أحمد بن بحار- الانباء الكويتية-
البدون وما أدراك ما البدون! مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أجيال تتوارث العزلة والحصار والتهميش بل القتل مجرعا والذل ألوانا وأشكالا والعنصرية في أبشع صورها، فما الذي اقترفوه ليكون هذا جزاءهم؟ هب أنهم جميعا تخلوا عن جنسياتهم وتشبثوا بهذه الأرض وتحملوا أقسى ما يمكن أن يتحمله الإنسان في سبيل الانتماء لهذا الوطن العزيز، ألا يستحق هذا وحده أن يشفع لهم بل يجعل لهم الحق في أن يكونوا مواطنين بصدق وقد يكونون أشد ولاء ممن لو امتحن في رزقه وكرامته لما بقي يوما واحدا ولذهب إلى بلاد أخرى غير آسف لحظة.
إن الجيل الجديد من مأساة «البدون» لا يملك رئة تستطيع أن تتنفس خارج حدود الكويت وهم في المقابل يجدون هذا الوطن الذي ولد آباؤهم فيه يذل آباءهم ويوصد أبواب الرزق في وجوههم ويجعل مساحة تحركهم لا تكاد تتجاوز الأعشاش التي وضعوا فيها فلا سفر وإن كان فبشق الأنفس وربما لا يستطيع العودة بعدها وقد يترك حتى الموت عند بوابات المطار! يرى الجيل الجديد كل هذا الأمر ويسمعه ويعيشه واقعا حيا متكررا، ولو أن بعض المتخمين عاشه في كابوس ليلة لأصابه الأرق أياما طويلة.
إن هذا الجيل لا يحق له أن يدرس وإذا درس فإما على نفقة رجل يكدح الليل والنهار ليحصل قوته وإما أن يكون طالبا منبوذا فلا إعانة ولا مكافأة ولا رأي يبديه في الانتخابات الطلابية، والأدهى من ذلك والأمرّ- وصدق أو لا تصدق- لا يمكن أن يقبل في أي جهة حكومية حتى وإن كان الأول على دفعته ومكرما مباشرة من يد صاحب السمو حفظه الله ورعاه! وفي النادر الذي يشبه المعجزات يعين على أدنى راتب في الوزارة التي يعمل فيها فلا يمكنه بحال أن يكون كالوافد فضلا عن المواطن!
كل العالم يقدر ما قام به الشيخ الإنسان د. عبدالرحمن السميط الذي أخرج الآلاف من الظلمات إلى النور، فمن يخرج المسلمين الذين هم بين أظهرنا من جهنم التي وضعهم فيها فشل الحكومات السابقة حتى اشتعلت واستعرت.
هل لك أن تتخيل عدم قدرتك على إدخال أبنائك في المدارس ولا علاجهم ولا توظيفهم ولا السفر بهم ولا حتى تزويجهم؟!
وللواقع الظالم الذي يرزحون تحته لطالما وقع عليهم الظلم ولا سيما في القضايا الاجتماعية والتجارية... ولو أن في رأس الحكومة ذرة عقل لرأتهم مغنما بهم تزداد قوة على جميع المستويات ولما جلبت إليها الوافدين من الخارج زرافات ووحدانا، ولما كان حالها كما قال التهامي:
زمن كأم الكلب ترأم جروها
وتصد عن ولد الهزبر الضاري
إن سمو الأمير وسعت إنسانيته العالم أجمع، وعلى الحكومة أن تترجم هذا الإنجاز في صالح هذه الفئة التي طال عذابها، ولو أن هناك مؤمنين حقا بقضايا الإنسانية والحريات لما بقيت قضية (البدون) معلقة طيلة هذه العقود، ولكنها شعارات للشهرة والكسب عند الأكثرية ولا أقول الأقلية.
إن المواطن الكويتي يتذمر من أي شيء أحيانا كثيرة بحق وأحيانا من فرط الدلع، ألا ما أطول صبر «البدون»!