د. ربيعة بن صباح الكواري- الشرق القطرية-
تعد مسألة منح الجنسية في منطقة الخليج العربي أو في أي دولة من دول العالم من المسائل المهمة والحساسة في نفس الوقت؛ كونها تتعلق بأمن البلد الذي يحمل صاحب الجنسية جواز سفره، خاصة أن التجنيس واختيار صاحب الجنسية يجب أن يخضع اليوم للعديد من المعايير المعتمدة في كل الدول قبل منح الجنسية لأي شخص كان. ومن هنا فإن إيجاد استراتيجية مدروسة للتجنيس في المنطقة بات ضرورة في هذا التوقيت وأهم من أي وقت مضى بسبب الأحداث السياسية الجارية ودواعي تأثيرها على مجتمعاتنا بالدرجة الأولى من ناحية نشر الأمن والاستقرار!.
هذه ناحية مهمة، والناحية الأخرى والأهم تلك التي تتعلق بشروط منح الجنسية لمن يستحقها، وهل قدم أصحابها للبلد أية خدمات أو إنجازات إيجابية انعكست عليه وعلى أجداده وأسرته في السابق بشكل إيجابي، ومن ثم استحق من خلالها منحه لهذه الجنسية التي لا تمنحها أغلب دول العالم إلا لمن ينالها بأحقية كاملة دون نقصان؟!، فالمسألة أصبحت تتعلق في هذه الأيام بما تسمى بالدواعي الأمنية، حيث أصبحت تتعلق بحسن الاختيار للمجنسين من البشر وعدم منح هذه الجنسية إلا بعد دراسة متأنية ودقيقة لصاحب جواز السفر، كما أن منح الجنسية لا يجب أن يكون بصورة عشوائية، بل بصورة انتقائية تخضع للمعايير المستهدفة والمطلوبة في نفس الوقت، وبما لا يتعارض مع "التركيبة السكانية" و"الهوية الوطنية" و"الدواعي الأمنية"!. وما من شك في أن سياسات التجنيس غير المدروسة لها عواقبها وانعكاساتها الوخيمة والخطيرة على الدولة والمجتمع، سواء كانت هذه الأسباب تتعلق بالعامل الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي أو التنموي.
يقول أحد الخبراء:
لكل بلد يتمتع بسيادة أن يسن ما يراه مناسباً من قوانين وأنظمة وتشريعات تتعلق بالتجنيس، أو سحب الجنسية، أو إسقاط الجنسية، إلى غير ذلك من المصطلحات المعروفة، حيث تختلف البلدان فيما بينها في منح حق الإقامة والجنسية، ولكن كثيرا منها أو معظمها تمنح الأشخاص الذين قدموا خدمات عظيمة للبلد الجنسية ولأصحاب الكفاءات والمؤهلات العلمية العالية طمعا في علمهم واختراعاتهم وأملا في تقدم البلد بقدراتهم وتنميتها بعقولهم، ويفتح الغرب أبوابه لامتصاص أحسن الخبرات العالمية من دول العالم الثالث ليضيف إلى رصيده الحضاري والمدني الكثير وبأثمان بسيطة. ويضيف: أعتقد في المنظور البعيد وللأجيال القادمة سوف تخلق ظاهرة التجنيس غير المدروسة إشكالات وتنشأ الأزمات والاحتقانات الاجتماعية، ولا تستطيع العلاجات المهدئة أن تخفف الألم والأوجاع بعد أن ينتشر المرض في الجسد، ومن المظاهر السلبية لعملية التجنيس العشوائية التي حصلت خلال السنوات الماضية أن تلك الفئات ليست لديهم مؤهلات وإمكانيات إبداعية وعلمية يستفيد منها الوطن بقدر استفادتهم من خبرات ومقدرات الوطن، بالإضافة إلى اختلاف العادات والتقاليد والسلوكيات، فالشعب القطري – مثلا - عرف عنه التسامح والمحبة والأخلاق العالية مع الآخرين، وسوف تنشأ عادات وأخلاقيات أخرى وسط الأجيال الجديدة، قادمة من أولئك المجنسين الجدد، فالشعب القطري يمتلك تاريخا وحضارة عريقة تتداخل وتتواصل مع العديد من الشعوب والبلدان في العالم، ولكن تبقى له سماته وخصوصيته مثل أي شعب من شعوب هذه الأرض، يعتز بها ، والحقيقة لا بد من أن تقال، وتوضح أهداف ومآرب التجنيس وما فوائده على المجتمع، إذا كان يحقق نتائج إيجابية أو سلبية، وأن يأخذ بعين الاعتبار الآثار السيئة التي ستنتج عن عملية الاستمرار فيه. إن سياسات التجنيس غير المدروسة لها انعكاسات خطيرة على الاقتصاد وسوف يكون عاملاً معرقلاً للتنمية الاقتصادية بدلاً من تطويرها، ويخلق عجزاً في ميزانية الدولة مستقبلا وسيمتص الفوائض المالية، خصوصاً اذا طرأ انهيار أو انخفاض في أسعار النفط لا سمح الله، مما يؤدي إلى توقف في بناء المشاريع والمرافق الحيوية أو تجميدها في أسوأ الأحوال، فدولة قطر في حاجة مستمرة لتطوير البنية التحتية والفوقية، في مجالات عديدة، الصحة واحتياجاتها من مستشفيات متخصصة ومراكز صحية جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من المرضى، التعليم ومخرجاته، العمل والبطالة، هذا جزء من الوضع الاقتصادي. أما الشق الاجتماعي فهو يتصل بالموروث الاجتماعي والعادات والتقاليد والأبعاد النفسية والسيكولوجية لهؤلاء المتجنسين وآثارها على تداخل المجتمع معها وعوامل أخرى تشمل المستويات الثقافية والتعليمية والصحية للمجنسين، والأهم من ذلك تذويب المجتمع بعاداته وتقاليده مع مرور الأيام والسنين بعادات وتقاليد قادمة من مجتمعات أخرى، فالدول المتقدمة التي تعمل على استقطاب مهاجرين جدد أو مواطنين جدد ، يهمها بالدرجة الأولى من أولئك القادمين الجدد أصحاب العقول المبدعة الذين يمتلكون مستويات عالية من التعليم والثقافة، فهؤلاء بعقولهم وطاقاتهم الإبداعية يطورون المجتمع، إننا في حاجة إلى مثل هؤلاء البشر من الناس في ظل المستويات المتفاوتة للتعليم عندنا وهؤلاء الأشخاص متوافرون بالعقود المالية وموجودون في مؤسساتنا التعليمية المختلفة . لذا يجب ان يكون التركيز في سياسة التجنيس على حاجة الدولة إلى كفاءة المتجنسين والحقيقة لسنا بحاجة إلى تلك الكفاءات حاليا بأن يتم تجنيسهم، بل الأجور التي تتقاضاها تلك الفئة تفوق ما يتقاضاه المواطن، وفي النهاية إن العقول التي نريد استقطابها هي متوافرة عن طريق العقود والأجور كما أشرنا إلى ذلك. فالدولة ليست في حاجة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة والمستقبلية للمزيد من البشر. وبقدر ما تستوجب الحاجة إلى تجنيس تستوجب حملة المؤهلات العالية وأصحاب الكفاءات النادرة والبارزين في مجالات الإبداع والثقافة والفنون والآداب .. الخ.
ويقول خبير آخر:
إن قطاع الشئون الأمنية بالأمانة العامة لمجلس التعاون، والذي تم استحداثه عام 2005 م يمثل الشريان الحيوي لمجلس التعاون الخليجي، وأن مفهوم الأمن اليوم لم يعد شأناً احادياً يقتصر على دولة دون أخرى، وإنما جهد مشترك بين جميع دول المحيط الواحد، إذ إن الأمن ينقسم إلى شقين، شق داخلي وآخر خارجي، وهناك ارتباط وثيق بينهما، فما يحدث داخل دولة ما يؤثر بالضرورة على الدول المجاورة والعكس صحيح، ومن هنا برزت أهمية تحديد رؤية أمنية شاملة وواضحة وموحدة لدول مجلس التعاون، وأن الرؤية التي يسعى لتحقيقها تتمثل بتحقيق التكامل الأمني وتطوير الأجهزة الأمنية وغيرها من القطاعات ذات العلاقة في إطار العمل الجماعي المشترك، كما تتمثل رسالتها بالسعي لرفع مستوى الأداء المهني وتوفير مقومات الجهود المشتركة والتكامل من خلال توجيه طاقات المجتمعات الخليجية وإمكاناتها نحو أهداف مستقبلية تحفظ لها أمنها وسلامتها.
ويقول خبير ثالث:
نحن نعيش الان "حقبة مجلس التعاون الخليجي"، شاء من شاء وأبى من أبى، وهذا هو الواقع ، فهذه الدول تمتلك الثقل الاقتصادي والسياسي وسمات القيادة، وهذا يزعج البعض ممن كانوا ومازالوا يؤمنون بأن الدول المركزية التقليدية في المنطقة هي التي تملك دائما زمام الأمور، وهذا الأمر انتهى. وكل التغيرات في خريطة المنطقة العربية اليوم كانت كفيلة بنقل العبء على عاتق دول مجلس التعاون الخليجي. فالتهديدات والتحديات التي تواجهها المنطقة أصبحت أكثر صعوبة وتعقيداً عنها في السابق، فالآن هناك أيديولوجيات متطرفة وأفكار عابرة للحدود ولاعبون بالوكالة من غير الدول، وهؤلاء يصعب السيطرة عليهم، وكل هذا نتاج تفكك واهتراء الدول المركزية وجمهوريات الربيع العربي وما يحيطها.
في الختام:
لا بد من التأكيد على الدور الأمني لمجلس التعاون الخليجي وتفعيله بالشكل المطلوب ويكون ذلك من خلال التأكيد على تفعيل دور " الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية" إلى جانب دور "قطاع الشؤون الأمنية" في مجلس التعاون، حيث تأسست الهيئة الاستشارية بقرار من المجلس الأعلى في دورته الثامنة عشرة (الكويت، ديسمبر 1997) اقتناعاً بضرورة توسيع قاعدة التشاور وتكثيف الاتصالات بين الدول الأعضاء يساعد المجلس الأعلى ويقدم له المشورة في كل ما من شأنه تدعيم مسيرة مجلس التعاون وإعداده لمواجهة تحديات المستقبل.
** كلمة أخيرة:
فتح باب التجنيس في أي دولة على مصراعيه غالبا ما يؤدي لضياع الهوية الوطنية واختلال التركيبة السكانية وزيادة القلاقل الأمنية المحتملة والمتوقعة مستقبلا وبخاصة وقت الأزمات، فلنحذر من ذلك أشد الحذر قبل فوات الأوان، لأنها قضية سيادية ووطنية قبل كل شيء!. وحفظ الله هذا الوطن وخليجنا العزيز من كل مكروه، اللهم آمين.