هشام الزياني- الوطن البحرينية-
لا أعرف متى سيتحقق مشروع التوحيد الكامل للمزايا والحقوق التأمينية بين القطاعين، في كل مرة يقال للناس إما عبر تصريحات، وإما من داخل مجلس النواب إن توحيد المزايا مستمر، وكأن الإخوة يبنون سور الصين العظيم..!
رغم التوجيهات والقرارات والمراسيم التي صدرت، إلا أنه مازال موضوع توحيد المزايا التأمينية بين القطاعين غير متحقق بشكل كامل، وهذا يؤثر على مصالح ومكاسب الناس، ومن الواضح أن كل هذا التأخير إنما هو بقصد ألا يحصل الموظفون في القطاع الخاص «تحديداً» على امتيازات متعادلة ومتساوية مع القطاع العام، وهذا الموضوع يتوجب على الحكومة الموقرة أن تبحث مستجداته، وإن كان هناك تأخير، لماذا هذا التأخير، ومسؤولية من؟
إذا كان هناك من يريد أن يعرف حقيقة احتياجات الناس المعيشية، فإن عليه أن يعرف أولاً ما هي التبعات الاجتماعية والمالية والمعيشية بعد أن يعاد توجيه الدعم بشكله الكامل المخطط له من قبل الدولة على الناس والفئات الضعيفة بالمجتمع.
كيف ستؤثر إعادة توجيه الدعم على المتقاعدين، وعلى من ليس لديهم راتب تقاعدي أصلاً وهم كثر، وأغلبهم يعملون في مهن حرفية، أو مهن حرة، وهؤلاء سيتأثرون
أكثر من غيرهم كلما كبروا في العمر وقل عملهم وإنتاجهم، وبالتالي يقل دخلهم وهم لا يملكون راتباً تقاعدياً أصلاً، وبالتالي يصبحون مشكلة اجتماعية حقيقية قد تفجر أزمات مستقبلية.
لا ينبغي أن يفكر من يضع الخطط للدولة في توفير ملايين معينة في خانات بعينها في الميزانية العامة بشكل منفصل عن الواقع، بعض من يضع الخطط يظن أن كل أهل البحرين رواتبهم فوق الـ2000 دينار، وأنهم يصيفون مرة في سويسرا، ومرة في فرنسا، وإذا ما زارهم الملل، اشتركوا في «قروب» سياحي يأخذهم في جولة على دول أوروبا «لأنهم لا يريدون أن يشاهدوا ذات الأماكن في كل صيف»..!
إذا كان هناك 17 ألف مواطن تقل رواتبهم التقاعدية عن 200 دينار، ولا تزيد عن هذا المبلغ، فإن كل إجراءات إعادة الدعم ستقع على رؤوسهم قبل غيرهم، فالأسعار سترتفع جراء قيام التاجر برفع أسعار السلع والخدمات إذا ما ارتفع كل شيء يقدم له كخدمات بنزين وضرائب ورسوم وغيرها، وهذا الارتفاع بالمحصلة سيدفعه كل المواطنين، ولكن الذين سيتأثرون أكثر من غيرهم هم أصحاب الرواتب التقاعدية الضعيفة، ومن ليس لهم راتب تقاعدي أصلاً.
هل قامت الدولة بإحصاء «ونحن نملك جهازاً مركزياً للمعلومات» أعداد المواطنين الذين لا يملكون راتباً تقاعدياً أصلاً، ويعملون إما كسائقي أجرة، أو مدربي سياقة، أو في صيد البحر، أو في الزراعة أو غيرها من المهن الحرة؟
من لا يملك راتباً تقاعدياً سيكون في وضع حرج مع تقدم العمر، ومع ارتفاع أسعار كل شيء حوله، من هنا نقول «ونحن نقدم الرأي فقط لا غير ونجتهد في إيصال الصورة غير المرئية لصاحب القرار»، إن على من يتخذ قرارات تصب في صلب معيشة الناس، أن يعرف أولاً من الذين سيتأثرون بإجراءات رفع الدعم؟
وكم عدد هؤلاء؟ وكم عدد أسرهم؟ وما هو مجمل دخلهم الشهري؟
بالمقابل وإذا كانت الدولة تنهج النهج العلمي في اتخاذ القرارات، هل لدينا دراسة حقيقة واقعية تضع تصوراً كاملاً لارتفاع أسعار السوق والسلع، الذي يتوقع أن يحدث إذا ما رفع الدعم عن التاجر؟
أليست هذه الدراسة العملية المستقلة ستنير لنا الكثير من الأمور والزوايا الخافية، وستجعل صاحب القرار يأخذ قرارات بدرجة أقل من الخطر والخطأ، والتبعات على المجتمع؟
ما تقدم به أعضاء من مجلس النواب لزيادة الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين إلى 400 دينار، هو أمر طيب، ومطلوب، لكنه يصطدم بواقع آخر، وهو أن الراتب التقاعدي سيصبح أعلى من الراتب الأساسي خلال العمل، وبالتالي قد يهرب العامل للتقاعد وهو في سن صغيرة خاصة إذا كان راتبه التقاعدي أكثر من راتبه خلال العمل.
من هنا فالرفع «يا سادة يا نواب» لا يجب أن يكون للراتب التقاعدي، وإنما يجب أن يكون رفع رواتب الموظفين والعاملين المواطنين في أعمالهم ووظائفهم التي تقل فيها الرواتب عن 200 دينار من أجل أن يصل إلى 400، وحين يرتفع راتب الموظف والعامل وهو في عمله، فإن راتبه التقاعدي سيرتفع، وأحسب أن هذا الموضوع هو المخرج لما تطرحه هيئة الضمان الاجتماعي من مخاوف وتحذيرات لوقف مشروع زيادة الراتب التقاعدي، من منطق أن التقاعد سيصبح أعلى من الراتب الأساسي خلال العمل.
هذا من جانب، أما على صعيد آخر، فإن بحثاً واستقصاء يجب أن يحدث لكل مواطن لا يملك راتباً تقاعدياً، ويجب أن يتم إدخاله تحت مظلة الضمان الاجتماعي على ألا يتأثر دخله كثيراً، فأصحاب سيارات الأجرة «مثلاً» انخفض دخلهم كثيراً بسبب عوامل كثيرة، ومنها الأجانب الذين أصبحوا يوصلون الناس بمقابل مادي أقل، ويضعون أرقام هواتفهم في البرادات وغيرها من الأماكن وهم لا يملكون ترخيصاً بذلك.
كثيراً ما قلت إن موضوع إعادة الدعم لا يتعلق باللحم، المواطن لن تقف حياته مع اللحم، ولكن الموضوع أكبر من اللحم، وهو حين تطبق كل الإجراءات على التاجر، وبالتالي سيقوم التاجر بأخذ الفارق من المواطن، وستقفز الأسعار والخدمات، وهنا تكمن الخطورة.
فالبعض صور لأصحاب القرار أن الإجراءات لن تطال المواطن وهذا قد يكون صحيحاً ظاهرياً، لكنها على أرض الواقع ليست كذلك، بل سيصبح المواطن من يسدد الفارق حين يكتشف أن كل الأسعار قفزت، بينما سيبرر التاجر رفع الأسعار وسيقول إنه أصبح يدفع مبالغ مضاعفة عن كذا وكذا وكذا من الخدمات، لذلك رفع الأسعار..!
موضوع أن المواطن لن يتأثر بإجراءات رفع الدعم عن التاجر هو موضوع، غير واقعي، وغير صحيح، التاجر سيرفع الأسعار، والمواطن سيدفع الفرق وليس التاجر، لذلك أشرت اليوم إلى موضوع مهم وهو مدى تأثر المتقاعدين، ومن ليس لديهم راتب تقاعدي بإجراءات إعادة توجيه الدعم.
** «سري للغاية»
حين تم طرح موضوع البطاقة التموينية للمواطنين مع مسؤول بالدولة، قال لنا الآتي، وبما معناه: «لو نضع بين أياديكم ما وصل إلينا من أوراق ومقترحات من السادة النواب حول البطاقة وإعادة توجيه الدعم، لربما أصبتم بالدهشة مما يقدم لنا من مقترحات من مجلس النواب».
ثم يضيف: «تم تأجيل رفع الدعم عن اللحوم أكثر من مرة، وكان ذلك بهدف أن يقدم أعضاء مجلس النواب مشروعهم المتكامل، أو دراستهم، إلا أنهم قدموا لنا تلك الأوراق التي لا يمكن أن نبني عليها قراراً»..!
هذا ما قاله مسؤول حول مقترحات السادة النواب عن رؤيتهم المتكاملة لملف إعادة توجيه الدعم.. للتأكيد هذا كلام المسؤول وليس كلامي، حتى لا تذهبوا جنوباً وشمالاً للشكوى على العبد لله كاتب السطور، ولا تقولوا أننا نشوه صورتكم الجميلة..!!