DW- عربية-
لا تدرك أشهر خوارزميات الذكاء الاصطناعي حجم الخطر الذي قد تشكله على شعوب الشرق الأوسط. ففي سؤال طرحه صحافي في مؤسسة DW على نموذج الذكاء الاصطناعي القوي الذي يعرف باسم "شات جي بي تي" ChatGPT عما إن كان قد يسبب مشاكل في الشرق الاوسط، كانت الإجابة كالتالي: "هناك تقارير ومخاوف حيال انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية التي تنطوي على استخدام التقنيات الرقمية".
وتابع أداة الذكاء الاصطناعي في الإجابة" "من المهم ملاحظة أن هذه التقارير والادعاءات لا تقتصر على الذكاء الاصطناعي على وجه التحديد ولكنها تشمل مجموعة واسعة من التقنيات الرقمية مع احتمالات إساءة استخدامها".
يشار إلى أن السعودية قد تورطت في السابق في مزاعم تجسس رقمي، إذ أفادت تقارير بأن الحكومة السعودية استخدمت برنامج التجسس السيء السمعة "بيغاسوس" عام 2018 للتجسس على أفراد من عائلة الصحافي المعارض جمال خاشقجي الذي قُتل في ذلك العام داخل القنصلية السعودية في تركيا.
وبعد ذلك بعام، اتهم موظفان سعوديان سابقان كانا يعملان في شركة تويتر في الولايات المتحدة، باستخدام الموقع للكشف عن الأصوات التي تنتقد الحكومة على المنصة ذات الانتشار الكبير. وعلى وقع ذلك كله، تخشى منظمات حقوقية ونشطاء في مجال حماية الحقوق الرقمية من اتساع هذا الأمر من خلال تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي.
في هذا السياق تقول أنغيلا مولر، رئيسة منصة Algorithm Watch ومقرها برلين، إن استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات التي تعتمد عليه يزداد بوتيرة كبيرة في جميع أنحاء العالم وهو ما يمهد الطريق أمام إيجاد طرق جديدة لانتهاك حقوق الأفراد من خلال مراقبتهم.
وفي مقابلة مع DW، أضافت: "هناك بالتأكيد خطر يكمن في أن استخدام التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي سوف يزيد من أشكال المظالم لا سيما عندما تعمل هذه الدول على تعزيز وتطوير الذكاء الاصطناعي في شكل إنفاق بمليارات الدولارات من دون حماية حقوق الإنسان أو سيادة القانون".
وكباقي بقاع العالم، فإن استخدامات تطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي تنمو بوتيرة سريعة في الشرق الأوسط إذ تنفق دول الخليج وفي المقدمة الإمارات والسعودية وقطر الكثير من الأموال في الوقت الراهن على تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ربما بمعدل يفوق بلدان أوروبية.
وأشار تقرير صدر عن "مؤسسة البيانات الدولية" يتمحور حول الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي، إلى أن الشرق الأوسط يعتزم انفاق ثلاثة مليارات دولار على الذكاء الاصطناعي العام الجاري مع توقعات أن يصل حجم الإنفاق إلى 6.4 مليار دولار بحلول 2026.
يقول الباحثون في هذا السوق إن هذا الإنفاق سوف يزداد بشكل كبير في ضوء أن المنطقة تشهد نموا سنويا يقترب من 30 بالمائة في هذه التكنولوجيا.
ويدل مصطلح الذكاء الاصطناعي على مجموعة واسعة من التقنيات الرقمية بداية من معالجة كميات كبيرة من البيانات الرقمية بشكل سريع وحتى أشكال الذكاء الاصطناعي التي تُعرف باسم "الذكاء الاصطناعي التوليدي" القادرة على إنشاء معلومات جديدة من بيانات سابقة والخروج بمحتوى جديد مغاير تماما فيما يعد برنامج "شات جي بي تي" من أشهر تطبيقات هذا النوع من الذكاء الاصطناعي.
وقال خبراء في مصرف "دويتشه بنك" الألماني إنه "كلما زادت قوة الحوسبة والبيانات والمستخدمين، كلما كان أداء الذكاء الاصطناعي التوليدي أفضل بصورة غير متوقعة فيما تتراوح مواهب الذكاء الاصطناعي التوليدي من فحص البيانات والتعرف على الصور والمحادثات وحتى تحديد المشاعر وإنشاء نصوص وصور ورموز. والأهم من ذلك إمكانية المزج بين هذه الأدوات بحيث يغذي أحدهما الآخر".
وفي ذلك، توقعت شركة ماكينزي للاستشارات أنه بحلول عام 2030 سوف يستخدم قرابة ثلاثة أرباع الشركات أنماطا من تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يشمل دول الخليج التي بدأت بالفعل في استخدام الذكاء الاصطناعي سواء في الأنشطة الحكومية والتجارية وحتى تطوير اقتصادياتها بعيدا النفط.
استراتيجية الخليج المفضلة
الجدير بالذكر أن دول الخليج تضخ الكثير من المال على تطوير الذكاء الاصطناعي كجزء هام من خططها المستقبلية لتطوير اقتصاداتها بعيدا عن النفط.
وتعد الإمارات في طليعة دول المنطقة التي اعتمدت استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وذلك عام 2017 بل كانت أول دولة في العالم تقدم على تعيين وزيرا للذكاء الاصطناعي في العام ذاته فيما حذت دول أخرى مثل مصر والأردن والمغرب وقطر والسعودية حذو الإمارات خاصة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وتعتبر السعودية نموذجا جديرا بالملاحظة لأنها تنوي استخدام كافة أنماط الذكاء الاصطناعي في مشروع بناء مدينة "نيوم" فضلا عن أنها تضخ استثمارات كبيرة في هذا المجال سواء عبر الحكومة أو صندوقها السيادي المملوكة للدولة.
وإزاء ذلك، يمكن رصد تباين تصورات شعوب دول الخليج حول الذكاء الاصطناعي، لكنها أكثر حماسا في الانخراط في هذه التكنولوجيا، وفقا لما كشف عنه استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "إبسوس" العام الماضي حول وجهة نظر شعوب العالم حيال الذكاء الاصطناعي خاصة احتمالات أن ينطوي استخدامه في المنتجات والخدمات الاستهلاكية على مزايا أكثر من العيوب.
وفقا للاستطلاع، فإن 76 بالمائة من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع قالوا أن فوائد الذكاء الاصطناعي كبيرة فيما بلغت النسبة بين الألمان 37 بالمائة فقط وبين الفرنسيين 31 بالمائة.
استخدام الذكاء الاصطناعي
ولا تختلف استخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي في دول الخليج عن باقي دول العالم حيث يُجرى الاستعانة بروبوتات الدردشة لتسهيل الخدمات أو تعزيز الخدمات المالية الرقمية أو تحليل أداء الشركات وحتى تقديم نظرة مستقبلية استنادا على البيانات المتوفرة.
وفي مايو/ أيار الماضي، أطلقت مجموعة "جي 42" الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تتخذ من الإمارات مقرا لها، برنامج "شات جي بي تي" باللغة العربية
بيد أن هذا الأمر ليس الشائع بالضرورة إذ أثيرت مخاوف حيال استخدام الذكاء الاصطناعي في دول الخليج كما الحال في دول أخرى فيما لا يعد مصدر القلق قيام الروبوتات بقتل البشر كما روجت الفانتازيا الهوليوودية بل أن المصدر القلق ينبع من المخاوف حيال أمن البيانات والمراقبة وأيضا فحص المحتوى والدعاية والتحيز وإمكانية الاستخدام المزدوج لبعض التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وفي مثال أوقع، يقول نشطاء رقميون إنه يمكن استخدام تطبيقات التعرف على الوجه التي تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي للأغراض المدنية والعسكرية وأيضا تحديد العناصر التي تنتقد الحكومات.
ويعد جيفري هينتون، الملقب بـ"الأب الروحي للذكاء الاصطناعي"، من أكثر الشخصيات العالمية التي حذرت من الذكاء الاصطناعي بعد أن ترك منصبه في عملاق التكنولوجيا "غوغل" مطلع مايو/ أيار الماضي.
وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي، قال هينتون إنه من الصعب "أن ترى كيف يمكن منع الجهات الفاعلة السيئة من استخدام الذكاء الاصطناعي لفعل أشياء سيئة".
وعلى وقع ذلك، طرح مراقبون تساؤلات ما يمكن أن يفضي إليه استخدام الذكاء الاصطناعي من حكومات استبدادية، مضيفين أن هذه المخاوف تكمن في إمكانية الاستخدام المزدوج لمثل هذه التطبيقات وأيضا انتهاك الخصوصية الرقمية خاصة في دول الخليج ذات الإنفاق الكبير في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي مقابلة مع DW، قالت إيفيرنا ماكجوان، مديرة الفرع الأوروبي لمركز الديمقراطية والتكنولوجيا، إن الذكاء الاصطناعي يمكن "ان يتسبب في تداعيات خطيرة في البلدان التي تستهدف فيها الحكومات النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين".
قوانين الخصوصية
وفي تقرير صدر العام الماضي حيال القوانين المنظمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، قالت شركة "كوفينجتون آند بورلينج" للمحاماة، إن المنطقة تفتقر لأي تشريع بشأن الذكاء الاصطناعي رغم أن العديد من دول المنطقة قد قامت بالتصديق على تشريعات تتعلق بالخصوصية الرقمية ومن شأنها أن تؤثر على الاستخدامات الجديدة للذكاء الاصطناعي.
يشار إلى أن الإمارات والسعودية قد نشرتا مبادئ توجيهية أخلاقية حيال استخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذه الإرشادات غير ملزمة قانونيا وهو الأمر الذي كان محور انتقاد من منظمات حقوقية كما كان الحال في دول أخرى.
وفي هذا الصدد، قال لوك مون، وهو باحث أسترالي في الثقافات الرقمية، في مقابلة مع مجلة AI and Ethics "الذكاء الاصطناعي والأخلاق" العام الماضي إن المبادئ الأخلاقية للذكاء الاصطناعي "غير مجدية وفاشلة في التخفيف من الأضرار العرقية والاجتماعية والبيئية لتقنيات الذكاء الاصطناعي".
وعزا ذلك إلى "غياب إقرار تشريعات تدعم المبادئ التوجيهية الأخلاقية وهو الأمر الذي ينجم عنه فجوة بين المبادئ السامية والممارسات التكنولوجية".
بدورها، قالت أنغيلا مولر، رئيسة منظمة Algorithm Watch، إن التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي "تفتح طرقا جديدة لانتهاكات محتملة لحقوق الأفراد الأساسية من خلال مراقبتهم ومنعهم من إبداء الرأي أو الدفاع عن أنفسهم".
وأضافت أن "الجمع بين الغموض والمناطق الحساسة والآثار المحتملة يمثل إشكالية بشكل خاص في سياق غياب حماية موثوقة لحقوق الإنسان وسيادة القانون".