مجتمع » حريات وحقوق الانسان

السعودية تستعدّ لـ«مونديال 2034»: «العالمية» على أكتاف العمّال

في 2025/01/17

نتابعات

في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعلن «الاتحاد الدولي لكرة القدم» (فيفا) فوز السعودية بحق استضافة نهائيات كأس العالم 2034، حيث نال ملفها 419.8 من 500، في ما يمثل أعلى تقييم فني على مرّ تاريخ أكبر بطولات العالم. وتضمّن مخطط الاستضافة إقامة المباريات في 5 مدن رئيسية، هي: الرياض، جدة، الخبر، أبها وتبوك (مشروع نيوم)، على أن تتوزع على 15 ملعباً، بينها 11 سيتمّ بناؤها لأول مرة، في حين سيجري التدريب في 132 مقراً، موزعة على 15 مدينة ستستضيف المنتخبات الـ48 والوفود المرافقة لها، إلى جانب مقرّي تدريب مخصصَين لطواقم الحكام. ولم يغفل الملف أماكن الإقامة، والتي تشمل ما يزيد على 230 ألف غرفة موزعة على المدن المضيفة والمدن الداعمة، وذلك لكبار الشخصيات ووفود «الفيفا» والمنتخبات المشاركة والإعلاميين والمشجعين، فضلاً عن 10 مواقع مختلفة لاستضافة المشجعين. وإذ جاء فوز السعودية بحق الاستضافة في ظلّ انعدام وجود عروض تنافسية من دول أخرى، ما جعل احتمال رفض ملفّ المملكة ضئيلاً، فإن «الفيفا» تجاهل، في قراره، مختلف الدعوات الحقوقية إلى الالتفات إلى السجل الإنساني القاتم للمملكة، والمخاطر التي تتهدّد العمّال الأجانب فيها، وهو ما يؤشر إلى أن إستراتيجية «الغسيل الرياضي»، التي يتبعها ولي العهد، محمد بن سلمان، ما تزال تؤتي أُكلها.

وفي هذا الإطار، يرى المستشار القانوني في «المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان»، المحامي طه الحاجي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الفيفا ضربت عرض الحائط بأهم المعايير والضوابط التي وضعتها لقبول ملف حقوق الإنسان للدول المتقدمة لاستضافة كأس العالم، لأن ملف السعودية لا يمكن تجاهله، سواء في ما يتعلق بحقوق العمال، أو حقوق المرأة، أو حرية الرأي والحق في التجمع، أو الإعدامات ومنع المشاركة السياسية والتفرد بالحكم في ظلّ ملكية مطلقة». ويعتبر الحاجي أن «هناك تأثيراً واضحاً لقوة النفط والمال السعوديين»، مستغرباً «انفراد الرياض بتقديم العرض للاتحاد الدولي» في ظاهرة غير مسبوقة، قائلاً: «كان ملفتاً جداً أن لا تتقدم أي دولة لاستضافة المونديال. بالطبع كانت هناك إغراءات ورشاوى سواء للمنافسين أو للفيفا».

وكان ابن سلمان قد أقرّ، في أيلول/ سبتمبر 2023، باتباع إستراتيجية «الغسيل الرياضي»، مجيباً، خلال مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، عن سؤال: «ماذا تقول لكل من يتهمك بأنك تنفق الكثير على الرياضة، وعلى جلب أسماء كبيرة من اللاعبين المشهورين، من أجل غسيل السمعة عبر الرياضة»، بالقول: «إذا كان غسيل السمعة عبر الرياضة سيضيف إلى إجمالي الدخل القومي 1%، سأستمر في ذلك». وهنا، يؤكد الحاجي أن «السعودية لا يهمها رأي الناس في الداخل، وهي تعير اهتماماً فقط للغرب والمجتمع الدولي»، معتبراً أن «استضافتها كأس العالم تحقق رغبتها في إقناع العالم بأنها فعلاً قامت بتغييرات وإصلاحات واستحقت استضافة المونديال». ويتهم المستشار القانوني في «الأوروبية السعودية»، «الفيفا»، بأنه «مشارك فعلياً في الجرائم السعودية، داخل المملكة وخارجها، لأن الشرط المتعلق بحقوق الإنسان لقبول ملف البطولة، يجب أن يكون متحققاً قبل الاستضافة وليس بعدها، كما يدّعي الفيفا أو بعض مسؤوليه أو الصحف المقربة منه». ويسلط الضوء على جملة من تلك الجرائم، ومن بينها «ملاحقة النظام للمعارضين في الخارج، والاعتداء على الدول مثلما حصل في اليمن».

وإلى جانب ما تقدّم، يأتي ملفّ معاناة العمال الأجانب، والذين كشف تحقيق وثائقي لـ«ITV» في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بعنوان «كشف الغطاء عن المملكة»، عن وفاة حوالى 21 ألفاً منهم - من الهند وبنجلاديش ونيبال - في مشاريع «رؤية 2030»، وتحديداً في مشروعَي «نيوم» و«ذا لاين» في تبوك. والرقم المذكور مرشّح للارتفاع، في ظلّ اعتزام الرياض بناء ملاعب جديدة لإقامة بطولة كأس العالم، وهو ما يحتم عليها استقطاب عمالة أكبر، «غالبيتها من شرق آسيا، وتحديداً من دول مثل النيبال وبنجلاديش والهند وباكستان، إلى جانب بعض الدول الأفريقية، وهؤلاء سيكونون معرّضين لانتهاكات خطيرة، كالعمل لساعات طويلة في ظروف سيئة ودرجات حرارة مرتفعة، لا سيما أن السعودية تريد أن تقدّم شيئاً كبيراً ومبهراً، على حساب أرواح هؤلاء الذين يأتون من الدول الضعيفة، والتي تكون عمالتها رخيصة بسبب وضعها الاقتصادي الصعب وعدد السكان الكبير لديها، ولا تقوم بحماية أبنائها في الخارج ولا تتابع أوضاعهم، وهذا ما يفسر مثلاً كون أعداد الضحايا من الفلبين أقل بكثير منهم من جنسيات أخرى، لأن الفلبين تمارس دوراً ضاغطاً لحماية مواطنيها».

وبلغ عدد الشكاوى المقدّمة إلى المحاكم المحلية على خلفية انتهاك حقوق العمال، أكثر من 34 ألفاً غالبيتها في العاصمة ومكة المكرمة، علماً أن هذا الرقم يشمل فقط القضايا الداخلية المسموح بالحديث عنها. كما أن غياب مؤسسات المجتمع المدني، يجعل من غير الممكن التحرك على الأرض، ورصد الانتهاكات وتوثيقها، لا سيما في ظل انعدام الشفافية، والتعتيم الكبير على المعلومات. ورغم ذلك، يرى الحاجي، أن «السعودية لا تستطيع إخفاء حجم المعاناة الكبير، والذي يبرز عبر الكثير من الأخبار، وعدد الجثامين التي تصل إلى الدول المصدّرة للعمالة، والمحاكم المزدحمة بقضايا العمال الذين يطالبون بحقوقهم»، فضلاً عن تحركات اتحادات العمال حول العالم، ومن بينها «الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب»، والذي تَقدّم، في تموز/ يوليو الماضي، بشكوى رسمية إلى «منظمة العمل الدولية» ضد السعودية، بسبب انتهاكات صارخة لحقوق العمال، وسرقة أجور ما لا يقل عن 21,000 ألف عامل، وتأخير أجور آخرين، ومصادرة جوازات سفرهم وممارسة العبودية بحقهم.