عبداللطيف الزبيدي- الخليج الاماراتية-
يبدو أن قبّعة حريّة التعبير أكبر من رؤوس أعداد لا تُحصى ولا تُحصر من شعوبنا العربية. يستطيع أيّ كان أن يهدر ساعة من وقته، في قراءة منكرات التعليقات على المواد المنشورة على الشبكة العنكبوتيّة. سلوك شعوبنا هو الذي يهمّنا، وإلاّ فإن مواقع سائر اللغات لا تخلو من الخروج عن أدب الحوار.
هنا الفارق الشاسع. في مواقع وسائط الإعلام الغربية، نجد أحياناً ردوداً قاسية وأصواتاً نشازاً، ولكنها لا تنحدر إلى حضيض الفتن الطائفيّة والعرقيّة، والتعميم على دين أو حضارة أو لغة أو بلد أو أمّة. يكون النص في الرياضة أو الفنون، وإذا بالردّ قنبلة هيدروجينية تحرق الملايين فإذا هم رماد.
وصلنا إلى المقصود. هذه العملية لم تأت من فراغ، ولا هي قلة تربية نبتت كالفطر. إنها نتيجة خلل متعدد الحراب، علّة أسريّة وتربوية تعليمية واجتماعيّة وسياسيّة. دع الماء الزلال يأسن وسترى أنواع البكتيريا والبعوض والحشرات، وكذلك الحقل الذي لا تتعهده بالرعاية والحفاظ على السلامة، تنتشر فيه الأعشاب الضارة وتجتاحه القوارض.
الأسرة العربية، إلاّ من رحم ربّك، لم تألف الحوار الحرّ، الذي يقول فيه أفراد الأسرة أمام «سي السيد» آراءهم من دون حاجة إلى درع واقية وترس حافظ، على مسافة أمتار والباب مفتوح للفرار عند اتقاد الشرر. فتح الفم أمام «سي السيد»، يستدعي فوراً «سي السيف».
في المدرسة يصبح فتح الفم في الصف يستوجب إضافة راء، ليحصل التلميذ على صفر. وفي المدارس التقليدية: العصا لمن عصى. المناهج والمعلومات تصبّ في جمجمة المسكين بالقمع، وعليه أن يعيدها في الامتحان غير ناقصة قطرة. الفهم والتحليل وتربية العقل الناقد في نظر التقليديين باطل، وخبائث تبعث على التمرّد والانحراف.
الآن بلغ أخونا أشدّه وصار رجلاً بين الرجال، غير أن حريّة التعبير في النظام العربي ضرب من الخيال، إن لم تكن من المحال. لكن، والحق لا يقال، يستطيع أن يتغنى كما طاب له صباح مساء بالبلابل والعنادل والسنابل. كل المطلوب منه هو ألاّ يتدخل «في ما يعنيه»، حفاظاً على سير الأمور إلى حيث الأوضاع الراهنة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الديناميتية: بتلك المسيرة الطيبة من الأسرة إلى المجتمع، بمجرد أن يجد صاحبنا بؤرة حرية على الشبكة ينفجر.