كاثرين شاير / DW- عربية-
قرر المعارض الإماراتي خلف عبد الرحمن حميد الرميثي السفر من تركيا إلى الأردن في مايو/أيار الماضي بحثا عن مدرسة جديدة لنجله، لكن جرى اعتقاله في مطار الملكة علياء الدولي في عمان بعد إجراء كشف مسح لقزحية العين.
وكان الرميثي البالغ من العمر 58 عاما، مسافرا إلى الأردن بجواز سفره التركي ، لكن مسح قزحية العين في المطار كشف عن تطابق المسح مع المعلومات البيومترية الخاصة بـخلف الرميثي الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما عام 2013 في الإمارات في القضية التي عُرفت باسم "التنظيم السري" وشلمت محاكمة أكثر من تسعين معارضا في محاكمات اعتبرتها منظمات حقوقية بـ "مسيسة".
وأكد حمد الشامسي، رئيس مركز مناصرة معتقلي الإمارات، اعتقال الرميثي "في عمان بعد فحص قزحية العين"، لكنه قال إنه ليس متأكدا حيال الطريقة التي حصلت من خلالها السلطات الأردنية على البيانات البيومترية الخاصة بالرميثي، مرجحا أن السلطات الإماراتية ربما قدمت هذه المعلومات للجانب الأردني.
ولم يرد مسؤولو السفارتين الأردنية والإماراتية في ألمانيا على استفسارات DW.
وأشار محامو الرميثي إلى أن السلطات الأردنية قامت بتسليمه إلى الإمارات حيث يقبع في سجنه.
مخاوف متنامية
بدورها، ترى يانا جوروخوفسكايا من منظمة "فريدوم هاوس" أن قضية اعتقال الرميثي في عمان قد أثارت القلق حيال تزايد استخدام المعلومات البيومترية الشخصية في الشرق الأوسط.
وفي مقابلة مع DW ، أضافت "نحن قلقون للغاية بشأن الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا البيومترية لتعزيز التعاون الوثيق بين الحكومات القمعية وهو أمر رأيناه في الشرق الأوسط وكذلك في بلدان آسيا الوسطى".
وتنطوي المعلومات البيومترية على أي علامة فريدة قد تحدد هوية الشخص بما في ذلك بصمات الأصابع المستخدمة منذ أواخر القرن التاسع عشر وأيضا الحمض النووي المستخدم في التحقيقات الجنائية منذ أواخر الثمانينات.
بيد أن اليوم طرأ الكثير من التطور على مجال المعلومات البيومترية إذ باتت أكثر تنوعا وشمولا بما في ذلك بصمة راحة اليد وشكل الوجه ومسح قزحية العين وشكل شحمة الأذن وصولا إلى طريقة التنفس والمشي فيما قد يحمل المستقبل طريقة الكتابة والتوقيع ونبرة الصوت.
لكن استخدام المعلومات البيومترية لتحديد هوية الأشخاص ليس بالضرورة يحمل في طياته تداعيات سلبية إذ يتم الاستعانة بهذه التقنية لصالح البشر على سبيل المثال استخدام بصمة الأصابع لتشغيل الهواتف الذكية وتطبيقاتها.
ويدخل في إطار مجال المعلومات البيومترية ما يُطلق عليه أنظمة "تحديد الهوية البيومترية عن بعد" التي تُعرف اختصارا بـ "آر بي أى" التي تستخدم لمقارنة الصفقات الفريدة للشخص بقاعدة بيانات كبيرة تضم العديد من الصفقات الأخرى لأشخاص أخرين فيما يشبه ذلك فانتازيا هوليوود حيث ترصد كاميرا رقمية طائرة أحد الجناة وسط حشد من الناس بعد أن استطاعت مطابقة عينه أو شحمة أذنه أو حتى مشيته لتحديد أنه الشخص الذي تبحث عنه السلطات الأمنية.
تزايد المخاوف مع دخول الذكاء الاصطناعي
وأثارت هذه التنقية مخاوف المنظمات الحقوقية نظرا لأنها تنطوي على استخدام الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، قالت إيلا جاكوبوسكا، الخبيرة البارزة في "شبكة الحقوق الرقمية الأوروبية" ومقرها بروكسل، إن الأمر برمته يتعلق بالطريقة التي جرى تطوير هذه التكنولوجيا خلال السنوات القليلة الماضية.
وأضافت "هناك مؤشرات على حدوث تغيير جذري مثل الطرق المختلفة التي يمكن من خلالها التعرف على شخص ما وتتبعه وأيضا قدرة البرنامج على التعرف على الصفات الشخصية قد تضاعفت على مدى السنوات الخمس الماضية إذ لم يعد الأمر منحصرا على تحديد هوية شخص استنادا إلى صورته بل يمكن تحديد هويته عن طريق شكل رجله وأقدامه أثناء المشي".
وحذرت من أن "هذه التطورات جعلت تقنيات تخزين البيانات ومعالجتها يتم بطريقة سريعة وغير مكلفة أكثر من أي وقت مضى حيث يمكن التعرف على الكثير من الأشخاص بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع وهو ما يزيد من احتمالات حدوث عمليات مراقبة جماعية تعسفية."
وتسلط تحذيرات جاكوبوسكا الضوء على الجانب المظلم من استخدام المعلومات البيومترية الحديثة في الشرق الأوسط فيما يتفق ذلك مع خلصت إليه دراسة نشرها المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط العام الماضي.
وقالت الدراسة المعنية باستخدام الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط إن "الاستخدام الواسع النطاق لأنظمة تحديد الهوية بناء على المعلومات البيومترية إلى جانب ضعف قوانين الخصوصية وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان بشكل عام (في الشرق الأوسط) يفتح الباب أمام انتهاكات استبدادية يُرجح أن تتفاقم مع دخول تطبيقات الذكاء الاصطناعي".
التحول الرقمي على قدم وساق
ويبدو أن دول الشرق الأوسط الثرية لا سيما في منطقة الخليج، الأكثر حماسا لهذا المجال لأنه بات "أساسيا في ظل التحول الرقمي الذي تشهده المنطقة خاصة في دول الخليج"، بحسب محمد سليمان، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن.
الجدير بالذكر أن جميع دول الشرق الأوسط تستخدم المعلومات البيومترية في المطارات والمعابر الحدودية فيما روجت الإمارات بقدرتها على القبض على محتال استخدم بطاقات ائتمان مزيفة بعد تحديد هويته عن طريق شكل أذنيه رغم تنكره.
كذلك قامت دول مثل قطر والسعودية والإمارات بجمع معلومات بيومترية كجزء من إجراءات الحصول على الخدمات الحكومية أو حتى لأغراض تسجيل الناخبين كما الحال في العراق.
لكن الخبراء يقولون إن كل هذه المعلومات يمكن استخدامها بطريقة مختلفة وأكثر ضررا في الوقت نفسه.
وفي ذلك، قالت إيلا جاكوبوسكا، الخبيرة البارزة في "شبكة الحقوق الرقمية الأوروبية"، إنه يمكن لأي حكومة "أن تجمع قاعدة بيانات للقياسات الحيوية (السمات الجسمانية أو السلوكية) لجميع سكانها ثم تقوم بعد ذلك باستخدامها عن طريق الكاميرات التي تراقب مدن بأكملها.. يمكن معرفة الأشخاص الذين التقى بهم صحافي ما أو من ارتداد حانة للمثليين أو الاشخاص الذين التقى بهم معارض ما.. هذا هو مبعث القلق".
وتتفق في هذا الرأي أمبا كاك، مديرة "معهد الذكاء الاصطناعي الآن" في نيويورك، قائلة إن "التكنولوجيا يمكن أن تمكن الحكومات من فرض سيطرتها على مواطنيها عن طريق أنظمة المراقب الجماعية وهو ما يثير مخاوف خطيرة على الحياة السياسية وحياة المواطنين بشكل عام".
كيف يمكن مواجهة ذلك؟
وإزاء ذلك، يطرح مراقبون ونشطاء تساؤلات حيال طريقة منع إساءة استخدام المعلومات البيومترية من قبل بعض حكومات الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أقرت جاكوبوسكا بأن معالجة البيانات البيومترية الشخصية قد تكون بالأمر المفيد، لكنها حذرت من أن هذه البيانات تتسم بالحساسية الكبيرة، قائلة "إنها ليست مثل كلمة المرور التي يمكن تغييرها، إنها ترتبط بالإنسان طول حياته".
الجدير بالذكر أن المشروع الأوروبي لتنظيم الذكاء الاصطناعي قد اجتاز مرحلة حاسمة بالحصول على أول ضوء أخضر من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين طالبوا بقيود جديدة فيما يتوقع أن تكون القواعد المتعلقة بكيفية استخدام المعلومات البيومترية من بين القضايا الأكثر إثارة للجدل.
وحثت جاكوبوسكا الاتحاد الأوروبي إلى تبني مواقف أكثر صرامة، قائلة "مبعث قلقي هو أنه عندما يقر الاتحاد الأوروبي قانونية حالات استخدام هذه التقنيات، فإن هذا سوف يمهد الطريق أمام إضفاء شرعية استخدامها في دول أخرى.. لا نعتقد أن هذا الشيء مقبول ".
بدورها، قالت أمبا كاك إن "معهد الذكاء الاصطناعي الآن" يدعو إلى فرض حظر كامل على أنظمة "تحديد الهوية البيومترية عن بعد".
وفي مقابلة مع DW، أضافت "لا يوجد بديل آخر لأن قوانين الخصوصية وغيرها لن تساعد وهذا لا ينحصر على بلدان الشرق الأوسط بل يشمل أيضا الولايات المتحدة وأوروبا. المشاكل المترتبة على استخدام هذه التقنيات لا يتم حلها بطريقة سحرية في الديمقراطيات الليبرالية الغربية رغم أن خلل التوضع لما قد يحدث من خطأ يكون جليا في الغالب في ظل الأنظمة الاستبدادية."