مجتمع » حريات وحقوق الانسان

الكويت تبحث عن حل لملف البدون.. تجنيس مشروط وتعديلات منتظرة

في 2024/11/16

طه العاني\ الخليج أونلاين

تُعد قضية "البدون" واحدة من أكثر القضايا الشائكة والمثيرة للجدل في المجتمع الكويتي، والتي تعود جذورها إلى ما قبل استقلال الدولة.

ويُطلق مصطلح البدون على الأشخاص الذين يعيشون في الكويت من دون جنسية، والذين تعود أصولهم في الغالب إلى قبائل بدوية عريقة من مناطق رعي صحراوية تمتد من السعودية جنوبي وشرقي الكويت والعراق إلى الشمال، بل يعود بعضهم إلى بادية سوريا والأردن من قبائل عربية كبيرة مثل شمر وعنزة.

وعلى مدى عقود، طالب البدون بالحصول على الجنسية الكويتية، لكن الحكومة تعتبرهم مقيمين بصفة غير شرعية، في حين ظل هذا الملف معلقاً بين تطلعات المجتمع، وتحديات السياسة، والتوازنات الداخلية، ما أفرز تعقيدات اجتماعية وإنسانية طالت حياة الآلاف.

حل ملف البدون

تواجه الحكومة الكويتية ضغطاً داخلياً وخارجياً متزايداً لحل ملف "البدون" بشكل إنساني وعملي، خصوصاً مع تزايد التحذيرات الحقوقية، التي تُطالب بتوفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئة.

وذكرت صحيفة القبس الكويتية في خبر لها نشر في 2 نوفمبر الجاري، أن الحكومة تتجه نحو وضع حلول نهائية لقضية "البدون" من خلال مجموعة قوانين تدرسها الجهات المختصة.

وأفاد مصدر حكومي رفيع للصحيفة، بأن هناك عدة خيارات قيد البحث لمعالجة هذا الملف، وأهمها تقديم امتيازات في مجالات التعليم، والصحة، والتوظيف، والإقامة، للأفراد الذين يقدمون وثائق تثبت جنسيتهم الأصلية ويتقدمون بطلب لتعديل أوضاعهم القانونية.

كما أشار المصدر إلى احتمال تجنيس من يثبت استحقاقه وفق معايير دقيقة ستعتمدها الحكومة، مؤكداً أن الجنسية الكويتية ستمنح فقط لمن تتوافر لديه الشروط اللازمة.

وشدد المصدر على التزام الحكومة بإنهاء قضية "المقيمين بصورة غير قانونية" بشكل جذري، بحيث يُزال هذا الوصف بعد اعتماد القانون الجديد واتخاذ التدابير المطلوبة.

ومن الجدير بالذكر، أن "البدون" يتم منحهم جوازات سفر رمادية خاصة تحت بند "المادة 17" لأغراض محددة مثل الدراسة والعلاج، ولكن هذا الجواز يفتقر إلى الامتيازات الموجودة في الجواز الكويتي الرسمي، كحرية الدخول إلى دول مجلس التعاون والإعفاء من التأشيرات لبعض الدول.

ويتطلب الوصول إلى حل شامل لملف البدون تعاوناً واسع النطاق بين الأطراف السياسية، إلى جانب وجود إرادة حقيقية للتوصل إلى آليات تتوافق مع الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان وتحقق العدالة الاجتماعية.

وقد تتضمن هذه الحلول إنشاء نظام قانوني أكثر مرونة يسمح بتقييم الحالات بشكل فردي وتحديد المستحقين للجنسية بناءً على معايير واضحة وعادلة.

ويبقى ملف البدون في الكويت اختباراً حقيقياً للالتزام بالعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، إذ إن حل هذه الأزمة لن يُحقق استقراراً اجتماعياً فحسب، بل سيعزز صورة الكويت في المجتمع الدولي كدولة ملتزمة بحماية حقوق الأفراد الذين يسهمون في بناء المجتمع.

تعديل الأوضاع

ويتحدث المستشار الحقوقي أنور الرشيد، عن قضية البدون، حيث كان "أحد أبرز الحقوقيين المتابعين لهذا الملف"، مشيراً إلى تصريحات رسمية أكدت وجود قرابة 34 ألفاً ثبت أنهم يستحقون الجنسية، وهذا العدد يمثل تقريباً ثلث عدد الموجودين في البلاد.

ويضيف الرشيد في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن هناك اتهاماً موجهاً بأن بعض من أتوا في العقود الماضية إلى البلاد، وأخفوا جنسياتهم الأصلية، لكن حسب الرشيد، يوجد اليوم جيل رابع من أبناء الموفدين، ولدوا في الكويت ويجب إيجاد حل لهم.

ويبيّن المستشار الحقوقي أن حلولاً عدة طرحت حول هذا الملف، تفيد بأن من يعترف بجنسيته الأصلية من دولة أخرى، يُعطى إقامة ويسمح له بالعمل، كما يحصل على كل الامتيازات، حيث تم تعديل أوضاع عدد من "البدون"، لافتاً إلى أهمية إيجاد حل شامل لهذه القضية.

وحول تحقيق التوازن لهذا الملف، يشير الرشيد إلى إجراءات الدولة في توفير السكن والدراسة والعلاج والعمل لمن يقدم على تعديل أوضاعه، مستدركاً بالقول: "أما الذين لم يعدلوا أوضاعهم فإنهم يواجهون كارثة حقيقية على المستويات كافة".

ويعرب عن اعتقاده أن "مساعي حل ملف البدون غير جادة، لا سيما أنه لم يتم تجنيس من اعترف بهم الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية".

معاناة كبيرة

تواجه الحكومة الكويتية تحديات كبيرة في تنفيذ أي حلول جذرية، إذ إن القضية قد تأثرت بمواقف سياسية مختلفة، ومن ضمنها النقاش الدائر حول استحقاق الجنسية وشروطه، وسط قلق من تداعيات سياسية وديموغرافية قد تنتج عن منح الجنسية لعدد كبير من البدون.

وتستمر أطراف سياسية أخرى في تأكيد ضرورة إبقاء هذه الفئة تحت إشراف قانوني دون تجنيس كامل، مستندين إلى مخاوف تتعلق بالأمن الوطني والهوية الوطنية.

ولا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد "البدون" في الكويت، ولكن التقديرات تضع العدد بين 100-120 ألف شخص، حيث إنهم قد اكتسبوا هذه الصفة؛ لأنهم لا يحملون مستندات رسمية تثبت انتماءهم إلى الكويت.

وعلى مدى السنوات الماضية، نظّم عدد كبير منهم مظاهرات للمطالبة بحقوقهم في الحصول على الجنسية الكويتية، خاصة بعد تردي أحوالهم المعيشية.

ومن جهتها، تقول الحكومة الكويتية -وفق ما نقله موقع الـ"بي بي سي"- إن 34 ألف شخص فقط من "البدون" يستحقون الحصول على الجنسية، في حين يُعتقد أن البقية من مهاجري دول أخرى دخلوا الكويت مع بداية اكتشاف النفط، أو من نسل هؤلاء المهاجرين.