب أنقذا ولي العهد من سوء السمعة. ويتذكر بومبيو أن ترامب طلب منه الذهاب للسعودية، حيث كان أول مسؤول غربي قابل ولي العهد السعودي بعد جريمة قتل خاشقجي. وقال: “بطريقة ما، كان الرئيس حاسدا لي أنني أول من أشار بإصبعه الوسطى لكاتب واشنطن بوست ونيويورك تايمز وبقية الذين يبولون في فراشهم ولا يفهمون الواقع”. وقال إن ترامب طلب “يا مايك اذهب ومتع نفسك وذكره بأنه مدين لنا”.
وقالت الصحيفة إن لغة بومبيو هي “لغة شوارع وليست لغة زعيم بلد يطبق فيه النظام والقانون”.
ويتحدث بومبيو عن المنطق “الأعرج والجاهل بأن الشرق الأوسط هو حي صعب”، حيث يقول: “الحادث كان قبيحا وليس مثيرا للدهشة، ليس لي على الأقل.. هذا النوع من القسوة هو روتين في هذا الجزء من العالم”. وحيّا بومبيو ترامب لأنه لم يعاقب ولي العهد، واصفا خاشقجي بأنه ناشط دعم “فريقا خاسرا في المعركة الأخيرة على العرش”. ولكنّ واشنطن بوست تُناقض كلام بومبيو، وتقول إن الصحافة التي قدمها خاشقجي ونقده لولي العهد السعودين كانت في أعلى حالاتها تنتمي للتقاليد الأمريكية وقيم حرية التعبير، وعكست الضوء على زوايا مظلمة من العالم. ويكشف بومبيو أنه غريب عن هذه المبادئ.