متابعات-
بالنسبة إلى كثيرين، كان الاتفاق السعودي - الإيراني يَفترض أن تُوقف المملكة حملة القمع التي شهدتها المنطقة الشرقية السعودية في السنوات الأخيرة، لا أن تشدّدها، أو أقلّه أن تخفّف أحكام الإعدام الجائرة التي لا يبرّرها أي قانون سَوي بحق شبان من تلك المنطقة، وبعضهم قُصّر، لا أن تمضي في قطع رؤوس بالجملة لمن حُكموا بالعقوبة القصوى لسلوك لا يشكّل أيّ جريمة، مثل التظاهر، وخاصة أن العلاقات بين البلدين كانت قد قُطعت على خلفية احتجاجات إيرانية على إعدام الشيخ نمر باقر النمر في الثاني من كانون الثاني عام 2016.
لكنّ الإعدامات هذه تؤكد أن الاتفاق، كان اتفاق ضرورة من الجانب السعودي، بل إنه وسيلة يردّ بها النظام السعودي على من يتّهمونه عن يمينه بـ«الخضوع» لإيران وتنفيذ مطالبها بموجب ذلك الاتفاق، مقابل تخليصه من الورطات التي زجّ بنفسه فيها في اليمن وغيره، على رغم أن عضو الأمانة العامة في «جمعية الوفاق الوطني» البحرينية المعارضة، طاهر الموسوي، قال لـ«الأخبار» إن موجة الإعدامات الأخيرة، التي شملت شابّين من البحرين الأسبوع الماضي، قد تكون في سياق رسائل سعودية «تهدف إلى تحسين عملية استكمال الملفّات والقضايا العالقة المرتبطة بالاتفاق».
وبمعزل عن هذا الكلام، برز إجماع على أن توقيت الإعدامات ونوعها، يوحيان بأنها سياسية، وليست ضمن مسار قضائي بلغ نهايته في هذا التوقيت، وخاصة أنها في أغلبها أحكام بالقتل «تعزيراً»، أي تستند إلى تقدير القاضي لنوايا المتهم، وليس إلى أدلّة ملموسة على أفعال جرمية منسوبة إليه، ومثبتة بأدلة مادّية وفق معايير قانونية واضحة، وهذا ما يثير مخاوف لدى ذوي المهدَّدين بالإعدام، والذين يفوق عددهم 71، بينهم ما لا يقلّ عن 9 قصّر، «من أن يأتي سيّاف آل سعود على رقابهم»، وفق تعبير سيّدة من القطيف، تحدثت إلى «الأخبار» مشترطة عدم الكشف عن اسمها، لأسباب أمنية. ولكنّ مصادر ومنظّمات حقوقية تقول إن أعداد المهدّدين ربّما تتجاوز ما هو معلَن بكثير. ويؤكد المدير القانوني في «المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان»، المحامي طه الحاجي أن بعض تلك الإعدامات يجري «خارج دائرة الرصد». وبين آذار وحزيران فقط، أُعدم 12 من معتقَلي الرأي، بينهم البحرينيان وثمانية لم يكونوا مدرَجين أصلاً على لوائح الإعدامات، بقطع الرؤوس، وحُرم ذووهم من لحظة لقاء ونظرة وداع أخيرة، وحتى من الدفن ومواراة الثرى ومعرفة شاهد القبر وإقامة العزاء.
هكذا، يستمرّ العمل بمبدأ الشريك المؤسس محمد بن عبد الوهاب: «الدم الدم والهدم الهدم»، وإنْ بقفازات من نوع آخر هذه المرّة، وفي ظلّ ظروف تحاول من خلالها السعودية جاهدةً خلع ثوب الظلامية عنها، والدخول في عصر «الأنوار» التي لم يلمس أبناء حَراك عام 2011، بعد، أيّاً من إشعاعاتها. وفي الدلالات السياسية لتسارع مسلسل الإعدامات أخيراً، يقول المعارض والناشط السياسي القطيفي، حسن الصالح إن السلطة تخيّر مواطنيها بين اثنَين: «إمّا العبودية المطلقة وعدم المطالبة بأيّ شيء أو السيف»، مضيفاً أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يريد أن يقول للداخل إن «التقارب مع إيران لا يعني السماح» للفئة التي دأبت السلطة ونُخبتها على الترويج لها بوصفها تابعة لطهران ومتماهية مع نظامها وعقيدته، «بالعيش براحة وهدوء».