شؤون خليجية -
قضيتان حقوقيتان، تسببتا في أزمة علاقات بين السعودية ودول غربية ومنظمات حقوقية ودولية، والبحث الآن عن "مخرج" لنزع فتيل التوتير بين الرياض وعدد من عواصم الدول الغربية، ووساطات دولية على مستوى عال لحل المشكلتين، وصلت إلى مستوى الرئيس الفرنسي, وولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، ورئيس الوزراء البريطاني, وعدد من وزراء الخارجية، وتسببت إحداهما في أزمة دبلوماسية بين السويد والسعودية، أدت إلى سحب السفير السعودي من ستوكهولم، وهددت الأخيرة بتجميد التعاون العسكري بين البلدين، ولكن تم احتواء الأزمة باتصالات بين ملك السويد بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، كما أدت القضية نفسها إلى تأزم في العلاقات بين السعودية وبريطانيا، بعدما فسخت لندن عقدًا موقعًا مع الرياض لتطوير السجون السعودية، بالإضافة إلى الانتقادات التي وجُهت إلى الرياض بسبب ملف حقوق الإنسان، وهدد السفير السعودي من "تداعيات خطيرة"، وقال إن بلاده واحدة من حلفاء بريطانيا المقربين في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كونها شريكًا تجاريًا مهمًا، ووجهت منظمات حقوقية انتقادات عنيفة للمملكة بسبب العمل بقانون الإعدام وقانون العقوبات في السعودية..!!
والسؤال: كيف يمكن حل القضيتين في ظل صدور أحكام قضائية من القضاء السعودي وتأكيدات بعدم التدخل في شؤونه؟ وهل هناك سوابق في قضايا حقوقية تدخلت السلطات السعودية وتم حلها؟ والأهم ماذا عن تصريحات مسؤولين في عواصم غربية بحل إحدى القضيتين؟
القضيتان سبب "الصداع الحقوقي الدولي" في رأس السعودية، الأولى خاصة بمؤسس الشبكة الليبرالية الناشط "رائف بدوي"، الذي حوكم بسبب تدشينه الشبكة على الإنترنت، واتهم بالإساءة لـ"الإسلام والمسلمين"، وحكم عليه بالسجن 15 عامًا والجلد 1000جلدة، نفذت منها دفعة واحدة 50 جلدة بعد صلاة الجمعة أمام أحد المساجد في مدينة جدة، والقضية الثانية للشاعر الفلسطيني "أشرف فياض"، الذي قبض عليهم وحوكم بتهمة الإلحاد وسب الله وسب الرسول واتهام القضاء السعودي بأنه "قضاء داعشي"، وحكم عليه بالقتل تعزيرًا، وهو حكم ابتدائي أثار غضب المنظمات العاملة في حقوق مجال الإنسان، ورموز إعلامية- أمثال الكاتب السعودي البارز قينان الغامدي، واللجنة السعودية لحقوق الإنسان.
قضية رائف بدوي
بدأ التفاعل بقوة مع قضية مؤسس الشبكة الليبرالية "رائف بدوي"، بعد تأييد الاستئناف الحكم بسجنه 10 سنوات وجلده 1000 جلدة، وتنفيذ أول دفعة جلد "50 جلدة" أمام أشهر مساجد مدينة جدة بعد صلاة الجمعة علنًا، بعد إدانته بارتكاب جرائم تتعلق بالإنترنت وبالإساءة للإسلام، وقال نشطاء إن الجلد سيتم تنفيذه أسبوعيًا، ولكنه تم تأجيله لـ"أسباب صحية".
وألقي القبض على رائف بدوي مؤسس موقع "الليبراليون السعوديون" عام 2012، وأدانت جماعات حقوق الإنسان الحكم الصادر عليه، وناشدت الولايات المتحدة السعودية إبداء الرأفة، ودعت "جين ساكي" المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، السلطات السعودية إلى وقف حكم الجلد الذي وصفته بـ"الحكم الوحشي"، ومراجعة القضية، وإضافة إلى الحكم، أمرت المحكمة "بدوي" بدفع مليون ريال (266 ألف دولار)، وفي عام 2013 تم تبرئة بدوي من تهمة الردة، التي يعاقب عليها في السعودية بالإعدام.
ونقلت فرانس برس عن شهود في موقع تنفيذ الحكم، أن بدوي وصل إلى المسجد في سيارة للشرطة وتليت عليه الأحكام أمام الحضور، وبعد ذلك طلب منه الوقوف مديرًا ظهره للحضور، ثم جلد، ولكنه بقي صامتًا، حسبما قال الشهود، وقال سعيد بو مدوحة من منظمة العفو الدولية: إن "جلد رائف بدوي إجراء وحشي وقاس يحظره القانون الدولي".
وأضاف: "بتجاهلها المطالبات الدولية بإلغاء الحكم على بدوي، أظهرت السلطات السعودية تجاهلًا بغيضًا لأبسط المبادئ الإنسانية".
وطالبت زوجة رائف بدوي بإطلاق سراحه، وقالت الزوجة، "إنصاف حيدر"، التي لجأت إلى كندا مع أطفالها الثلاثة بعد توجيه الاتهام لرائف، في مؤتمر صحفي "زوجي مسجون بسبب تعبيره عن أفكار ليبرالية"، وقارنت بين زوجها وبين الصحفيين الذين قتلوا في مجلة شارلي إيبدو في باريس، واتهمت السعودية بارتكاب الأعمال نفسها التي يرتكبها "تنظيم الدولة الإسلامية"، فيما قالت بياتريس فوغرانت من منظمة العفو الدولية: "نحن هنا من أجل أن لا يضطر رائف إلى تحمل 50 جلدة إضافية".
كندا: "فعل غير إنساني"
ووصفت الحكومة الكندية عملية الجلد العلني بأنها "فعل غير إنساني"، لكنها قالت إنها لا تستطيع عمل الكثير من أجل "رائف"، واندلعت أزمة بين السويد والسعودية بسبب تصريحات وزيرة الخارجية السويدية، ضد الرياض وإدانتها الحكم بسجن وجلد "بدوي"، وتصاعدت الأزمة بين البلدين، وسحبت السعودية سفيرها من ستوكهولم.
دهشة واستياء واستنكار
السعودية، أعربت عن "دهشتها واستيائها" من حملة الانتقادات الدولية بشأن سجن وجلد رائف بدوي، وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها بشأن القضية، إنها ترفض أي "تدخل في الشؤون الداخلية للمملكة"، وأضافت في بيانها أنها لا تقبل أي تدخل في سيادة الدولة، وكذا التعرض لنزاهة واستقلال نظامها القضائي، وترفض بشكل قاطع أي عدوان تحت ما يسمى "ذريعة حقوق الإنسان".
وأضافت : "وإذ تأسف المملكة على قيام هذه الوسائل بالتهجم عليها وعلى قضائها؛ فإنها في الوقت ذاته تؤكد أنها لا تقبل التدخل بأي شكل من الأشكال في شؤونها الداخلية، وترفض التطاول على حقها السيادي أو المساس باستقلال قضائها ونزاهته، حيث لا سلطان على القضاة في قضائهم، مؤكدة أن جميع القضايا المنظورة أمام المحاكم يتم التعامل معها دون تمييز أو استثناء".
وتابع البيان: "المملكة لا تقبل بأي حال من الأحوال أن يتعدى عليها أحد باسم حقوق الإنسان، خاصة أن دستورها قائم على الشريعة الإسلامية التي كفلت للإنسان حقوقه، وحفظت له دمه وماله وعرضه وكرامته"، وقالت: "المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي دعمت حقوق الإنسان، واحترمت كافة المواثيق الدولية تجاهها، وبما يتفق مع الشريعة الإسلامية الغراء، وبالرغم من هذه الجهود الواضحة للعيان، إلا أن بعض الجهات الدولية وبعض وسائل الإعلام للأسف الشديد أفرغت مبادئ حقوق الإنسان من مضامينها السامية، وجنحت إلى محاولة تسييسها واستغلالها في التعدي والهجوم على الحقوق السيادية للدول، بمعايير لا يمكن وصفها إلا بالانتقائية والازدواجية لخدمة أهداف سياسية، وهو أمر لا تسمح به المملكة، ولا تقبله على الإطلاق".
إصدار عفو
وفي خطوة لحلحة القضية، أعلن وزير الدولة السويسري للشؤون الخارجية ايف روسييه، أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، يبحث حاليًا في إمكان "اصدار عفو" عن المدون رائف بدوي، الذي حكم عليه بالسجن 10 سنوات وبألف جلدة، وقال الوزير لصحيفة "ليرتيه": "أبلغت بأن العقوبة علقت"، موضحًا أنه بحث في هذا الملف خلال زيارته الرسمية للرياض الأسبوع الماضي، وأضاف: "إن آلية لإصدار عفو يدرسها حاليًا العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود".
وأكد وزير الخارجية عادل الجبير، خلال مؤتمر صحفي في الرياض، أن قضية مؤسِّس الشبكة الليبرالية السعودية "رائف بدوي"، لا تزال أمام المحاكم السعودية.
الشاعر الفلسطيني
القضية الثانية، التي تسببت في أزمة للسعودية مع المنظمات الدولية، هي قضية الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني "أشرف فياض"، الذي ألقي القبض عليه في مدينة أبها جنوب السعودية، من قبل رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكم عليه بالقتل تعزيرًا إثر اتهامه بالإلحاد وسب الله والرسول، وفي رسالة من داخل سجنه في أبها بمنطقة عسير جنوب السعودية، كشف "فياض" عن تفاصيل قضيته التي حوكم فيها وإدانته والحكم عليه بالقتل تعزيرًا لثبوت إدانته بالإلحاد وسب الله والرسول، ونفي "فياض" في رسالته أنه ملحد، وقال من المستحيل أن أكون كذلك، وأوضح أن الاتهامات بدأت بعد صدور ديوانه "التعليمات بالداخل" عام 2008.
توزيع كتب إلحادية
وعن قصة القبض عليه قال الشاعر أشرف فياض، إنه تم القبض عليه ليلة 28 رمضان 1432، من قبل رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأحد المقاهي في حي أبوخيال بأبها، وأضاف قائلًا: "احتجزت في مؤخرة سيارة جيب الهيئة لمدة 3 ساعات تقريبًا دون أن تقدم لي حتى وجبة السحور، وكان الاحتجاز بناء على بلاغ تقدم بها طالب جامعي كان بيني وبينه خلاف شخصي، يتهمني فيه بالإلحاد وبأني أوزع كتبًا إلحادية، وخرجت بكفالة بعدها، ثم بعد 3 أعوام أعيد التحقيق معي في 25 صفر 1435".
وعن الحكم الصادر بحقه والحكم عليه بالقتل، قال: "إن الحكم استند إلى شهادة الطالب، وسبق وأن أكدت هذا الخلاف في محكمة الاستئناف التي رفضت قولي، ورفضت شهادة الشهود الذين أتيت بهم لإثبات ذلك، وأعادت القضية بملاحظاتها إلى المحكمة العامة، وحكم علي بتهمة الإلحاد، باعتباري صاحب هذا الديوان وأقررت لهم بأني صاحب الديوان"، وقال "فياض" إن شرارة دخوله في دوامة تهمة الإلحاد بدأت بعد حصول أحد الأشخاص على نسخة من ديوانه «التعليمات بالداخل»، الذي طبع في بيروت، ولم يوزع منه أي نسخة في السعودية، ومن ثم عرض على فرع الإفتاء بعسير وصنف على أنه ديوان إلحادي، مؤكدًا أن «المصطلحات التي أدنت بها، ليست موجودة في الديوان أصلًا، وإنما اعتمد في اتهامي على تأويل خاطئ لبعض ما ورد من أشعار».
المشاركة في المعارض الفنية
وتابع "فياض" قائلًا: «سبق وأن حكم علي بـ4 سنوات على أساس وجود صور في جوالي، الذي تم تفتيشه في ليلة القبض لعدد من الزميلات التشكيليات، خلال مشاركتي في بعض المعارض الفنية التي أقيمت بجدة وخارج السعودية، إذ أصدرت المحكمة العامة حينها حكمًا بالسجن 4 سنوات و800 جلدة، إلا أن محكمة التمييز رأت أن القتل هو الحكم الأنسب، وعليه صدر ذلك من المحكمة العامة»، مضيفًا: «الحكم الأخير قابل للاستئناف، وهناك تواصل مع محامين»، وورد في حيثيات الحكم الصادر ضد "فياض"، إثبات بلاغ من أحد الشباب لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفيد بأن المتهم يدعو إلى الإلحاد والكفر ونشر الشبهات بين أوساطهم، عبر ديوان له نشر من خلاله الكفر الصريح.
كما ورد في الحكم أن الديوان أرسل لدار الإفتاء بالمنطقة لفحصه وإبداء الرأي الشرعي في محتواه، وعليه ورد خطاب من المشرف العام على فرع الإفتاء بعسير مرفق به دراسة للباحثين، ذكروا فيه ملاحظات الإلحاد بأرقام الصفحات والأسطر.
تهميش الحكم السابق
ورد عدد من الملاحظات، ومنها:- أن الشهود الذين يزكون شهادة المدعى عليه شهادتهم ساقطة، لكونه قد أقر بما يوجب ردته، أن ما قرره ناظرو القضية من قبول توبة المدعى عليه بعد ثبوت الفعل الموجب للرده في غير محله وخلاف المذهب ومذهب المحققين من أهل العلم، والشاعر "أشرف عبدالستار فياض" يبلغ من العمر 35 سنة، وهو شاعر وفنان تشكيلي فلسطيني، وحاصل على بكالوريوس برمجة الكمبيوتر من جامعة غزة.
تحرك حقوقي في السعودية وخارجها
وتواصلت ردود الأفعال الحقوقية داخل السعودية وخارجها لإنقاذ "فياض"، الذي حكم عليه بالقتل تعزيرا، فقد تواصل عدد من المحامين مع عائلة "فياض" للدفاع عنه، تحركت هيئة حقوق الإنسان في القضية وزارت "فياض" في سجن أبها وتقصت ملف القضية، وأبلغ مدير النشر والإعلام في هيئة حقوق الإنسان محمد المعدي، بأن قضية فياض محل متابعة الهيئة، وهي مطلعة على كثير من تفاصيلها، وأضاف: "زار وفد من فرع الهيئة بعسير الشاعر في سجن أبها، لجمع معلومات مفصلة عن القضية والالتقاء به، والاطمئنان على وضعه".
الاعتراض على الحكم
وتواصل محامون مع عائلة أشرف من عدة مناطق في المملكة، مبدين استعدادهم للمشاركة في الترافع عنه في المراحل المتبقية من القضية. وقال أسامة أبوريا "زوج شقيقة أشرف": إن العائلة تلقت اتصالات عدة من عدد من المحامين، مبدين استعدادهم للترافع في القضية، التي ما زالت أوراقها في المحكمة العامة بأبها في انتظار تقديم اعتراض على الحكم من قبل عائلة ومحامي فياض، وذلك بناء على الحكم الابتدائي الذي صدر الثلاثاء المنصرم، والذي كان ينص على "وبعرض الحكم على الطرفين، قررا عدم قناعتهما بالحكم، ورغب المدعي العام رفعه إلى محكمة الاستئناف لتدقيقه، بدون لائحة، وأمرنا بتسليم المدعي عليه نسخة من صك الحكم، لتقديم اعتراضه، وأفهم بأن له فترة ثلاثين يومًا من تاريخ استلام الصك". وكانت عائلة "فياض" أكدت أنها ستستأنف الحكم خلال المدة القانونية من خلال محام مختص.