شؤون خليجية -
في أوطان "عربية – خليجية" كتمت أنفاس من يحاول الحديث بها ورفع صوته ضد الظلم والقهر، يوجد أشخاص لديهم من القدرة والشجاعة أن يحاربوا في مجتمع مليء بالانتهاكات والتجاوزات، من أجل أن يوصلوا أصواتهم إلى الجميع دفاعًا عن حقوق الإنسان في حياة كريمة وحرية، ويعملون من أجل إصلاح أوطانهم سياسياً واجتماعياً حتى تستطيع أن تعبر إلى مستقبل أفضل فيه الخير للجميع.
"شؤون خليجية" حاور أحد أبرز هؤلاء الأشخاص، إنه الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور، الحائز على جائزة "مارتين أنيالز" في بداية أكتوبر الحالي، تقديرًا لجهوده في الدفاع عن حقوق الإنسان بالإمارات، ليحدثنا عن نفسه، وما تعرض له في سبيل الدفاع عن حقوق غيره من المظلومين بالإمارات خاصة، ودول الخليج عامة، نقل لنا صورة من أبرز الانتهاكات التي تعرض لها ويتعرض لها غيره كل يوم، وعن وضع المنظمات الحقوقية التي يعد جزءًا منها.
هل من الممكن أن تعرفنا بنفسك، وكيف توجهت لمجال حقوق الإنسان؟
بالنسبة للخلفية الأكاديمية لي أنا مهندس حاصل على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية، وحاصل على ماجستير في هندسة الاتصالات من الولايات المتحدة الأمريكية جامعة كولورادو لمدينة بولدر الأمريكية، توجهت للاهتمام الأكاديمي بالدراسات الحقوقية عام 2009، حيث بدأت أدرس قانون، وتوقفت للمرة الأولى بسبب دخولي السجن عام 2011، وبعد خروجي من السجن عدت لإكمال دراستي، ولكن تم الاعتداء علي مرتين في الجامعة من قبل مجهولين من خارج الحرم الجامعي، فكان هناك نوع من التهديد ضدي مما جعل العائلة متخوفة من استكمالي الدراسة، فاضطررت لإيقاف الدراسة على الأقل لفترة معينة، هذا على الصعيد الأكاديمي، ولكني أنهيت أغلب المواد المتعلقة بالقانون "المواد المتعلقة بالقانون الجنائي والدستوري والدولي والإجراءات الجزائية وما شابه"، بالإضافة لاطلاعي الشخصي قبل وبعد ذلك على القوانين المحلية والدولية على الجانب القانوني والحقوقي، فلدي خلفية جيدة عن الجانب القانوني.
وقبل توجهي الكامل للنشاط الحقوقي كنت مهتمًا بالأدب من الثمانينات، وتقريبًا من منتصف لآخر الثمانينات كنت أكتب في صحف مختلفة، وأحيانًا في الإذاعة، وتقريبًا نشرت في أغلب الصحف الإماراتية، وقدمت ندوات وعملت حوارات في المجال الأدبي، خاصة في المجال الشعري، وصدر لي ديوان شعري وقصائد نثرية بعنوان "ابعد من عدم"، ولكن الآن توقفت عن كتابة الشعر وأصبح اهتمامي منصبًا على الجانب الحقوقي، حتى أغلب قراءاتي تتعلق بالجانب الحقوقي، وإن كنت محتفظًا بقراءاتي أيضًا في الجوانب الأخرى، خاصة الجانب الأدبي.
ماذا عن مشوارك كناشط حقوقي في المجال الحقوقي والدفاع عن حقوق الآخرين، ومدى استجابة المؤسسات الحقوقية لمطالب النشطاء الحقوقية؟
بدأت العمل على مواضيع حقوق الإنسان عام 2006، حيث بدأت حينها البداية الممنهجة لنشاطي الحقوقي، بعد أن تم إغلاق أحد المواقع الإلكترونية وهو منتدى حواري، كان منتدى نقديًا لإحدى الظواهر الاجتماعية في دولة الإمارات، وتم إغلاق الموقع وسجن صاحبه مع كاتب آخر من كتاب الموقع، فقمت حينها بكتابة عريضة للمطالبة بالإفراج عنه هو وزميله، ورفع الحجب، وإعادة المنتدى للعمل.
كانت هذه أول قضية عملت عليها بشكل جدي، من بعدها أصبح موضوع حقوق الإنسان خاصة قضية حرية الرأي والتعبير، هو الأهم بالنسبة لي وهو الأكثر حضورًا.
بالنسبة للمواضيع التي عملت عليها منذ عام 2006 وحتى 2010، كانت القضية الأكثر حضورًا بينها هي القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، وبالفعل في العديد من القضايا التي عملنا عليها استطعنا أن نحصل على ردود إيجابية من قبل السلطات، ففي قضية المنتدى سالفة الذكر تم إطلاق سراح صاحبه الذي سُجن وكذلك زميله، وتم إسقاط التهم عنهم، وعلى الرغم من عدم عودة المنتدى للعمل، إلا أنه تم إسقاط كل التهم، وهذا بناء على النشاط الحقوقي الذي قمنا به، والذي أخذ أبعادًا دولية وأبعادًا داخلية آنذاك.
واصلت حلقات أخرى من النشاط الحقوقي التي قمنا بها، والتي كان لها أثر ايجابي، أحدها كان يتعلق بحجب مدونة فردية لشخص كان يكتب باسم مجرد إنسان، وبسبب النشاط الذي قمنا به تم رفع الحجب عن المدونة، وفي عام 2009 كان هناك مقترح بخصوص مشروع قانون للأنشطة الإعلامية، وكان قانونًا بديلًا لقانون الإعلام القديم الذي تم إقراره عام 1980.
ولكن لأن قانون الأنشطة الإعلامية المقترح آنذاك كان به الكثير من الشوائب المتعلقة بحرية الرأي والتعبير فكان نوعًا من التحدي، فقمت مع بعض الزملاء بكتابة عريضة أرسلناها لرئيس الدولة نطالبه بالتدخل لإيقاف إصدار هذا القانون، وبالفعل تمت الاستجابة، وتم تجميد قانون الإعلام أو ما كان يسمى قانون الأنشطة الإعلامية، ولم يصدر حتى اليوم.
ففعليًا كانت هناك أنشطة استطعنا تحقيق بعض النجاحات فيها حتى 2010، ولكن بعد عام 2011 أصبح هناك تعنت من قبل السلطات الإماراتية وعدم استجابة على الإطلاق، لا للضغوطات الخارجية، ولا للضغوط الداخلية، بل بالعكس هناك هجوم مضاد، وهجوم استباقي من قبل السلطات على النشطاء والمطالبين بحقوق الإنسان وحتى المنظمات، وكل من يعمل في هذا المجال.
كيف ترى مساحة حرية التعبير داخل دول الخليج؟ ولماذا معظم أو كل دول الخليج متهمة من قبل المنظمات الحقوقية بقمع حريات التعبير؟
الإمارات لا يوجد فيها حرية تعبير بالمطلق، يؤسفني أن أقول هذا الكلام، ولكن الحقيقة أنه لا توجد حرية رأي ولا تعبير بالإمارات، كون مفهومي لحرية الرأي والتعبير يتعدى المفهوم الناقص أو المشوه، الذي تود السلطات أن تسوقه للعامة، بالنسبة لي أن يكون هناك حق في الرأي والتعبير وإضفاء الحماية القانونية للرأي ليس فقط المختلف، ولكن شديد الاختلاف معك والذي ربما أحيانًا يكون مزعجًا بالنسبة لك أنت، سواء كنت سلطة أو أسرة حاكمة أو أي جهة رسمية في الدولة.
أما الحاصل الآن بالإمارات فهناك تحصين للأسر الحاكمة ضد النقد، تحصين للجهات الرسمية ضد النقد، تحصين لما يسمى برموز الدولة ضد النقد، تحصين حتى من قدرتك في التعبير النقدي عن بعض الظواهر السياسية أو بعض الظواهر الدينية، سواء في الداخل أو الخارج، فهناك مثلًا اتفاقات أمنية بين دول مجلس التعاون الخليجي لها أيضًا أثار كبيرة في القضاء على المساحات المتاحة في بعض دول الخليجي من حرية الرأي والتعبير.
بالطبع الحال يختلف من دولة، ودولة مثل الكويت رغم أنها من أكثر الدول حبسًا للمغردين من ناحية العدد، إلا أن مساحة الحرية ما زالت فيها أعلى، ولذلك نجد عددًا من الشباب يقضون سنوات من عمرهم حبسًا بسبب تغريدة، لأن سقف الحرية أعلى، يعني أتاح الحديث والحرية بشكل أكبر، وقامت السلطات باستغلال هذا الهامش للحد من قدرة هؤلاء الشباب على الانتقاد والتعبير بشكل سلبي، خاصة فيما يتعلق بنظام الحكم في الكويت، أما عمان فهي أيضًا تعد أفضل حالًا من الإمارات، حتى السعودية هامش الحرية في التعبير أعلى من الإمارات.
وكذلك تعد البحرين أفضل حالًا من الإمارات لعدة أسباب، أبرزها وجود نشاط سياسي قديم في البحرين، ووجود مدافعين عن حقوق الإنسان نشروا عبر سنوات طويلة أهمية حرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى أن النخب السياسية الموجودة بالبحرين لديها نوع من الوعي، ومنخرطة في الشأن السياسي منذ فترة طويلة، وهي في حراك دائم فيما يتعلق بالحقوق السياسية والمدنية، وهذا جعل الأمر أفضل حالًا بالنسبة لحرية الرأي والتعبير مقارنة بالإمارات.
ففي الإمارات يوجد العديد من القوانين التي تحد من حرية الرأي والتعبير، بل تقضي على أي هامش لحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، فمن قانون النشر الإلكتروني وقانون الجرائم الإلكترونية إلى قانون الإرهاب إلى قانون التمييز العنصري إلى قانون العقوبات، وجميعها قوانين تحتوي على عقوبات مغلظة جدًا شديدة العقوبة تصل فيها العقوبة إلى المؤبد، وفي بعض الأحيان تؤدي للإعدام.
والمشكلة أيضًا ليست في الأحكام الناتجة عن تلك القوانين فحسب، ولكن تلك القوانين مفتوحة وغير منضبطة، وفيها كثير من العبارات حمالة الأوجه، والتي يمكن استغلالها بشكل سهل من قبل السلطات، وهذا هو الهدف من إبقائها في المنطقة غير المعرفة جيدًا، حتى يسهل استغلالها من قبل السلطات، وهي غالبًا ما تستغلها ضد المعارضين، والنشطاء، ولا تستخدمها ضد الأشخاص الموالين للحكومة، فهناك عملية انتقائية في تطبيق القوانين المنافية لحقوق الإنسان في الأصل.
كيف تقوم بدورك في داخل المجتمع الإماراتي كناشط حقوقي؟ وما هي أبرز العقبات؟ وكيف تتغلب عليها؟
هناك العديد من العقبات في العمل الحقوقي بالإمارات خاصة بعد الربيع العربي، وهي تتراوح من السجن إلى الحملات الإعلامية المكثفة، حملات الشيطنة، وحملات ذات طابع "مكارثي" بحت لتشويه السمعة، واغتيال الشخصية تقودها أجهزة الدولة وبرعاية الأجهزة الأمنية، بالإضافة للاعتداءات الجسدية والحرمان من العمل وسرقة الرصيد البنكي، وحتى سرقة السيارة كما حدث معي.
بالنسبة لي سرقت أموال ضخمة لي من البنك، تقريبًا كل ما أملك، وسرقت سيارتي من أمام النيابة العامة بأبو ظبي، كما تم الاعتداء علي جسديًا مرتين، وتلقيت تهديدات بالقتل من أشخاص مجهولين، وأحيانًا من أشخاص يعرفون أنفسهم، بل حتى يعطوني أرقام تليفوناتهم وأتعرف على صورهم.
أما رد فعل السلطات على تلك الانتهاكات فهناك إنكار تام للعدالة من قبل السلطات الرسمية، ولا يتم اتخاذ أي إجراءات تجاه هؤلاء الأشخاص من قبل السلطات، على الرغم من وضوح أفعالهم الإجرامية، إلا أن السلطات تقوم بحماية هؤلاء ورعايتهم رعاية كاملة للقيام بهذه الأفعال، وتجعلهم بمنأى عن العقوبة فهناك سياسات ممنهجة لمساعدتهم على الإفلات من العقاب، بالإضافة للتضييقات الأخرى، مثل عدم إعطاء جواز سفر لي منذ 2011، وحتى الآن فجواز سفري لدى السلطات.
كما تم وضعي على قائمة الممنوعين من السفر، وحتى لا أستطيع استخدام بطاقة الهوية للمرور لدول مجلس التعاون الخليجي، وهناك مضايقات شديدة جدًا من جميع النواحي، بالإضافة لمحاولات التجسس عبر اختراق الإيميل الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي "تويتر وفيس بوك"، وحتى الملاحقة الفيزيائية من خلال سيارات إما تلاحقك في الطريق، أو تقف أمام المبنى لتراقب حركتك، وشاهدت العديد من هذه المواضيع.
العديد من هذه الممارسات والانتهاكات والتضييقات التي تمارس علي، تمارس أيضًا على العديد النشطاء في منطقة الخليج، ويبدوا أنهم جميعًا يقرءون من الكتاب نفسه، ولكن هناك تفاوت أحيانًا بين دولة وأخرى في المدى الذي تذهب إليه هذه السلطات في هذه التوقيتات.
وبالفعل تضع تلك الظروف العديد من العقبات أمام عملي كناشط في حقوق الإنسان، ولكن نجد طرقًا للالتفاف عليها من ناحية، ومن ناحية أخرى تبقى ممارسة نفس العمل تحت هذه الأخطار التي يمكن أن تؤدي لأي انتهاك جديد كالاعتقال، والتضييق على مصادر المعلومات والضحايا المتواصلين معك، وبالفعل حدث هذا في أكثر من مناسبة، وتم اعتقال عدد من الأشخاص بسبب مقابلتهم لي وللمنظمات الحقوقية. ولم يتوقف الأمر عند الاعتقال، ولكن تم وضع البعض على قائمة المنع من السفر لالتقائهم بنشطاء حقوقيين.
ولكن نحن نفعل ما بوسعنا للالتفاف حول هذه الأمور، والاستمرار في العمل رغم الظروف الصعبة جدًا، لإيماننا الشديد أن هذا الموضوع الذي نعمل عليه موضوع ضروري ولا يمكن التوقف عن القيام به، لأن عواقب توقف العمل الحقوقي أكثر سوءًا، وعواقب وخيمة جدًا مقارنة بالاستمرار على المدى البعيد.
حصلت على جائزة حقوقية من منظمات عالمية معتبرة عن دورك ونشاطك.. كيف ترى هذه الجائزة بالنسبة لك؟
الجائزة هي الجائزة الأشهر في جال حقوق الإنسان يقارنها البعض بجائزة نوبل والأوسكار في هذا المجال، وأنا سعيد جدًا أن حصل عليها شخص، سواء أنا أو غيري، من دول الخليج بالأساس، والإمارات خاصة.
وسبب سعادتي بالجائزة أن نظرة الجميع بشكل عام للإمارات عادة ما تكون نظرة الانفتاح والتطور العمراني، فهي دولة بها الشواطئ، وبها مراكز التسوق، وهي نفسها مركز تجاري مهم، والالتفات لمواضيع انتهاكات حقوق الإنسان قليل جدًا، فأرى أن حصولي على هذه الجائزة ربما يجعل فئة أخرى تنظر للإمارات بمنظور مختلف، عبر الالتفات للانتهاكات التي تمارس ضد الحقوق الأساسية للإنسان في هذا البلد.
الجائزة أيضًا لها بعد إقليمي بالنسبة لي، لأنها تأتي كإقرار لجهود المدافعين عن حقوق الإنسان في الخليج، والمنطقة عامة، فهي اعتراف بهذا الجهد، وهؤلاء الأشخاص القائمين عليه، وأتمنى أن يكون لها مردود إيجابي ولو قليل، وتساهم في تقريب الصورة، خاصة في البلدان التي لم تحصل على اهتمام كاف من دول مجلس التعاون.
هل تتواصل مع جهات حقوقية في الداخل الإماراتي؟ وما هي؟
لا توجد منظمات حقوقية معتبرة ومستقلة لحقوق الإنسان داخل الإمارات، هناك جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، وهي جمعية تابعة للحكومة، وكأغلب المنظمات والجمعيات التابعة للسلطات تقوم بتفريغ انتهاكات الحكومة، فهي بالنسبة للسلطات الإماراتية تعد حائط صد، باعتبارها جمعية يتم تصويرها على أنها من جمعيات المجتمع المدني، وفي الحقيقة هي ليست كذلك، ولكن يتم استخدامها على أنها من منظمات المجتمع المدني، لإضفاء نوع من الشرعية على انتهاكات السلطات، والرد على منظمات حقوق الإنسان الدولية المعتبرة عندما تقوم بانتقاد دولة الإمارات في أي جانب من جوانب حقوق الإنسان.
الحقيقة أن الداخل الإماراتي لا توجد فيه منظمات مستقلة لحقوق الإنسان، وبالنسبة للجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان الدولية كالأمم المتحدة تربطنا بهم علاقات جيدة، وأنا عضو في الهيئة الاستشارية لهيومان رايتس ووتش، ولمنظمة هوم، ولمركز الخليج لحقوق الإنسان، وطبعًا لدينا تواصل مع الجميع حتى الصحافة الدولية.
عربيًا كيف ترى الوضع الحقوقي؟ ولماذا هذا الملف مغلق رغم الانفتاح العالمي؟
لا اعتقد أن الملف الحقوقي العربي مغلق، هو ملف سيئ ومظلم للغاية، ولكن دائمًا ما نبحث عن نقاط الأمل في هذا الجو القاتم والكئيب، فحينما نأتي للحديث عن الوضع الحقوقي، والشأن الحقوقي في المنطقة العربية يجب أن نفرق بين أمرين، الأول: التناول الرسمي الحكومي. والثاني: تناول المنظمات الحقوقية المستقلة لهذا الملف.
فالحكومات بالطبع لها أجندتها المستقلة، وهي تُوظف موضوع حقوق الإنسان تكتيكيًا ليُناسب سياساتها، حيث يمكن أن تقوم الدولة نفسها بالتعامل مع الملف نفسه بطريقتين مختلفتين، حسب السياسة التي تتبعها الدولة.
أما المنظمات الحقوقية لديها مسطرة واحدة تقيس بها الانتهاكات، بغض النظر عمن يقوم بتلك الانتهاكات، وبغض النظر عن الدولة المسؤولة عن الانتهاكات، فعلى صعيد المنظمات هناك تناول للشأن العربي بشكل كبير، ولكن للأسف الإعلام لا يلتفت كثيرًا للتقارير الحقوقية.
وسبب التقصير الإعلامي بالملف الحقوقي يعود إلى أن الإعلام الداخلي أغلبه محكوم بالتوجهات الرسمية، ويحاول دائمًا الهجوم على تلك المنظمات والتقليل من شأن التقارير التي تصدرها، واتهامها بالكذب والافتراء، وما إلى ذلك من إبداعات تعبيرية تستخدمها السلطات في المنطقة.
السبب الثاني للتقصير هو الوضع متأزم في المنطقة العربية، فنجد أن متابعة، وتغطية الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان تراجع للوراء خاصة مع الحروب، والقتل بسوريا والقتال الدائر باليمن والعراق وليبيا، ونجد الصحافة العالمية تلتفت للحروب، وما يتعلق بها بشكل أكبر من التفاتها لاغتيالها شخص في مصر مثلًا، أو أكثر من التفاتها لاعتقال بالجملة من قبل هذه الميليشيا أو تلك الفئة في اليمن، أو حتى حالات إعدام بالسعودية أو إيران أو العراق.
فللأسف الشديد سخونة الأحداث بالمنطقة إحدى ضحاياها هي التغطية الإعلامية المتعلقة بحقوق الإنسان في الوطن العربي، ولكن الحقيقة أن المنظمات تعمل بشكل ممنهج ودائم وحثيث بخصوص حقوق الإنسان في المنطقة العربية، وهناك جهود كبيرة، ولكن التغطية الإعلامية في هذا الظرف الزمني ليست بالقدر الكافي، لا من الداخل ولا الخارج، لوجود قضايا ذات أهمية أكبر.
أزمة المعتقلين العرب بالإمارات ما أسبابها، وهل هناك رد فعل دولي كافٍ لإنهاء تلك الأزمة؟
الاعتقال التعسفي أصبح سياسة ممنهجة سواء للإماراتيين، أو غير الإماراتيين، الآن جميع المعتقلين على اختلاف جنسياتهم يتم اعتقالهم بشكل تعسفي، ويتم أخذهم لسجون سرية بشكل أوضح ما يكون للاختفاء القسري، ويتم تعذيبهم، أو إساءة معاملتهم كما شهدت بذلك المقررة الخاصة للأمم المتحدة، وكما دونت العديد من المنظمات تلك الشهادات، وكما ظهر بعض الأشخاص الذين تم تعذيبهم، وأطلق سراحهم لاحقًا وأدوا شهاداتهم أمام العالم، ودونت هذه الشهادات بالصوت والصورة.
وتتم محاكمة المعتقلين بالإمارات حسب المراقبين، بمحاكمات تفتقر لأدني معايير المحاكمة العادلة، والحكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة، حتى المواطنين الإماراتيين يمرون بالإجراءات نفسها التي يمر بها المعتقلون العرب.
وأسباب تلك المشكلة نابعة بشكل كبير من وجود إشكالية كبيرة لدولة الإمارات مع الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، فهي من الدول التي صنفت الإخوان كجماعه إرهابية، وليس الإخوان فحسب، بل صنفت أيضًا جمعيات حقوقية كجماعات إرهابية.
ومشكلة الإمارات مع الإسلام السياسي للأسف يتم استغلالها ليس فقط ضد الأشخاص الذين لديهم توجه، أو هم جزء من حركات الإسلامي السياسي، بل يتعدى ذلك لأهاليهم ومن يؤيدهم ومن يدافع عنهم، وحسب الروايات التي يتم الحديث عنها عن المعتقلين الليبيين أن بعضهم تم اعتقاله ليس لانتمائه هو، ولكن لانتماء أخو أحدهم لتيار الإسلام السياسي، ولدينا نموذج الشاب المصري مصعب رمضان الذي تم اعتقاله بالإمارات، و تقول بعض المعلومات أن هذا جاء رد فعل ضد والده، الذي كان ضمن حزب الحرية والعدالة، وعمل في موقع رسمي أثناء فترة حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
وأعتقد أن الإمارات تريد أن توصل رسالة للآخرين، وهي أن الإمارات دولة لن تسمح بتواجد أشخاص ذوي توجهات متعلقة بالإسلام السياسي، فهي تبقى منطقة خالية من تلك الحركات والتوجهات، وهي منطقة تقود حملة ضد الإسلام السياسي.
فالإمارات لديها انطباع أن الإسلام السياسي بشكل عام هو الخطر الأكبر بالنسبة لها، ولذلك تجيش جميع مؤسسات الدولة داخليًا لمحاربة الأشخاص للتيارات الإسلامية، أو من يعتقدون أنهم يحملون توجهًا مؤيدًا أو متعاطفًا مع الحركات الإسلامية، أو حتى هؤلاء من بعض أقاربهم من المنتمين لحركات الإسلام السياسي، كما رأينا في بعض الحالات، وهذا التوجه ينعكس على سياسة الإمارات الخارجية.
بالنسبة للدور الدولي في محاربة تلك الانتهاكات، للأسف دور يتمتع بازدواجية كبيرة جدًا، ولا يمكن التعويل عليه في جميع الحالات ضد جميع الدول، فهناك مصالح تحجم من الدور الرسمي حول مواضيع حقوق الإنسان، فالعديد من الدول المؤثرة تتغاضى عن الانتهاكات في سبيل الإبقاء على مصالحها مع هذه الدول.
وحدث هذا التغاضي بالفعل في العديد من الدول الخليجية، والعربية وأدى هذا لاستشراس من ناحية الدول التي قررت أن تستمر في هذه الانتهاكات، فقامت تلك الدول بالمحاربة وتكوين حملات علاقات عامة، ودعاية وتلفيق ولي عنق الحقائق، وإعادة توجيه الرأي العام في طرح حقوق الإنسان.
وعلى صعيد المنظمات فهناك الكثير من العمل تقوم به المنظمات، ولكن للأسف لا توجد استجابة جدية، ومقنعه من الحكومات التي تتعامل مع هذه المنظمات.