نصري الصايغ- السفير اللبنانية-
السعودية ضد «الميادين»، الإعلام، إذاً، في خطر مضاعَف. احذروا المملكة. لم تعد دولة الصمت. صارت تتكلّم بلغة الأمر. لكنة عسكرية في لهجتها. أمراؤها جنرالات... «الحكمة» التي أغدقت عليها كقيمة سياسية عليا، فضحَها سفور المواجهة.
احذروا المملكة. السعودية تريد من غيرها أن يصمت. لا تريد نشازاً. الحرب تفرض الامتثال لمنطق القتل والقتال. فلتذهب «السمعة الحسنة» إلى جهنم. وزراء خارجيتها مرسَلون من وزارة الدفاع. يقولون أقوالاً، تشبه ما تلفظه الأسلحة، في الميادين.
احذروا حرية الفكر والقول والتصريح والتفكير. للحرب منطقها الخاص. الحرية أولى ضحايا الحروب. على الإعلام أن يصطفّ ويسمع ما يلقَّن فقط. ليس مطلوباً منه أن يرى وان يسمع وان يسجل وان ينقل وان... ينتقد. مثل هذه الرذائل، خيانات تخدم الأعداء.
إما أن تكون مع السعودية وإما لا تكون. هي في حرب مدمّرة في اليمن. اليمن، بعد الغارات الجوية و «الحسم» العربي، بات مرشحاً ليكون شبيهاً بسوريا. دمار. ركام. قتل. دماء. عذاب. تهجير. ضياع. وحروب أهلية تتمدد وتتجدد، كلما ازداد القصف واندلعت معارك...
إما ان تكون مع السعودية، حذو القتل بالقتل، وحذو القول بالقول. أو لا تكون بالمرة. عليك أن تردّد أو أن تخرس، تماماً، كما هي حال الأنظمة العسكريتارية والأساليب الديكتاتورية. ومن لم يعرف أفق المعارك الدائرة، عليه ان يدرك هواجس المملكة. فهي لا تقاتل من أجل وحدة اليمن، أو من أجل نظام ديموقراطي، ولا تقاتل بالواسطة في سوريا، من أجل ثلاثية «الحرية والعدالة والكرامة». ولا تتدخل، بكل ما أوتيت من مال وعتاد ودعم وايديولوجية، من أجل هدف لا يخصها... السعودية في حروبها، تدافع عن السعودية. انها حرب وجودها، مملكة العائلة، ومملكة النفط، ومملكة «الحكمة المالية»، وهي من أبلغ الحكماء «إقناعاً»... وفي هذا المجال، تتمتع المملكة بقوة خارقة لا تُجارى.
المملكة، في الأساس، تكره الإعلام. الإعلام، يكشف العيوب. يظهر الحكايات، يرصد الحركات. يثرثر ويتكلم. وعندما يصيب ويؤلم، يُعاب... المملكة لها من الذكاء ما يجعلها تعرف مَن معها ومَن ليس معها. الحياد، ادعاء مفضوح. المسالمة، سياسة مكشوفة. غير مسموح، في الممالك المظلمة وفي الديكتاتوريات الظالمة، غير إتقان الإملاء. الإنشاء، تتم صناعته وصياغته، في الغرف المغلقة والقاعات المجهولة، المزوّدة بأجهزة رصد الأنفاس والأفكار... لا أحد غبي أبداً. تمثيل دور الحياد البريء ليس مقبولاً، و «الميادين» في هذا المضمار، ضبطت بقول غيرها، فعوقبت بما لم تقلْه... تلك كانت «النكتة» التي تفجّر قرفاً وازدراءً.
لا نقول ما ليس معروفاً. السعودية دولة محمية إعلامياً في العالم. تواطؤ مفهوم، بين دول التجارة العالمية بحقوق الإنسان، وبين «الدول المفيدة» في اصطفافات الصراع الدولي والإقليمي. السعودية أكثر الممالك حماية.
نفوذها السياسي لا يُقاوَم، هي مملكة مطاعة. اقتراحاتها، قرارات لا تردّ. قريبة جداً من صنَّاع القرار، حتى في واشنطن، بدلالة بندر ـ بوش، ونافذة في مواقع المال وتجارة السلاح ومصانعه... مَن يرَ إلى السعودية انها مملكة مقيمة في جغرافيا خليجية، فهو قصير النظر. المملكة دولة عالمية، إنما في الخطوط الخلفية، حيث للظلام منفعة في التجهيل.
نفوذها العربي حاسم وشبه شامل. التزم عرب «الجامعة» العربية بفروض «عاصفة الحزم» بلا نقاش. صوّتوا بالمدفعية الثقيلة، انشأوا تحالفاً عربياً، وكادوا يقرّون سياسة دفاع وحرب عربية مشتركة، بجيوش في خدمتها. هكذا، وبسرعة الإعلان عن القرار، امتثل أصحاب «السيادة». وقفوا في الصف زرافات، وبايعوا الحرب، مقابل أن يقبضوا رضاً او أثقل من ذلك في ما بعد... الدول العريقة في ديموقراطيتها وفي «محبتها» الفجة للسلام، سارعت على التقيّد بموجبات الحرب إعلامياً... ممنوع على إيران أن تكون خارج حدودها. قبلها، كانت السعودية ومَن معها قد رفعت شعار: ممنوع أن تكون إيران نووية. وقبل ذلك بكثير، أي منذ التأسيس، ممنوع أن تكون إيران الإسلامية موجودة. فكانت حرب صدام، وحروب العرب والغرب إلى جانبه، باستثناء قلة، مغضوب عليها.
ليست إيران بريئة في اليمن. وليست محايدة في العراق. وهي متورطة في سوريا. والسعودية كذلك، متورطة في اليمن والعراق وسوريا، وبأهداف متناقضة... وكفة السعودية إعلامياً، عالمياً وعربياً، راجحة. فممنوع وجود أصوات، تقول ما لا تقوله المملكة.
السعودية دولة محميّة دولياً. لا يُقال لها ما ينكّد سياستها، تُراعى كالعين. مغفورة لها خطاياها، ومثل هذا، قديم جداً. وزارة الخارجية الأميركية تعد سنوياً تقريراً عن حقوق الإنسان في عدد من الدول، ومن بينها السعودية. التقرير فضيحة. تطلع عليه فقط أجهزة الإدارة الأميركية ويوضع في الحفظ. تداوله محدود، وبخفر شديد. أما الدول «المارقة»، والمنتهكة لحقوق الإنسان، بدرجة أقل، فيُصار إلى التشهير بها. وذلك، ليس بسبب انتهاكاتها، بل بسبب سياساتها. السعودية وإيران تحتكمان في نظام العقوبات إلى الشرع الإسلامي. يُغفر للسعودية، ويُشهّر بإيران، اما الدول الديكتاتورية، فينتقى منها ما يناسب القوى العظمى... السعودية زبون دائم وشريك مالي ولا تجرؤ دولة على تحدي إرادتها او الإشارة إليها بنقد. تجربة الدول السكندينافية مع المملكة فضيحة مدوّية. لقد ألزمتها السعودية بأن تعتذر، فاعتذر الملك فيها عن تصريحات وزيرة خارجيته في البرلمان.
لا علاقة للسعودية بحقوق الإنسان. امتنعت في العام 1948 عن التوقيع على الشرعة. عارضت المادة 18 التي تضمَن حرية التفكير. وحرية الضمير، وحرية الاعتقاد... هذه من الكبائر. لم تقبل بها السعودية. التفكير مضرٌّ بالصحة «الوهابية» وبالمصالح «الملكية». هذا، إضافة إلى رفضها للمادة 13 (حرية الانتقال) والمادة 16 (حق المساواة بين الرجل والمرأة) والمادة 23 (حرية النقابات) إضافة إلى حرية الصحافة والإعلام.
السعودية فوق الشبهات في كثير من الإعلام العربي. هذا مفهوم ومعروف ومسكوت عنه. السعودية محميّة من قبل وسائل الإعلام الكبرى عالمياً. وهذا مفهوم ومعروف ومسكوت عنه. تنفق أموالاً على إعلام لها وإعلام يؤيّدها ويباركها ويطوِّبها ويبرؤها من كل مكروه. أما الإعلام الغربي، المقيَّد برساميل الشركات العملاقة، صاحبة المال والقول، فلها حق الأمرة في منع ما يشير إلى السعودية بإصبع استفهام أو سؤال، فكيف بإصبع اتهام؟!
«الميادين»، صوت إعلامي. خارج عن السرب السعودي. حوكمت بجريرة غيرها، لأنها في الأساس، ليست ضمن العائلة الإعلامية المالكة أو المملوكة سعودياً.
احذروا السعودية، تستطيع أن تعاقب. وبالإمكان، التغلب على العقوبة، بالقول والفكر والجرأة ودفع الثمن. وهناك مَنْ هو مستعدّ لذلك.